"شطحات" من يوميات ترامب

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٧/سبتمبر/٢٠١٦ ٢٢:٥٧ م
"شطحات" من يوميات ترامب

سيمون جونسون

في الولايات المتحدة وغيرها، يتركز قدر كبير من الاهتمام على التكهن بما إذا كان المرشح لرئاسة الولايات المتحدة دونالد ترامب قد يتحول بعيدا عن خطابه المناهض للمهاجرين والمسلمين المخالف لأي حكمة أو عقل والذي حَمَله إلى الفوز بترشيح الحزب الجمهوري. وتفيد التقارير أن بعض مستشاريه يوصونه بالتحرك في اتجاه "التيار الرئيسي" لمواقف الجمهوريين، كتلك التي تتبناها قيادات مجلس النواب.
ومن الوارد تماما أن يتبع ترامب نصيحتهم. ذلك أن مواقفه الحالية لا تُوَلِّد القدر الكافي من الدعم لجعل النصر في نوفمبر/ في حكم الممكن (يشير موقع FiveThirtyEightالذي يُستَشهَد به على نطاق واسع إلى احتمالات بنحو 20%). ومن المعروف أن مايك بنس، رفيق ترامب المرشح كنائب له، وحاكم ولاية إنديانا، خدم في البيت الأبيض من عام 2000 إلى عام 2012، وتربطه علاقات وثيقة برئيس مجلس النواب بول ريان وغيره من الزعماء الجمهوريين.
من المؤكد أن المؤسسة الجمهورية، المنقسمة بشدة حول ترشح ترامب، تتمنى حدوث مثل هذا التحول. ولكن إذا حدث هذا فلا ينبغي لأحد أن يتخيله باعتباره خطوة نحو مواقف أكثر "اعتدالا". ففي أي عام آخر، كنا لنعتبر الجمهوريين في الكونجرس متطرفين غير مسؤولين.
ولنتأمل هنا سجل جلسة استماع حديثة للجنة مجلس النواب للرقابة والإصلاح الحكومي، والتي يترأسها النائب جيسون تشافيتز. كان التركيز الظاهري لجلسة الاستماع منصبا على السياسات التي تنتهجها مؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بإنشاء بنوك جديدة. ولكن مع تقدم أعمال الجلسة بات من الواضح أن أغلب الأعضاء الجمهوريين عازمون على تطبيق برنامج واسع النطاق لإزالة القيود المالية ــ وهذا يعني التراجع عن كل الإصلاحات التي جرى تطبيقها بعد الأزمة المالية عام 2008. (أدليت بشهادتي في لجنة الاستماع بدعوة من الديمقراطيين في مجلس النواب).
في واقع الأمر، كان أغلب كبار الجمهوريين الذين تحدثوا راغبين في العودة إلى عالَم ما قبل الأزمة ــ أو حتى إلى تنظيم مالي أقل إحكاما مما كان في عهد الرئيس جورج دبليو بوش. وهذه وصفة لتكرار دورة الرواج والكساد التي خلقت أسو أزمة منذ ثلاثينيات القرن العشرين وتسببت على أقل تقدير في الإضرار بالاقتصاد الأميركي.
وعلاوة على ذلك، في حين يلقى المسؤولون الجالسون عادة معاملة محترمة، كان الجمهوريون في اللجنة في غاية الهمجية في التعامل مع مارتن جرونبرج، رئيس مؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية. والأمر الأشد سوءا هو أن الجمهوريين، فضلا عن وقاحتهم وطريقتهم الصِدامية، أظهروا افتقارهم الشديد للاهتمام حتى بالحقائق الأساسية.
على سبيل المثال، ادعى بعض الجمهوريين أن أسعار الفائدة المنخفضة ينبغي أن تجعل إنشاء بنوك جديدة أمرا جذابا ــ أي أنهم يرون أن نقص الخدمات المصرفية البادئة يشير إلى أن مؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية تفعل شيئا يجافي الصواب تماما. ولكن الباحثين في مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي درسوا هذه المسألة عن كثب، وأثبتوا بما لا يدع أي مجال للشك أن الفارق الذي يمكن تحقيقه في معدل الفائدة (الفارق بين أسعار الفائدة على الودائع وأسعار الفائدة على القروض) للبنوك البادئة المحتملة ــ هو السبب الرئيسي الذي يجعل الناس غير راغبين في إنشاء بنوك جديدة.
ومن المؤسف أن الجمهوريين في مجلس النواب لا يريدون ببساطة أن يواجههم أحد بنتائج العلوم الاجتماعية (في ما يرتبط بالخدمات المصرفية) ــ أو العِلم ظاهريا (على سبيل المثال، في ما يرتبط بتغير المناخ). وإذا وضعت الحقائق أمامهم، كما حدث في جلسة الاستماع هذه، فإنهم يصبحون عدوانيين وبغيضين ــ ويظهرون وكأنهم نُسَخ مصغرة من ترامب. ويصبح تبادل الأفكار والمعلومات معهم بشكل متحضر أمرا مستحيلا.
يضع الجمهوريون في مجلس النواب فكرة اقتصادية كبيرة أخرى على أجندتهم والتي من المرجح أن نسمع المزيد عنها من ترامب: التوسع في خفض الضرائب. في حال إقرار هذه الفكرة، فسوف يستفيد منها قِلة من الناس على قمة توزيع الدخل؛ أما كل الناس غيرهم فلن يستفيدوا كثيرا. ومن ناحية أخرى، سوف يرتفع العجز والدين الحكومي إلى عنان السماء؛ تماما كما حدث خلال فترة ما قبل أزمة 2008.
وسوف يكون أي نمو ناتج عن ذلك وهميا، في ظل الهبوط الحاد الحتمي الذي لابد أن يؤدي إلى التقشف، الذي سيُفرَض بشكل غير متناسب على أقل الأميركيين حظا. ولا أظن أن مناقشة هذه القضايا مع الجمهوريين في مجلس النواب قد تتسم بالعقل.
الواقع أن أي شخص يرغب في "انتقال ترامب إلى منطقة وسطية" في الحزب الجمهوري اليوم فهو في واقع الأمر يطلب نسخة أشد خطورة من جورج دبليو بوش، في الداخل والخارج. كان بوش حريصا على خفض الضرائب بشكل كبير إلى النهاية، فضلا عن إقرار زيادات أخرى كبيرة في الإنفاق الحكومي ــ بما في ذلك تكاليف حربين خارجيتين مأساويتين ــ وتمويل كل ذلك بالاستدانة. كما أشرف على شكل من أشكال إلغاء التنظيمات المالية أكثر اكتمالا من أي شيء شهدته الولايات المتحدة في أي وقت مضى، وهو ما أفضى إلى أكبر انكماش اقتصادي في ما يقرب من ثمانين عاما.
إذا دخل ترامب البيت الأبيض، فربما تحصل الولايات المتحدة على أجندة الرجل الأبيض الفوقية الاستعلائية التي يروج لها هو وحلفاؤه: التمييز الواسع النطاق ضد الأقليات والمجموعات الأخرى، بل وربما تحصل على شكل من أشكال الدولة البوليسية التي تحتجز وتطرد الملايين من المقيمين. أو ربما تحصل على إلغاء كامل للتنظيمات المالية والعودة إلى السياسات المالية الأبعد عن المسؤولية على الإطلاق في تاريخ الولايات المتحدة. والسيناريو الأكثر ترجيحا هو أن تحصل أميركا على الأمرين معا.

كبير خبراء الاقتصاد لدى صندوق النقد الدولي الاسبق ، وأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا