مسقط -العمانية
كان للأوضاع الاقتصادية العالمية الناجمة عن تدهور أسعار النفط في النصف الثاني من العام 2014، وشمل ذلك مختلف القرارات الاقتصادية في دول العالم أجمع، ودول المنطقة على وجه الخصوص، وذلك نظرًا لاعتمادها الأساسي على النفط كسلعة اقتصادية أساسية للدخل الحكومي.
ولم تكن السلطنة بمنأى عن هذا التأثر، ولذلك برز الاتجاه لإيجاد حلول تمتص تأثيرات الأزمة المالية على الاقتصاد الوطني قدر المستطاع من جهة، وإيجاد خريطة طريق مستقبلية تجعل اقتصاد السلطنة أكثر قدرة على المقاومة والتكييف مع تقلبات الاقتصاد العالمي من جهة أخرى.
لذلك، قامت السلطنة وبعد دراسات مستفيضة بالعمل على تنمية الاقتصاد الوطني من خلال إطلاقها للبرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي «تنفيذ»، والذي جاء بمباركة سامية من لدن جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- وبدأ الإعداد له في مايو الفائت. ويأتي «تنفيذ» كآلية عمل لتحقيق أهداف الخطة الخمسية التاسعة، وذلك من خلال تصحيح أبرز أوجه القصور في بيئة الاقتصاد، والتغلب على العوائق التي تحول دون تحقيق أهداف التنويع الاقتصادي، ونمو حجم الاقتصاد العماني، بما في ذلك إجراء التعديلات اللازمة على القوانين واللوائح، وتحديد الأولويات، وتوفير التمويل اللازم للمشاريع، والاتفاق على المهام والمسؤوليات ومواعيد الانجاز، وصولاً إلى زيادة الناتج الإجمالي المحلي، وتعزيز استثمارات رؤوس الأموال، وتوفير فرص وظيفية للمواطنين، وجعل القطاعات المستهدفة في الخطة الخمسية التاسعة بديلاً فاعلاً عن الاعتماد شبه الكلي على النفط. ويعمل «تنفيذ» على صياغة آلية عمل واضحة المعالم ووفق جدول زمني محدد، ومؤشرات لقياس الأداء، يبدأ تطبيقها مع مطلع العام القادم. ومن أجل مزيد من الضمانات لنجاح البرنامج ؛ فقد تمت صياغته بالاستفادة من الخبرات والتجارب العالمية، وعلى رأسها النموذج الماليزي الذي نجح -بعد تطبيقه- في زيادة الناتج المحلي الإجمالي للفرد بمقدار يتجاوز ثلاثة أضعاف بنهاية 2015 مقارنة بعام 2010 عند بدء تنفيذ البرنامج.
خطة عمل
وتتميز الخطة الخمسية التاسعة للسلطنة، بأنها الخطة الأولى التي تصاحبها خطة عمل تنفيذية، حيث ستبدأ بالبرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي «تنفيذ»، والذي يؤمل أن ينتج عنه حزمة من القرارات، سيبدأ تنفيذها في يناير 2017. ويتلخص البرنامج في ثمان خطوات، تبدأ بتحديد نطاق العمل من خلال تعريف المجالات الاستراتيجية التي سيتم التركيز عليها، ثم حلقات عمل (مختبرات) يحضرها جميع المعنيين بالمجال أو القطاع لتطويره وإيجاد حلول مناسبة له، على أن تمثل الجهات الحكومية بما لا يزيد عن 40% في المختبرات، مقابل 60% من ممثلي القطاع الخاص والأكاديميين والمجتمع المدني والشباب. وتتمثل الخطوة الثالثة في مشاركة نتائج حلقات العمل مع الجمهور والحصول على آرائهم تجاهها. ويتم خلال الخطوة الرابعة مشاركة الجمهور خارطة الطريق، وما سيتم القيام به وذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة. وتحدد الخطوة الخامسة مؤشرات قياس الأداء الرئيسة لمتابعة التطبيق طوال مدة الخطة الخمسية. وفي الخطوة السادسة يتم تطبيق ما تم التوصل إليه من قرارات، وتليها خطوة التحقق من نتائج القرارات عبر الاستعانة بأطراف خارجية. وسيتم خلال الخطوة الثامنة والأخيرة نشر ما يتم تحقيقه وإنجازه في كل عام من خلال تقارير سنوية متاحة للجمهور.
