الاقتصاد يولد الوظائف لكن الوظائف لا تولد الاقتصاد

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٤/سبتمبر/٢٠١٦ ٢٢:٣٣ م
الاقتصاد يولد الوظائف لكن الوظائف لا تولد الاقتصاد

بقلم سمعان كرم

لو فكرّنا قليلاً بهذه المعادلة قد نعيد ترتيب الأولويات ونضع اصبعنا على الجرح مباشرة. فقبل ان نسأل شركةً او مؤسسةً ما من القطاع الخاص كم نسبة التعمين في الشركة وكم يمكنها ان تلتزم بالتوظيف سنويا، وهي بالتأكيد اسئلة ضرورية ومهمة، علينا ان نسأل كيف الأوضاع الإقتصادية والمالية للشركة والمؤسسة. كلنا يعلم عن الهم الكبير المتجسد بإيجاد الوظائف للداخلين على سوق العمل لأول مرة وقبلهم الباحثين عن عمل، وهذا همُ جميع الحكومات في العالم، هذا الهم الذي تحمل وتعالج اكثره حالياً وزارة القوى العاملة الموقرة لوحدها. وهذا غير كافٍ كما تثبته ارقام اليد العاملة الوطنية في القطاع الخاص. وإذا كان هم تلك الوزارة تدريب وتوظيف العمانيين، فمن هي الجهة التي تسهر على نجاح ونموّ وتقدم الشركات والمؤسسات؟ الغرفة مبدئياً هي التي تمثل القطاع الخاص لكن لا من صلاحياتها ولا من امكانياتها وحدها ان تسهر على تقدم ونمو الشركات وعلى ازالة العوائق التي في طريق ذاك النمو الذي يمكنّه من ايجاد الوظائف الجديدة للخريجين وهو الهدف المنشود.
ولو تركنا النظريات والخطط الشاملة ودخلنا في امور نعيشها يومياً والتي تبدو طفيفة، لرأينا انه بالامكان تحسين بيئة العمل من خلال قرارات سهلة وبسيطة، مزودين بقناعات واضحة بان التغيير امرٌ حتمي وعلينا ان نديره ونتعايش معه، وان مراجعة القرارات السابقة هو ايضاً امرٌ ضروري لتقييمها، وتعديلها، او تركها على حالها، وان ندخل في بحثنا وتحليلينا لها دوماً سؤالاً بديهياً يتلخص بجملة قصيرة: هل هذا مفيد للاقتصاد الوطني؟ هل يسهل ام يعقد عمل القطاع الخاص؟ لنأخذ على سبيل المثال قانون العمل الحالي وطريقة تطبيقه وكيف يمكننا ان نحسّن بيئة عمل القطاع الخاص دونما التأثير على ما تحقق من نجاحات في التعمين ولو كانت متواضعة. لكن قبل ذلك دعوني ابدي رأياً شخصياً عن القانون الحالي. بصورة عامة هو قانون منسجم مع قوانين العمل الدولية ويفي الغرض حالياً. من ناحية اخرى لا يتحمل وضع السوق الخوض بتغييره وتعديله في ظروف حرجة كما التي نعيشها في الوقت الحاضر، اذ نحن بغنى على كل ما يزعزع الاستقرار القائم.
نبدأ في قرار حظر الشركات. انه قرار قاسٍ قد لايتماشى مع حجم المخالفة وبالتالي يجب ان لايصدر هكذا قرار الا من سعادة الوكيل، وحتى من معالي الوزير. ان إصدار لائحة تنفيذية ولو بعد تعديل القانون بسنوات لتوضيح بعض البنود السامحة للإلتباس، يشكل ضرورة ملحة لتفادي الاختلافات في التفسير وبالتالي المنازعات. يقول القانون مثلا ان عدد ساعات العمل يومياً هو تسع ساعات يتخللها نصف ساعة على الاقل عند فترة الظهيرة. ماهو الحد الأعلى لتلك الاستراحة؟ ومن حساب من تحتسب، من العامل او من رب العمل، اي هل الوقت الفعلي هو ثماني ساعات ونصف او اقل؟ اذا قام وافدٌ بعمل غير العمل المذكور على بطاقته يعتبر ذلك مخالفة قد تحظر الشركة من جرائها. فأين فائدة الاقتصاد من هذا التدبير اوحتى فائدة التعمين إذا كانت المهنتان غير محظورتين. ولماذا يطلب من الشركات تقديم الأصل من شهادات الوافدين في الوقت الذي تتحمل الشركات مسؤولية عملهم. الأمر يختلف تماماً اذا اراد الوافد ممارسة اعمالٍ حرة كالتطبيب والمحاماة والهندسة المعمارية. يجب عندها التأكد من صحة وصلاحية وجودة شهاداتهم الجامعية او غيرها. واذا وصلنا الى موضوع العمالة السائبة التي لاتعمل لدى كفيلها، اذ لاعمل له، بل لدى شركات اخرى تعتبر الحالة مخالفة كبيرة تقارب الجريمة. كيف يتم التعامل معها حالياً. تحظر الشركة فوراً وتغرم الف ريالٍ عماني عن كل شخص ويسفرّ الى بلاده على حساب الشركة عادة، اذ لا سبيل لرفع الحظر إلا بعد ذلك. واذا تقاعس الكفيل وقعت الملامة بكاملها على الشركة. نحن لسنا مع تشجيع الناس على المخالفات لكننا نبحث عن الفائدة للإقتصاد والتعمين. في الجوهر اما ان تكون الشركة بحاجة لذلك العامل فتوظفه او تطلب مأذونية جديدة فيزداد الضغط على الوزارة ويرتفع بذلك عدد الوافدين. نقترح ان يكون الحل لكما يلي: عند ضبط حالة كهذه تعطى الأولوية للكفيل ان يسترد موظفه كي يعمل فعلياً عنده ويحول معاشه عن طريق البنوك مثل كل الشركات والمؤسسات القائمة فعلياً وليس صورياً. وإن لم يتم ذلك تعطى الشركة حق توظيف ذلك العامل ونقل كفالته مع تغطية المصاريف للكفيل. واذا رفض الوافد العمل لدى الشركة ولم يأخذه الكفيل على عاتقه للعمل معه يعود الى بلاده.
ما اوردناه من آراء حول بعض الاجراءات في وزارة القوى العاملة، ينطبق على وزارات عدة وبالتالي من المفيد اعادة النظر بها لتحسين بيئة العمل والتصويب نحو فائدة القطاع الخاص منها كي ينتعش وينمو وبالتالي يوظف. فغرامات التأخير على المشاريع مثلا تطبق بصورة عشوائية، اذ ان الاستشاري المعين من قبل المالك هو بنفس الوقت الطرف والقاضي. تصل تلك الغرامات الى عشرة بالمائة من قيمة العقد. من هي الشركات التي تربح عشرة بالمائة على مشاريعها التي حصلوا عليها بالتنافس والتناقص؟ لننظر الى حسابات بعض الشركات المدرجة في سوق مسقط كم تربح وكم تخسر. ومن هي الجهة التي يمكن للشركة ان تتظلم لديها؟
كذلك نضيف الوزارات التي تصدر التراخيص وعدم الممانعة والاذونات عليها ايضاً ان تعيد النظر بأجراءاتها من منظار القطاع الخاص فتعمل على التسريع والتبسيط وتوفير الوقت والطاقات.
اذ وضعنا نصب اعييننا مصلحة القطاع الخاص بالتوازي مع متطلبات تدريب وتوظيف القوى العاملة الوطنية قد نصل الى اقتصادٍ قادرٍ على استيعاب الباحثين عن العمل والداخلين الجدد في السوق. اذ ان الاقتصاد يولد الوظائف والوظائف لا تولد الإقتصاد.