مختبرات ام اختبارات؟

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٨/سبتمبر/٢٠١٦ ٢٢:٢٢ م
مختبرات ام اختبارات؟

سمعان كرم

الاثنان معاً.
نحن على عتبة البدء بمبادرة "تنفيذ" آلية العمل التي تطمح لتحقيق اهداف الخطة الخمسية التاسعة وذلك من خلال تصحيح أبرز اوجه القصور في بيئة الاقتصاد والتغلب على العوائق التي تحول دون تحقيقها. فهل نحن مستعدون لها؟ هذه المبادرة هي بمثابة اختبار لقدرتنا على القيام برسم تلك الخطة الطموحة والضرورية ووضع آلية لتنفيذها وذلك من خلال المختبرات.
لنعترف بداية بأهميتها في الظروف الراهنة وفي اية ظروف أخرى على كل حال، ونقرّ بواجب كلا منا للمساهمة في متابعتها، والمشاركة في مراحلها، والاطلاع على تفاصيلها ونتائجها والتعليق عليها ومن ثم الالتزام بتطبيقها في وقتها.
لكن الحماسة والوطنية مهما غلا ثمنهما لن يحلا مكان العلم والمعرفة والخبرة. وهي صفات لا ندعيها لكن نذكرها لأهميتها. من اهم عناصر الناجح هو وضوح الرؤية والتركيز عليها. ان الرؤية التي تنظر في عدة اتجاهات يصيبها الحول وتشتت الاهتمامات والطاقات دون جدوى. ولا يمكن لاهداف الرؤية ان تأخذ مكان الرؤية. فرؤية 2020 كانت واضحة الأهداف الثلاث الرئيسية وهي رفع مستوى معيشة المواطنين، وإيجاد قوى عاملة مؤهلة، وبناء قطاع خاص نشيط قادر على النمو والتوظيف. لكنها لم تحدد لنا أولويات وركائز الاقتصاد الذي نريد. قد يكون السبب يومها اننا كنا بحاجة الي الكثير (1993-1995) ممّا يفسرّ مساحة طموحاتها الي قطاعات عديدة. اما الخطة الخمسية التاسعة عادت لتركز على خمس قطاعات رئيسة وثلاث داعمة. حتى لو انحصرت الأولويات بخمسة قطاعات فتظل الرؤية مشتتة بالرغم من أهمية القطاعات. وجاءت مبادرة "تنفيذ" لتركز على ثلاث قطاعات أي السياحة والصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية. وهذا تحول بالاتجاه الصحيح حسب رأينا المتواضع. وتأتي السياحة في الطليعة وهذا مكانها الطبيعي بالنسبة لبلدنا واقتصادنا الوطني. وهي يجب ان تكون بمثابة رأس الحربة. وبالتالي لو خصصنا أغلب اهتمامنا في مبادرة "تنفيذ" عليها ورسمنا لها خارطة طريق ونفذناها، سنكون بعد بضعة أعوام بلداً سياحياً بامتياز وتصبح السياحة سمة عمان الأولى اقتصادياً حتى ولو على حساب القطاعين الآخرين مرحلياً. هذا قرار استراتيجي ومصيري لأجيالنا القادمة ولا بأس به. ولو أعلنا عن خارطة الطريق تلك واعتمدها وشارك بها الجمهور، كما ورد في الخطوة الرابعة من الخطوات الثمان المعلنة تصبح الخيارات سهلة والأولويات واضحة وتنصب الاهتمامات والموارد في خانة السياحة أولاً. معاهد التدريب تعدّل برامجها لإعداد مدراء فنادق، ومدراء مكاتب السفر وتنظيم الرحلات، وسائقي سيارات الاجرة وتنظيم الرحلات الترفيهية والثقافية والصحية والجيولوجية. ووزارة التراث تكمل مشاريع ترميم القلاع والحصون وتزويدها بمستلزمات الزوار. وتعنى دار