وسوف يتم العمل في البرنامجِ وفق خطة عملية منهجية، تقوم على جمع وتحليل البيانات والمعلومات، ومتابعة وتقييم مؤشرات الأداء الرئيسية، وتحديد جهات التنفيذ وإدارة المشاريع، من خلال فرق عمل من الكوادر العُمانية والخبراء المتخصصين من داخل وخارج السلطنة، في قطاعات محددة في المرحلة الأولى تشمل (السياحة، والصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية)، بالإضافة إلى الممكنات الداعمة وهي (قطاع التشغيل وسوق العمل، وقطاع المالية والتمويل المبتكر) وستغطي المرحلة الثانية من البرنامج قطاعي (الثروة السمكية- الـتـعـديــــن).
وتتلخص أهمية «تنفيذ» في أن عناصره الرئيسية مستوحاة من التجربة الماليزية وتقوم على عدة مرتكزات، هي: الالتزام، والمتابعة مباشرة من الحكومة، ونشر جميع التفاصيل والخطط والبرامج وتقارير المتابعة للرأي العام، والمرونة التشغيلية لوحدة متابعة تنفيذ القرارات، والاستقلالية في استقطاب أفضل الكفاءات، مع تنظيم عالي المهارة.
وتعدّ الخطة الخمسية التاسعة وفقا للمنهجية التي وضعت عليها والغايات والأهداف التي تضمنتها هي نتاج للمرحلة الاقتصادية الصعبة التي واجهتها الخطة الخمسية الثامنة خلال السنتين الأخيرتين منها، حيث شكلت الانعكاسات الصعبة لانهيار أسعار النفط والضغوط الحاصلة على الموازنة العامة للدولة وعلى اقتصاد السلطنة إبان مرحلة العمل على إعداد الخطة الخمسية التاسعة، عوامل قوية دفعت نحو وضع خطة تنموية واضحة المعالم والتوجهات، ومرتبطة بأرقام وخطط زمنية محددة ومركزة تساهم في وضع العلاجات الكفيلة بحماية الاقتصاد الوطني من الهزات الناجمة عن تقلبات أسواق النفط العالمية.
مراعاة الأوضاع المالية
وعند إعداد تقديرات هذه الخطة تمت مراعاة الأوضاع المالية الفعلية خلال السنوات الفائتة، والأداء المالي خلال العامين 2014 و2015 في ضوء تراجع الأسعار العالمية للنفط مقارنة بالأسعار السائدة قبل منتصف العام 2014 بنحو 67 في المئة، كما تم الأخذ في الحسبان الالتزامات الحتمية المترتبة على السياسات والقرارات المتبعة خلال السنوات الفائتة والتي عكستها تقديرات موازنة العام 2015 والتي اعتبرت السنة الأساس لخطة التنمية الخمسية التاسعة.
وكذلك تمت مراعاة الواقعية والتحوط عند إعداد تقديرات الخطة، بالإضافة إلى أهمية اتساق الإطار المالي مع إطار الاقتصاد الكلي، والأهداف الاقتصادية الرئيسية للسلطنة من استقرار وتنويع اقتصادي، وتوفير فرص عمل منتجة ومجزية للمواطنين، وتطوير سياسات التنمية الاجتماعية في إطار متكامل وشامل.
التنمية العمرانية
وتولي خطة التنمية الخمسية التاسعة (2016 2020) أهمية للتنمية العمرانية بالاستغلال الأمثل للموارد والفرص الاستثمارية التي تتمتع بها محافظات السلطنة، كما تولي اهتماما خاصا بتنمية المحافظات، بهدف تحقيق نمو متوازن وتوزيع شامل لثمار التنمية على المواطنين في مختلف أرجاء البلاد، كما تقوم الخطة على سياسات تهدف إلى اضطلاع القطاع الخاص بدور رائد في دف ع معدلات نمو الاقتصاد الوطني وتوفير فرص العمل للمواطنين، وذلك من خلال مواصلة تحسين بيئة الأعمال والإسراع في تنفيذ برنامج التخصيص وتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتم اختيار قطاعات (الصناعة التحويلية، النقل والخدمات اللوجستية، والسياحة، والثروة السمكية، والتعدين) لتكون قطاعات اقتصادية واعدة سيتم التركيز عليها خلال الخطة، لكي تساهم في عملية التنويع الاقتصادي بجانب القطاعات الأخرى الداعمة لهذه القطاعات الخمسة، كالتعليم، والصحة، وبيئة الأعمال، والشباب، والبيئة، ورفع أداء الجهاز الحكومي، والاتصالات، وتقنية المعلومات.
