علي ناجي الرعوي
على الرغم مما اتخذه مجلس الامن الدولي من القرارات وما تبناه من المواقف وما صدر عنه من البيانات بشأن الازمة اليمنية فأن الشيء الوحيد الذي لم يفكر فيه المجلس وسط هذا الكم الهائل من القرارات والمواقف والبيانات هو اصدار قرار ملزم للأطراف المتصارعة لوقف الحرب ببعديها الداخلي والخارجي مع انه الذي يعلم ولا يجهل بالمطلق ان هذه الحرب الدامية والمستمرة لما يقارب العامين قد ادت الى تدمير البنية الاساسية بشكل كلي في هذا البلد الى جانب انهيار اقتصاده وتوقيف عملية الانتاج فيه وتشريد اكثر من ثلاثة ملايين مواطن ودفع 80% من السكان الى حافة الفقر والجوع وذلك ليس لان هذا المجلس بأعضائه (الخمسة الكبار) عاجز عن ايقاف تلك الحرب العبثية وكسر الحلقة المغلقة التي يدور فيها الصراع باليمن ولكن لأنه يبدو مشغولا بأماكن اخرى اكثر استراتيجية عوضا عن انه الذي لا يضع ما يحدث في اليمن ضمن اولوياته لاعتبارات متعددة وفي الصدارة منها ان فاعلين في هذا المجلس وتحديدا الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا قد وجدوا في (عاصفة الحزم) فرصة تاريخية لتجريب احدث الاسلحة الذكية وعقد صفقات السلاح بأرقام فلكية ودعم الشركات الامنية الخاصة في بلدانهم عن طريق اعادة تدوير العوائد النفطية في دول الخليج المشاركة في تلك العاصفة عبر النفق اليمني الذي يبدو اطول بكثير مما كان يتوقعه البعض.
ليست معضلة اليمن حالة مستعصية على صناع القرار في مجلس الامن الدولي او ان استمرارها يرتبط بعدم توافق هؤلاء الفاعلين حول مشروع اعادة الاستقرار الى هذا البلد بل ما هو حاصل في الواقع ان فرص الحل قد تآكلت في اروقة هذا المجلس على ايقاع التجاذبات الاقليمية واتساع الفجوة بين طهران والرياض وهي الفجوة التي تماهى معها (الخمسة الكبار) الممسكين بالقرار داخل مجلس الامن سلبا او ايجابا الامر الذي انعكس على اطالة امد الحرب في اليمن وعمق من انحداره نحو مزيد من الفوضى والتفكك والفشل حيث برزت نزعات الانفصال وتناسلت الدعوات الجهوية والمناطقية والمذهبية واستشرت انشطة الجماعات الارهابية والمتطرفة في ظل الفراغ السياسي والمؤسسي الذي كرسته الحرب الراهنة بصورة تجعل من اعادة بناء (اليمن الجديد) عملية معقدة وشاقة وطويلة وكلفتها ستكون عالية ليس بالنسبة الى اليمنيين فحسب ولكن وان بدرجات مختلفة لجيرانهم في الدول الخليجية التي يراد لها ان تستنزف في هذا المستنقع الى حد كبير خصوصا وان بعضها قد دخل في هذا المستنقع دون خطة للخروج منه.