الاوبرا السلطانية بتقديم عروض مكثفة في موسم السياحة، وينشط مركز المعارض وتسهل وزارة السياحة ترخيص الفنادق. وتخصص عمران بعضا من أصولها وممتلكاتها وتعزز وزارة البيئة في تسويق المحميات وتسهيل زيارتها على السائح، وتسوق سفاراتنا في الخارج زيارة عُمان والتنعم بمعطياتها السياحية، وتعطي وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه ووزارة النقل والاتصالات الأفضلية للطرق التي توصل السائح الى حيث يريد، الى ما هنالك من علم في صناعة السياحة. فتقوم ورشة وطنية شاملة للوصول الى الهدف المنشود. ولن تعود وزارة واحدة مسؤولة لوحدها عن هذا المشروع الوطني بل تتكاتف وتتكامل هيئات المجتمع حكومية كانت ام خاصة لإنجاحه.
والتركيز هو ايضاً في غاية الأهمية خلال ورش العمل او المختبرات فلا يتشعب الحديث الا لما يفيد الموضوع ولا يخرج عن الإطار الموضوع له. إذا كأن التركيز والقدرة عليه هو الاختيار الأول فالإختيار الثاني يكون بمعرفة الموضوع معرفة عميقة. القراءة عنه، والاطلاع على جوانبه والالمام بالقوانين القائمة المتعلقة به، والدراسات التي عالجته في وقت سابق كلها من مسؤولية المشارك في الحوار ولمصلحته. ان المعلومات الصادرة عن وسائل التواصل الاجتماعي لا تكفي، ومعلومات الصحافة وخصوصاً تلك التي تصدر باللغة الأجنبية لا تكفي ايضاً. على المشاركين التعمق أكثر بالموضوع لتكون مشاركتهم ذو فائدة. وان وزعت بعض المستندات قبل الندوات او خلالها يجب قراءتها عدة مرات ودراستها بالتأني.
والاختبار الثالث يكمن في التواضع والتخلي عن الآراء المتحجرة والتمسك بملكيتها. يأتي بعض المشاركين وفي بالهم غاية واحدة وهي عرض أفكارهم والتمسك بها حتى الثمالة. فيخرجون من الاجتماع وكأنهم لم يحضروه وبدون ان يؤثروا عليه او يتأثروا به، ويكونوا قد تسببوا فقط بضياع الوقت على الجميع. علينا ان نخفف من تعلقنا بأفكارنا المسبقة وان نكون مستعدين لسماع الآخرين وخصوصا الاختصاصيين منهم وان نستعد للقيام بتنازلات فكرية من اجل الوصول الى الحلول المقبولة من الجميع واخيراً ان تكون لهجتنا تحاورية ولا تصادمية وان تكون نظرتنا للأمور شمولية تارة وتفصيلية طوراً وان نطرح دائماً السؤال الآتي: هل هذا يفيد الاقتصاد؟ هل هذا جيداً للسياحة؟ وتأخذ هذه الأسئلة بعداً إضافياً في جلسات القطاعات الداعمة.
اما الاختيار الاخير وهو الأصعب هو ان نتحلى بالقناعة بأن المبادرة ستنجح بالرغم من تعدد المبادرات السابقة التي بقت إنجازاتها متواضعة. اذ لا سبيل لنا سوى الحوار والالتزام والاستعداد للتضحية والايمان بالله وبأنفسنا على اننا قادرون على رسم مستقبلنا بأيدينا ونعقد الإرادة والعزم على القيام بدورنا تجاه أنفسنا ووطننا. المرحلة حساسة وصعبة لكن لو تضافرت جهود جميع العمانيين والعمانيات سنصنع ما يرضي الله ويدهش الناس ويحقق حلم قائدنا المفدى.
مختبرات "تنفيذ" ستكون بمثابة اختبارات لنا. فلنثبت جدارتنا