مستقبل الأمم المتحدة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٤/سبتمبر/٢٠١٦ ٢٢:٥٨ م
مستقبل الأمم المتحدة

كيفين رود

مع تحول النظام الدولي القائم إلى كيان أكثر تفتتا، تصبح مؤسسات الحوكمة العالمية القوية عنصرا بالغ الأهمية في التصدي للتحديات الاستراتيجية والاقتصادية وتلك التي ترتبط بالاستدامة في مختلف أنحاء العالم. ومع هذا فإن مؤسساتنا الحالية ــ بما في ذلك الأمم المتحدة في المقام الأول ــ نادرا ما كانت بهذا القدر من الضعف والعجز في تاريخها.
الواقع أن الأمم المتحدة ليست معطلة، ولكنها في ورطة، وخاصة مع تعامل المزيد من الدول معها بوصفها مؤسسة دبلوماسية مهذبة تتحرك بعد فوات الأوان واضطرارها إلى البحث عن حلول للمشاكل العالمية الكبرى في أماكن أخرى. وقد رأينا هذا في قضايا تتراوح من سوريا إلى إيران، وكوريا الشمالية، والإرهاب، والأمن السيبراني، وطالبي اللجوء، واللاجئين، والهجرة، والإيبولا، والأزمة الناشئة في تمويل المساعدات الإنسانية.
ورغم أن الأمم المتحدة لا تزال تمتلك الكثير من مواطن القوة، فإنها تعاني أيضا من نقاط ضعف بنيوية واضحة. كما يتزايد اتساع الفجوة بين ما تطمح إلى القيام به وما يمكنها القيام به فعليا. ولكن العالم يحتاج إلى الأمم المتحدة التي لا تكتفي بالتداول بشأن السياسة، بل وأيضا القادرة على الإنجاز على الأرض.
يتعين على القيادة الجديدة أيضا أن تطرح عمليات فعّالة والآلية التنظيمية اللازمة لتنفيذ المبادرات الرئيسية الحالية، بما في ذلك أهداف التنمية المستدامة. والفشل في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ــ التي تتألف من 17 هدفا رئيسيا فضلا عن 169 هدفا محددا ــ يعني التشكيك في سبب وجود الأمم المتحدة ذاته.
يستلزم تجنب مثل هذه النتيجة إبرام اتفاق عالمي جديد بين الأمم المتحدة، وبنوك التنمية العالمية والإقليمية، ومصادر التمويل الخاصة لتمويل جهود تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وينطبق الأمر نفسه على تنفيذ اتفاق باريس للمناخ لعام 2015، والذي يتطلب استثمارات كبيرة في كفاءة الطاقة ومصادر الطاقة المتجددة لمنع درجات الحرارة العالمية من الارتفاع بأكثر من درجتين مئويتين.
ولابد أن تكون أجندات الأمم المتحدة المتعددة ــ السلام والأمن، والتنمية المستدامة، وحقوق الإنسان، والمساعدات الإنسانية ــ متكاملة بنيويا في سلسلة استراتيجية متصلة واحدة، بدلا من الصوامع المؤسسية الجامدة القائمة بذاتها. ومن الممكن نشر مجموعات من "فرق الأمم المتحدة" المتعددة التخصصات في الميدان لكسر الحواجز الإدارية ومواجهة التحديات كل بما يتناسب مع مهمته. وسوف تعمل هذه المجموعات بموجب تفويض مشترك عبر كل هيئات الأمم المتحدة، ويتولى قيادتها مدراء عمليات الأمم المتحدة في كل دولة.
وينبغي أن تكون الخطوة الخامسة إدماج المرأة بشكل كامل وعلى قدم المساواة مع الرجل في جميع أقسام أجندة الأمم المتحدة، وليس فقط في مناطق منفصلة تتعلق بقضايا "المرأة". والفشل في القيام بهذا من شأنه أن يقوض السلام، والأمن، والتنمية، وحقوق الإنسان، والاقتصاد العالمي المتعثر بالفعل. فوفقا لتقرير ماكينزي في عام 2015، من الممكن أن يضيف تحسين المساواة بين الجنسين في مختلف أنحاء العالم نحو 12 تريليون دولار أميركي إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2025.
على نحو مماثل، ينبغي إدماج الشباب بشكل أفضل في عملية اتخاذ القرار في الأمم المتحدة ــ ليس على سبيل المجاملة الأبوية، بل على النحو الذي يمكنهم من المساعدة في صياغة مستقبلهم. يمثل الشباب العالمي (تحت سن 25 عاما) نحو 42% من سكان العالم، وأعدادهم في تزايد. ونحن في احتياج بشكل خاص إلى سياسات جديدة لمعالجة البطالة بين الشباب، نظرا لفشل السياسات الحالية.
وبشكل أكثر عموما، لابد أن تتغير ثقافة الأمم المتحدة ــ ربما بالاستعانة بهيكل جديد للحوافز ــ لإعطاء الأولوية للعمليات في الميدان، وليس العمليات في المقرات؛ وتنفيذ توصيات التقارير بدلا من كتابة المزيد من التقارير؛ وقياس النتائج على الأرض، وليس الاكتفاء بإحصاء عدد المؤتمرات التي تعقدها الأمم المتحدة.
وأخيرا، يتعين على الأمين العام المقبل أن يفكر عمليا، انطلاقا من إدراكه لحقيقة مفادها أن قدرة الأمم المتحدة على العمل بكفاءة ومرونة سوف تصطدم دوما بقيود تتعلق بالميزانية. وليس من المنطقي أبدا أن نأمل أن تنفتح السماوات المالية من جديد ذات يوم بطريقة سحرية. فلن يحدث هذا.
بالنظر إلى ما هو أبعد من هذه البنود المحددة، يلوح في أفق مستقبل الأمم المتحدة سؤالان أساسيان. في ضوء عجز الحوكمة العالمية في القرن الحادي والعشرين، هل تتمكن هيئات التداول التابعة للأمم المتحدة من التدخل واتخاذ القرارات الكبرى التي تتناسب مع الوضع؟ وهل تستطيع الآلية المؤسسية للأمم المتحدة ذاتها أن تنفذ السياسات بفعالية بمجرد البت فيها؟
بالاستعانة بالقدر الكافي من الإرادة السياسية، والزعامة القوية، وبرنامج إصلاحي واضح تدفعه أهداف ملموسة، تستطيع الأمم المتحدة أن تظل ركيزة لنظام عالمي مستقر وعادل ومستدام. والبديل هو الإهمال، والتآكل المؤسسي، والعجز في مواجهة التحديات الكبرى في عصرنا. وهذا من شأنه أن يُفضي إلى عالَم غير مستقر على نحو متزايد لنا جميعا.

رئيس وزراء أستراليا السابق، ورئيس جمعية آسيا ومعهد السياسة في نيويورك