لذا يمكن القول ان تعثر الحل في اليمن كل هذه الفترة لا علاقة له بثقل ارث موجة (الربيع العربي) التي اجتاحت اليمن وبعض دول المنطقة او بتباين اجندات الاحزاب والقوى السياسية الداخلية او حتى بافرازات الانقلاب الحوثي على سلطة الرئيس هادي فاليمن هو البلد الوحيد الذي فرض عليه فتح ابوابه مبكرا للتدخل الاممي ممثلا بالأمم المتحدة التي عمدت الى ارسال فريق من الخبراء بقيادة جمال بنعمر الى صنعاء تحت مبرر المساعدة في تطويق النزاع الناشب بين المعارضة وسلطة الرئيس السابق علي عبدالله صالح عام 2011م وقد يكون من الغريب ان ذلك الفريق وبدلا من ان يعمل مع اليمنيين على تطويق ذلك النزاع على السلطة بأقصر الطرق فانه الذي اتجه الى تلغيم طرق الحل بإعادة نبش كل الصراعات التي مر بها اليمن وإخراجها الى السطح مما شتت الجهود وانزلق بالأطراف المتصارعة للبحث في ملفات قد دفنت وأهيل عليها التراب ولاشك ان هذا الاتجاه كان مدعوما ومسنودا من دول كبرى وكذا دول اقليمية شاركت في ترتيب سير احداثه التي توالت على اليمن حتى بعد انتقال السلطة الى الرئيس التوافقي عبدربه منصور هادي ليتحول هذا البلد شيئا فشيئا الى ساحة مفتوحة تعبث به تناقضات الافرقاء الاقليميين والدوليين وكذا رهانات الاطراف المتحكمة بمصادر القرار داخل مجلس الامن الدولي والذين يظهرون اليوم اكثر تقاربا حول سوريا فيما هم الذين ينتظرون من القوى المتصارعة في اليمن الاتفاق على خارطة وطنية تنهي النزاع الممتد من بداية 2015م او تحقيق انتصار عسكري فعلي لطرف على الاخر مع انهم الذين يدركون صعوبة ان يحدث مثل هذا في الحالة اليمنية وهذا الموقف يشي الى ان المجتمع الدولي لازال ينتظر تقارب وجهات النظر بين الاطراف الاقليمية المتصارعة على اليمن وحوله وكذا اتفاقها على حل ازمته.
التمحيص في البيان الاخير لمجلس الامن بشأن الازمة اليمنية يكشف تماما على ان المجلس يميل الى تحييد هذا الملف حتى يتم التقارب بين الرياض وطهران ويتضح ذلك من عدم تطرق ذلك البيان الى خطة كيري التي اعلن عنها في جدة وعدم تناوله بشكل او بآخر تعثر المفاوضات السياسية بين الاطراف اليمنية وتجنب المجلس ابداء اية مواقف يمكن ان تعتبر انحيازا لأحد طرفي الازمة وكذا عدم تطرقه لتطورات الاحداث المشتعلة في الفترة الاخيرة ليكتفي ببيان غلب عليه التلميح الضمني الرافض لأي اندفاع نحو العنف وهو ما يعني ان مجلس الامن قد حرص على مسك العصا من المنتصف وإبراز نوعا من التحييد لدور المجلس في الملف اليمني وهذا الموقف يكرس لاستمرار الحرب التي تفتك بهذا البلد وهو ما يعزز من مصداقية الانتقادات التي تتهم مجلس الامن الدولي صراحة بأنه وراء ادامة الكارثة التي يشهدها اليمن منذ ان اصبح تحت الوصاية الدولية والفصل السابع.
الحق ان مجلس الامن بمثل هذه الممارسات والمواقف المتأرجحة يبرهن من جديد على ان من يصنعون القرار في داخله يتصرفون من وحي ما تناوله ميكيافلي بإسهاب في كتابه (الامير) حيث انهم الذين يتعاملون مع الصراعات في المنطقة ضمن حسابات يغلب عليها الخداع والتقديرات المجردة من اية معاني انسانية ولو تمعنا جيدا الى الدول العربية التي تقع تحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة بدءا من العراق ومرورا بلبنان وليبيا واليمن سنجد ان ما تتعرض له هذه البلدان من الصراعات والحروب يعيد الى الذاكرة مفهوم الوصاية الدولية التي كانت الدول العربية قد تحررت منه في القرن الماضي لتعود الى هذه الوصاية من بوابة مجلس الامن والفصل السابع وهو النمط الجديد الذي لا يختلف كثيرا في العمق والاتساع عن مشروع (سايكس – بيكو ) الذي جرى من خلاله توزيع (الكعكة) العربية على النحو الذي يخدم مصالح الدول الكبرى التي لا تزال تنظر للعربي بعد مائة عام من ذلك المشروع بوصفه ذلك البدوي العتيق الذي يسير على غير هدى في الصحراء ولا علاقة له بحضارة العصر.
ليس بوسع احد تجاهل دور الخارج في اشعال الحرب باليمن مقابل هذا لا يملك المتعاطفون مع اليمن واستطرادا مع ابناء شعبه المثقل بمعاناة هذا الحرب التأثير الحقيقي في مجرى السياسة الدولية ومواقفها من هذه الحرب التي لا نعلم على أي سيناريو تدار والى اين ستقود اليمن ؟
كاتب يمني