عُمان .. التفكير بواقعية !!

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٧/سبتمبر/٢٠١٦ ٢٢:٥٧ م
عُمان .. التفكير بواقعية !!

علي ناجي الرعوي

من جديد تبرهن سلطنة عمان انها بالفعل بعيدة عن الاخطاء الشائعة التي يقع فيها المهتمون بالشأن اليمني والذين يختزلون المشهد في هذا البلد بالصورة النمطية المتمثلة بالافرازات السلبية للصراعات والحرب التي تخاض من قبل دول التحالف العربي منذ مارس 2015م والتي يتم توليدها في حاضنات تلفها الشكوك وتباعد المواقف الامر الذي اسهم في افشال العديد من المفاوضات والمشاورات وعدم وصولها الى حلول تقبل بها الاطراف المتصارعة واخرها مفاوضات الكويت التي استمرت لأكثر من ثلاثة اشهر من دون ان تحقق أي تقدم يذكر.
القيادة الحكيمة في سلطنة عمان بنظرتها الثاقبة وبصيرتها المتميزة كان لها قبل ايام قصب السبق في اعادة تدوير حركة التحرك الدبلوماسي بخصوص الازمة اليمنية حيث تمكنت الدبلوماسية العمانية من جمع المبعوث الدولي اسماعيل ولد الشيخ احمد مع وفد صنعاء العالق في مسقط منذ عدة اسابيع بسبب الحظر على مطار صنعاء وكان مثل هذا اللقاء ايذانا بعودة المشاورات التي كانت قد وصلت الى طريق مسدود بفعل فقدان الثقة بين وفد صنعاء والمبعوث الاممي الا ان ما قامت به الدبلوماسية العمانية من جهود ومساعي خيرة بعيدا عن أي ضجيج اعلامي كان له الاثر البالغ في اعادة المياه الى مجاريها وهو ما قد ينعكس على عودة الفرقاء اليمنيين الى طاولة الحوار ومواصلة البحث في خطة الاتفاق الشامل التي تضمنتها الخطة التي حملها ولد الشيخ الى وفد صنعاء واستكمال النقاشات حول كل التفاصيل انطلاقا من التفاهمات التي جرت مؤخرا بين القوى الاقليمية والدولية بشأن القضية اليمنية.
ما قامت به سلطنة عمان يعكس بصورة معمقة وخلاقة يجسد ادراكا واعيا بأنه لا حل في اليمن إلا عن طريق الحوار والتفاهم وصولا الى بلورة صيغة عملية تخرج اليمن وأبنائه من المأزق الحالي والحقبة المؤلمة والحالكة السواد التي لن يؤدي استمرارها سوى الى تعميم القطيعة والعداء والكراهية والبغضاء بين اليمن وأشقائه في منطقة الجزيرة والخليج بعد مضي ما يقارب من 18 شهرا على اندلاع حرب (عاصفة الحزم) وهي الحرب التي يقول عنها البعض انها من تفجرت بسبب حدوث اختلال شديد في توازن القوى الاقليمي وبصفة خاصة على محور (طهران – الرياض) الى درجة اصبح ينظر اليها على انها حرب بالوكالة على نحو ماهو حادث في سورية والعراق ولبنان.
قبل ايام حذر احد مراكز الدراسات الاستراتيجية في الولايات المتحدة الامريكية من التداعيات المباشرة والبعيدة المدى للحرب في اليمن والتي قال ان استمرارها لن يقود فقط الى بروز دولة ضعيفة او فاشلة او حتى مجزأة ومتشظية تعمها الفوضى وتسيطر عليها الجماعات الجهادية ذات الفكر الجانح نحو العنف والتطرف والإرهاب وإنما هي التي قد تؤدي الى تعميق النزعات العدائية بين اليمنيين والجوار في دول الخليج في ظل ما يتولد عن هذه الحرب من احساس لدى اليمنيين من ان دول الخليج او بعضها هي من تسعى الى ان تملي عليهم الاوامر او انها من خلال هذه الحرب ترغب في ان تساومهم على كبريائهم وكرامتهم وانها من هذا المنطلق تضعهم بين خيارين الاول يكمن في الاستسلام على النمط الياباني او الاذعان للخيار الثاني والمتمثل بتجرع مرارة الحرب الى اجل غير مسمى.
