أين إسرائيل من القوانين الدولية؟

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٥/سبتمبر/٢٠١٦ ٢٣:٠٣ م
أين إسرائيل من القوانين الدولية؟

غازي السعدي

سياسة هدم منازل الفلسطينيين في الأراضي المحتلة لها عدة أسباب، منها ما هو ظاهر للعيان، ومنها ما هو خفي، فإسرائيل تريد التأكيد للفلسطينيين والعالم على أنها هي وحدها صاحبة القرار في القدس وفي الضفة الغربية المحتلة، وأن هذه أراضيها التاريخية، وليست أراضي متنازع عليها، أو أراضي محتلة، وتعتمد إسرائيل في عمليات هدم البيوت، على قوانين يصدرها الحكم العسكري والإدارة المدنية، والاعتماد على قوانين الطوارئ، والقوانين العثمانية والأردنية، والهدف الرئيسي من هدم البيوت، ونهب الأراضي وزرعها بالمستوطنات، هو تقويض إقامة الدولة الفلسطينية، وما يسمى بحل الدولتين، ففي ذروة الانتفاضة الثانية عام 2000، عقد المعهد الإسرائيلي للديمقراطية- بمشاركة قادة من الجيش الإسرائيلي، إضافة إلى مسؤولين حكوميين- اجتماعاً جرى فيه البحث في هدم منازل الفلسطينيين، أهدافها نتائجها جدواها وأبعادها، فقد شكك المجتمعون بنجاعة سياسة الهدم، كوسيلة لردع المقاومين ضد الاحتلال، وأوصى الاجتماع بالتوقف عن هدم المنازل، لكن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لم تصغ لهذه التوصية واستمرت بسياسة الهدم، التي بدأت بممارستها منذ عام 1967.
في بحث قانوني أجراه كل من البروفيسور "عميحاي كوهن"، والمحامية "طال ممران"، توصلا إلى إشكالية هدم المنازل، واستخدامها كعقوبة رادعة ثبت عدم فعاليتها وجدواها، حسب الدراسة، فهي لا تؤدي إلى الردع، بل أن نتائجها زرع الغضب والكراهية وتأجيجهما، الأمر الذي يؤدي إلى الرغبة في الانتقام أكثر من الردع، ومثالاً على ذلك، فإن الصبي الصغير الذي يرى بأم عينيه هدم منزل عائلته، هو لن يرتدع بل سيميل إلى الانتقام من الاحتلال، حسب الدراسة.
في الموضوع ذاته، نقلت جريدة "هآرتس 10-8-2016"، عن الجدل الدائر في الأوساط اليهودية حول التمييز بين العرب واليهود في تنفيذ سياسة هدم المنازل، فقاضي المحكمة العليا "نوعم سولبرغ"، اعتبر أن تنفيذ هذه العقوبة ضد اليهود، لا حاجة لها واعتبرهم غير محرضين، وهذه مغالطة تنفيها الوقائع، فعمليات التنظيمات الإرهابية اليهودية ضد الفلسطينيين، التي مورست ضد رؤساء بلديات الضفة الغربية في سنوات السبعينات هي الآن آخذة بالاتساع ضد الفلسطينيين.
وزيرة العدل- ولا يوجد عدل في إسرائيل- "إيليت شكد"، من حزب البيت اليهودي حسب جريدة "يديعوت احرونوت 15-12-2015"، تبنت قانونا لتسريع الإجراءات لهدم منازل الفلسطينيين بعد أن كانت عملية تنفيذ الهدم تحتاج إلى بضعة أشهر، فهي الآن تنفذ خلال بضعة أسابيع، لكنها لم تتطرق إلى الأهداف الحقيقية لعمليات الهدم، وللأسف فإن حتى ما تسمى بالأحزاب الإسرائيلية المعتدلة، لم تقف ولم ترفع صوتها لمعارضة سياسة الهدم، بعد أن ثبت أنها ليست وسيلة رادعة، وما انتفاضة السكاكين إلا دليل على عدم نجاعة سياسة الهدم.
إسرائيل هدمت ودمرت منذ الاحتلال عام 1967 وحتى اليوم، وفقاً لتقرير "الأورومتوسطية"، نحو (50) ألف منزل ومنشأة فلسطينية في الضفة الغربية وفي القدس المحتلة، وطال الهدم قرى وأحياء بكاملها، وهذه السياسة مستمرة، ومن أهدافها تشتيت المواطنين، وإقامة المستوطنات، وحسب وكالة سما الإخبارية الإسرائيلية بتاريخ "27-7-2016"، هدم الاحتلال في الأشهر الستة الماضية من هذا العام، (168) منزلاً، وفي تقرير لمنظمة بتسيلم الإسرائيلية الحقوقية، تؤيد ما نشرته وكالة سما الإخبارية، وسجلت الأمم المتحدة ارتفاعا بنسبة 40% في عمليات هدم المنازل في القدس فقد هدمت إسرائيل منذ عام 1967، أكثر من "2814" منزلاً مقدسياً، مع أن الأمم المتحدة والمجموعة الأوروبية ودول عديدة، تشجب سياسة هدم المنازل ومصادرة الأراضي والاستيطان، لكن إسرائيل تتجاهل جميع هذه الاحتجاجات.