وقد أوضح البيان الصادر عن المجلس الأعلى للتخطيط مطلع العام الحالي وبعد صدور المرسوم السلطاني رقم (1/2016) باعتماد خطة التنمية الخمسية التاسعة (2016 2020) بأنه عند انطلاق الإعداد لخطة التنمية الخمسية التاسعة أخذًا في الاعتبار التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- والتي يأتي في مقدمتها ضرورة أن تركز الحكومة في خططها المستقبلية على التنمية الاجتماعية، وبخاصة في جوانبها المتعلقة بمعيشة المواطن وبما يتيح المزيد من فرص العمل وبرامج التدريب والتأهيل ورفع الكفاءة الانتاجية والتطوير العلمي والثقافي والمعرفي، كما تم خلال مراحل إعداد الخطة إشراك شرائح مجتمعية واسعة، شملت القطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني، والشباب من خلال المؤسسات التي ينتمون إليها، إضافة إلى مختلف الوزارات والهيئات الحكومية، وذلك بهدف أن تأتي الخطة معبرة عن تطلعات كافة شرائح المجتمع، وللتأكد من مدى مصداقية أهدافها ومرتكزاتها.
مشيرا الى انه تم عقد حلقات نقاشية امتدت لأكثر من 40 حلقة، استهدفت التعرف على مرئيات الوزارات ومختلف الهيئات فيما يتعلق بالأهداف والمرتكزات المقترحة للخطة، كما تم تنظيم حلقات عمل بمشاركة خبراء دوليين ومنظمات الأمم المتحدة، للوقوف على التجارب الدولية الناجحة واستخلاص الدروس المستفادة التي تلائم ظروف وأوضاع السلطنة، إضافة الى الحوار مع الجهات المسؤولة عن الاستراتيجيات القطاعية طويلة المدى، خاصة تلك المتعلقة بالقطاعات الواعدة التي سوف تشملها الخطة.
التنبه للمتغيرات العالمية
كما تم الأخذ في الحسبان عند وضع الخطة المتغيرات الاقتصادية على المستوى العالمي وما يتعلق منها بالتقلبات في أسعار النفط العالمية، والأوضاع الجيوسياسية الإقليمية وتأثيرها على المستوى الدولي والانعكاسات السلبية على الأوضاع المالية للسلطنة، ما يستدعي مواجهة ذلك بإجراءات مناسبة تضمن استدامة الأوضاع المالية، وتوفير مناخ اقتصادي كلي مستقر، بجانب توفير فرص العمل الكافية لاستيعاب الباحثين عن عمل حاليًّا والمنضمين لسوق العمل خلال فترة الخطة، مع ضرورة العمل على تسريع وتيرة التنويع الاقتصادي بما يساهم في التقليل من اعتماد الاقتصاد الوطني على النفط، والتقليل من تداعيات الصدمات الخارجية الناجمة عن التذبذب في أسعار النفط في السوق العالمية.
كما كان من بين توجهات ومرتكزات الخطة العمل على المحافظة على الانجازات التي تحققت على مدى ٤٥ عاما من مسيرة النهضة المباركة والبناء عليها وفقا لما حددته الرؤية المستقبلية 2020 من أهداف تتعلق بتوفير فرص عمل منتجة ومجزية للشباب العماني، وتركيز الجهود على تحسين الاندماج الاجتماعي من خلال تعزيز التعليم والتدريب والصحة وتنمية الموارد البشرية وصولاً إلى هدف التشغيل الكامل للقوى العاملة الوطنية، إضافة الى تعميق التنويع الاقتصادي من خلال تطوير القطاعات الواعدة كالصناعة التحويلية، والخدمات اللوجستية والنقل، والسياحة، والثروة السمكية، والتعدين.