هذا التحذير لم يبن على توقعات مفرغة من الموضوعية بل انه من جاء مستندا الى قراءة منطقية للعقل الحاكم للإنسان اليمني الذي لازالت تحركه محفزات انماط التفكير التقليدية التي تمجد الثأر والانتقام وهذه المحفزات بحسناتها وسيئاتها الكثيرة وان كانت نتيجة طبيعية لعوامل تاريخية ومجتمعية تفاعلت في المكان والزمان عبر البنية القبلية التي ظلت تتعايش الى جانب الدولة ومؤسساتها في فضاء واحد على الرغم من ان الياتهما وقوانينهما متعارضة بل ومتناقضة الى حد كبير فلأنها التي لم تفهم بشكل دقيق من قبل الجوار ولذلك فان اخطر ما يمكن ان يحصل حسب تقديرات مركز الدراسات الامريكي هو استحكام القطيعة بين الواقع اليمني المزدوج والمربك والمعروف بعناده وصعوبة انقياده ودول الجوار الخليجية او البعض منها وبالذات اذا ما شعر المواطن اليمني العادي بانسداد الافق وان صوته لا يصل وشكواه من هول الحرب تبقى بلا رد.
كان بإمكان دول الخليج ان تدفع باليمن الى رحاب اوسع من التطور والنماء على غرار ما قام به الاتحاد الاوروبي مع بعض الدول الاوروبية بدلا من عزله اقليميا وتركه خارج منظومته الجغرافية وربما كانت دول المنطقة ليست بحاجة لان تدفع فاتورة تأخر حكوماتها باتخاذ قرار كهذا في السنوات الماضية وهي الان ليست بحاجة ايضا الى تعميق العداء مع الجزء الاكبر من اليمنيين عن طريق الاصرار على استمرار الحرب التي تدار تحت ايقاع انقاذ هذه البلاد التي تمثل زاوية الجزيرة العربية من مستنقع السيطرة الايرانية على اعتبار ان ما نراه في اليمن اليوم ليس اكثر من محصلة لتجاهل الخليج لليمن في الماضي على الرغم من ان حضوره داخل مجلس التعاون هو من سيفيد الخليج اكثر مما يفيد اليمن امنيا واقتصاديا واستراتيجيا فاليمن هو بوابة خلفية للخليج وعدم استقراره لأي سبب كان من شانه ان يهدد استقرار الخليج عموما.
من خلال المتابعة للعلاقة بين اليمن ودول الخليج باستثناء سلطنة عمان سنجد ان هذه العلاقة خلال العقود الخمسة الفائتة ظلت متأرجحة حيث ظلت دول الخليج حريصة على علاقات تكون اليمن فيها دولة تابعة وليست دولة مندمجة في المنظومة الخليجية ومن الواضح ان (عاصفة الحزم) قد اسقطت اية اهمية في هذه العلاقات وعززت من عوامل العدائية والكراهية لدى قطاع غير قليل من اليمنيين سيما وهم من يسمعون بعض المعلقين الخليجيين يتحدثون بلغة استعلائية حول تخلف اليمن وانه الذي اصبح عالة على المنطقة الخليجية بما في هذا الخطاب من استفزاز يقود الى الشراسة في المواجهة.
الدول الخليجية مطالبة اكثر من أي وقت مضى ان تقتفي اثر النهج العماني انطلاقا من القناعة الراسخة بان امن المنطقة يستلزم بالضرورة ان تبحث هذه الدول عن مقاربة اكثر موضوعية تؤدي بالمحصلة النهائية الى ايجاد حلول واقعية وعادلة تعيد الامن والاستقرار والسلام الى اليمن قبل ان يتحول هذا البلد بالفعل الى خطر على نفسه وعلى جواره حيث وان معالجة الهزات التي تتسرب منها الرياح بعقل وحكمة افضل الف مرة من العناد والمكابرة وانتظار ما قد ينجم عن ذلك الخطر.

كاتب يمني