الطغيان الإسرائيلي لا يكتفي بهدم آلاف المنازل الفلسطينية، حتى التي تبنيها المجموعة الأوروبية في منطقة "ج" الخاضعة أمنياً وإدارياً للاحتلال، فقد وُضِعَ أمام الكنيست مؤخراً مشروع قانون جديد، جرى إقراره بالقراءة الأولى، مفاده الاستمرار في سياسة الهدم والتسريع في إجراءات عمليات الهدم، الذي سيطال أيضاً المواطنين العرب داخل الخط الأخضر، فهناك عشرات آلاف المنازل مهددة بالهدم، بحجة أنها أقيمت دون ترخيص، فقد بنيت اضطراريا وعلى أراضي أصحابها، لكن السلطات لا تستجيب لمعظم الطلبات للحصول على رخصة بناء، فهي سياسة إسرائيلية ممنهجة لا تستجيب للبلديات والمجالس المحلية العربية، بالمصادقة على الخرائط الهيكلية داخل منطقة الـ 1948، وبدلاً من التجاوب مع احتياجات المواطنين، فإن وزيرة العدل تبنت القانون المعروض على الكنيست، الذي يقضي بتشديد العقوبات على "المخالفين"، ورفع قيمة الغرامات وتسريع عملية الهدم.
لقد طلبت الأمم المتحدة بتاريخ "18-2-2016"، من إسرائيل التوقف فوراً عن هدم المنازل في الضفة الغربية، وبخاصة في منطقة "ج"، التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية، فمنسق الأنشطة الإنسانية والإنمائية للأمم المتحدة، كشف أن عمليات الهدم تتم على أسس قانونية زائفة، وأن 1.5% فقط من طلبات الفلسطينيين للحصول على تراخيص تحظى بالموافقة، مقابل 98% من طلبات الترخيص يجري رفضها، وحسب هذا المنسق "بيير فان"، فإن القانون الدولي واضح، وهو أن للفلسطينيين الحق بالحصول على السكن اللائق، بينما تجري عمليات الهدم بمعدل مثير للقلق، وعلى الرغم من الاحتجاجات المتكررة، تواصل إسرائيل سياسة الهدم، لتفريغ الأرض من سكانها، فهي تريد الأرض دون سكان، وحسب "بيير" فقد هدمت إسرائيل بحجة البناء غير المرخص عام 2015، في منطقة "ج" (539) مبنى، وفي عام 2016 (580)، فالمزاعم الإسرائيلية لتبرير سياستها كثيرة، منها الإعلان عن الاراضي مناطق عسكرية، رغم أن تقارير محايدة تفيد أن 80% من هذه المناطق التي يجري مصادرتها، لا تستخدم للأهداف والمناورات العسكرية، بل يجري تحويلها في وقت لاحق للمستوطنين، وعلى سبيل المثال فقد أعلنت إسرائيل عام 1970 عن مساحة 18% من الضفة الغربية مناطق عسكرية، ومناطق للتدريب، لكن وحسب التقرير فإن (50) مبنى يهدم شهرياً، وكل ذلك يندرج في سياسة التهويد وبخاصة للقدس الشرقية، فإسرائيل تلجأ إلى المادة "119 (1)" من أنظمة الطوارئ الانتدابية لعام 1945، في عملية هدم أو إغلاق المنازل، فيما المادة (53) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 تحرم تدمير الممتلكات، وأن عمليات الهدم تعتبر انتهاكاً صارخاً لنص المادة (17) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأخيرا... إلى متى ستبقى إسرائيل خارج نطاق القانون الدولي.
إن هدم المنازل الفلسطينية، ليست سياسة عقابية فحسب، بل هي جزء من إستراتيجية إسرائيلية، لطرد الفلسطينيين، والاستيلاء على أراضيهم على جرعات متتالية، ففي النقب تعمل السلطات الإسرائيلية على الاستيلاء على عشرات آلاف الدونمات من أصحابها العرب البدو، لإقامة المستوطنات والقواعد العسكرية، فقرية العراقيب البدوية في النقب، جرى هدم هذه القرية (102) مرة على التوالي كان آخرها بتاريخ 18-8-2016، ويقوم سكانها ببنائها من جديد، مع أنهم مواطنون إسرائيليون يحملون الجنسية الإسرائيلية، فوزير التربية والتعليم الذي وضع برنامجاً لقيام الطلاب بزيارة متاحف المحارق النازية في بولندا، كان عليه أيضاً توجيه الطلاب لزيارة المحارق الإسرائيلية، ومصادرة الأراضي، وهدم قرى بكاملها، في الضفة الغربية وفي النقب، فعن أي مفاوضات سلام يتحدثون؟

مدير دار الجليل للنشر والدراسات الفلسطينية