معدلات نمو واقعية
وأكد بيان المجلس إن الخطة تستهدف تحقيق معدل نمو حقيقي سنوي للناتج المحلي في حدود 3 في المئة في المتوسط خلال فترة الخطة، وتحقيق الاستثمارات الإجمالية متوسطا يبلغ 8.2 بليون ريال عماني سنويا بمتوسط معدل نمو 5 في المئة، كما يتوقع ان تنمو الأنشطة غير النفطية بنحو 4.3 في المئة، بينما يقدر ان تشهد الأنشطة النفطية ارتفاعا محدودا يبلغ 0.2 في المئة، كما تهدف الخطة لخفض مساهمة قطاع النفط والغاز في الناتج الإجمالي المحلي لنسبة 26 بالمائة، مقارنة بـ 44 في المئة في الخطة الخمسية الثامنة.
توفير فرص العمل
وأكد البيان على أن الخطة الخمسية التاسعة تتضمن برامج تعنى بتوفير فرص العمل للمواطنين، إذ تعكس التقديرات ارتفاع أعداد العمانيين الباحثين عن عمل خلال فترة الخطة بمعدلات متصاعدة نتيجة التركيبة السكانية بالسلطنة، والتي تتمثل في وجود هرم سكاني معظمه من الشباب أي نحـو 65 في المئة، بمعنى أن ثلثي سكان السلطنة دون سـن الثلاثين، بالإضافة الى الزيادة المستمرة في أعداد ونسب مشاركة المرأة في سوق العمل، وارتفاع أعداد الخريجين، وأوضح البيان أنه على الرغم من هذه التحديات التي تواجه الخطة الخمسية التاسعة، إلا انها تتيح في الوقت نفسه فرصاً للاقتصاد العماني للنمو بشكل متسارع ومستدام.
وبحسب بيان المجلس فإن الحكومة تسعى إلى تشجيع المشاريع الممولة ذاتيا لتعزيز النمو الاقتصادي، والاستعانة على نحو فعال باستثمارات القطاع الخاص التي تدفع عجلة التنمية، وذلك لرفع نسبة استثمارات القطاع إلى 52 في المئة من إجمالي الاستثمارات مقارنة بما نسبته 42% في الخطة الخمسية المنتهية في العام 2015. وفي هذا الإطار بذلت الحكومة جهودا حثيثة لتعزيز سهولة تنظيم وممارسة الأنشطة التجارية، وتشجيع استثمارات القطاع الخاص، إلا أن النتائج قد أظهرت أن هذه الإجراءات إما غير معروفة حتى الآن في السوق، أو لا يزال هنالك المزيد من الإجراءات التي يزمع القيام بها لضمان قدرة السلطنة على المنافسة الإقليمية والعالمية، وتستهدف الخطة التاسعة أن يبلغ حجم الاستثمارات نحو 41 بليون ريال عماني، مقابل 38 بليوناً في الخطة الثامنة.
وفي مجال الصناعات التحويلية يركز القطاع في السلطنة بشكل كبير على مجال البتروكيماويات، بما يتماشى مع الميزة التنافسية للاقتصاد المحلي، إلا أن مساهمته بالتنويع الاقتصادي بعيدا عن النفط والغاز تعتبر متدنية، ومساهمته في الناتج المحلي متواضعة مقارنة ببقية القطاعات الأخرى، ولذلك هنالك حاجة فعلية إلى تحديد قطاعات بديلة تحمل ذات الميزة التنافسية، مع توفر الطاقة ذات التكلفة المعقولة والتنافسية، والخدمات العامّة والأراضي، من أجل ضمان استدامة الأنشطة التصنيعية القائمة، وحفز نمو قطاع التصنيع بشكل عام في السلطنة، كما أنه من الضروري وجود بيئة حديثة كفيلة بتمكين الاستثمار في قطاع التصنيع، والتغلب على العوائق التي تقف أمامه، فضلاً عن الحاجة إلى فهم الفجوة القائمة بين العرض والطلب لتقييم احتياجات القطاع ومتطلباته العامة، لاسيما في ظل محدودية مشاركة القوى العاملة الوطنية في هذا قطاع.
القطاع السياحي
كما يعد القطاع السياحي في السلطنة من القطاعات الواعدة التي تم التركيز عليها في الخطة الخمسية التاسعة 2016 2020، من أجل زيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة، والعمل على أن يصبح من مصادر الدخل القومي الرئيسية للبلاد، وذلك على ضوء استراتيجية السياحة 2016 2040، التي تعد بمثابة خارطة طريق لهذا القطاع الواعد، والتي تهدف إلى تعزيز المكانة السياحية للسلطنة عالميا، ووضعها على طريق التحول إلى وجهة عالمية للضيافة المتميزة، وجذب الاستثمارات، بما يساهم في تعزيز التنويع الاقتصادي، وتوفير فرص عمل للمواطنين، ورفع قيمة المعالم الطبيعية والثقافية للسلطنة، ويضمن استدامتها، ويوفر الإيرادات الضرورية لحفظ وحماية واستدامة التراث وحماية البيئة.
وبالرغم من الاهتمام القائم بالقطاع ومحاولة إبرازه وجعله من القطاعات الواعدةإلا أنّ السلطنة لا تعد الوجهة السياحية الأولى ضمن دول مجلس التعاون الخليجي، ويُعزى انخفاض معدل السياحة المحتمل إلى محدودية الربط الجوّي وانخفاض طاقته الاستيعابية، وعدم كفاية شبكة البنى التحتية الأساسية لدعم نمو القطاع، فضلاً عن قصور إدارة العملية التسويقية لجذب واستقطاب السياح.
التعدين
أما فيما يتعلق بقطاع التعدين، فهو يعد من القطاعات الحيوية، ليس فقط لدوره في تحقيق التنوع الاقتصادي، بل كذلك لحيويته في تلبية متطلبات البنية العمرانية، وينتج القطاع في السلطنة العديد من الخامات المعدنية ومنتجات الكسارات المختلفة، بيد أن القطاع لا يزال يواجه العديد من التحديات، إذ ثمة ضعف في الأنظمة والآليات المتبعة في استغلال الثروة المعدنية، ويوجد نقص كبير في حاجة السوق المحلية من مخرجات محاجر كسارات الرمل والكنكري، مع ازدياد عمليات التصدير لمختلف أنواع المعادن، وارتفاع حاد في أسعار مواد البناء، إلى جانب حصول الكثير من التجاوزات، سواءً في طريقة منح التراخيص أو تحصيل الرسوم والضرائب للدولة أو الرقابة على القطاع، الأمر الذي يستوجب تنظيم القطاع وتطويره وتنمية الاستثمارات فيه واستغلاله الاستغلال الأمثل، ليأخذ مكانته الحقيقية الفاعلة في الناتج المحلي للبلاد، ومن منطلق التعويل على هذا القطاع ليكون مساهما رئيسياً في الاقتصاد الوطني، فقد تزايد الاهتمام بالتعدين خلال الفترة الماضية كأحد قطاعات تنويع مصادر الدخل القومي، وفي سبيل ذلك أنشأت الحكومة الهيئة العامة للتعدين، بهدف تنظيم القطاع وتعزيز الشراكة فيه بين الحكومة والمواطن، كما تسعى في الوقت ذاته لوضع استراتيجية شاملة، واضحة ومحددة في إدارة قطاع التعدين تضمن رفد الاقتصاد الوطني وتلبي حاجة السوق من مواد البناء، مع عدم إغفال وجود معاهد تدريبية ومراكز تدريب لقطاع التعدين للنهوض بهذا القطاع بالشكل المطلوب من خلال تدريب الشباب وايجاد كوادر بشرية مؤهلة تساهم في النهوض بالقطاع مستقبلاً.
وتسعى السلطنة في المجال اللوجستي وبشكل مستدام إلى تطوير هذا القطاع وجعله مواكبا للحركة الاقتصادية والعمرانية للسلطنة، ومسايراً للتطور العالمي في هذا المجال، ولذلك عملت الحكومة منذ بداية النهضة المباركة على العمل وبشكل جاد في ربط المحافظات والولايات بالطرق المعبدة، وتسهيل حركة التنقل، إلى جانب تطوير المطارات المحلية والدولية، وإنشاء العديد من الموانئ والمناطق الاقتصادية التي سيكون لها المردود الكبير على الاقتصاد الوطني.
وتتمثل أهداف الاستراتيجية اللوجستية التي أعلنتها السلطنة مؤخرا في زيادة مساهمة القطاع اللوجستي في نمو الناتج المحلي الإجمالي، ورفع حصة السوق العماني من السلع التي تتدفق إلى المنطقة، وزيادة فرص العمل التي يوفرها القطاع، وتحسين ترتيب السلطنة في تصنيف المؤشرات اللوجستية والصناعية العالمية، ورفع سمعتها عالميا فيما يتعلق بالخدمات اللوجستية، حيث تعتمد آليات تطبيق هذه الاستراتيجية على قطاعات الأسواق والتقنية وتسهيل التجارة والرأسمال البشري، وجميعها تسعى إلى تحليل وتحديد ورصد الفرص في الأسواق، سواء حسب القطاعات أو حسب الأماكن التي يمكن للقطاع اللوجستي في السلطنة اجتذابها، والقيام بمشاريع أو أنشطة تمكن السلطنة من تحقيق الحصة المستهدفة من سوق الشحن البحري والجوي حسب الأهداف، إلى جانب تصميم وتطوير علامة تجارية محلية وإقليمية وعالمية جاذبة ومميزة للخدمات اللوجستية، واعتماد سياسة تسويق واضحة ومكثفة محليا وإقليميا ودوليا بغية تحقيق الأهداف ومتابعة قياس ورصد نجاحها، وضمان استخدام أفضل التقنيات كأداة تنافسية تعزز تقنية النقل والخدمات اللوجستية ووضعها ضمن سلسلة التوريد في السلطنة من أجل تسهيل التجارة وتحقيق الأهداف اللوجستية، إلى جانب ضمان الاستخدام الأمثل للبنية الأساسية اللوجستية وتماشيها مع الطلب، ووضع برامج وحوافز أو اقتراح تشريعات لنشر «التكنولوجيا» بأنجع الطرق المُمكّنة ضمن سلسلة التوريد في السلطنة، وأيضًا وضع البرامج الخاصة للبحث والتطوير بالتعاون مع المؤسسات الأكاديمية والصناعية والحكومية لتصبح السلطنة مركزا للخبرات اللوجستية في المنطقة.
القطاع السمكي
وأما القطاع السمكي بالسلطنة فيعـد أحد القطاعات الرئيسية الداعمة للاقتصاد الوطني، ومصدراً هاماً للدخـل، ويوفر فرص عمل لشريحة كبيرة من المواطنين، وفي الوقت نفسه يلعب دوراً محورياً في تعزيز منظومة الأمن الغذائي وذلك بحكم موقع السلطنة المطل على ثلاثة بحار، وسواحلها الممتدة بطول 3165 كم، نتيجة لذلك تتمتع السلطنة بمخزون وفير ومتنوع من الثروة السمكية.
وخلال السنوات القريبة الماضية حقق القطاع السمكي ارتفاعاَ في كمية الإنتاج وذلك بفضل الجهود الرامية إلى تعزيز دور هذا القطاع وتطويره، ولاتزال وزارة الزراعة والثروة السمكية تسير بخطى حثيثة لتنمية وتطوير القطاع السمكي، وفي هذا السياق تم إعداد استراتيجية تطوير القطاع السمكي2013 - 2020، ثم استراتيجية تطوير القطاع السمكي 2020 -2040 التي رسمت فيهما معالم خارطة الطريق لمواصلة الجهود للنهوض بالقطاع، ومن خلال هاتين الاستراتيجيتين جار إصدار العديد من التشريعات والسياسات وتنفيذ المشاريع واتخاذ الاجراءات والتدابير الكفيلة بتطوير الأداء، وتتلخص هذه السياسات والخطط في أربعة أهداف رئيسية معنية برفع كفاءة أسطول صيد الأسماك، وتطوير البنى الأساسية، وتطوير المشاريع السمكية ذات القيمة المضافة، وتطوير نشاط الاستزراع السمكي وذلك لزيادة الإنتاج وتطوير التسويق السمكي وتصدير منتجات ذات قيمة مضافة.
وتعتبر موانئ الصيد من أهم مرتكزات البنية الأساسية لتنمية الأنشطة المتعلقة بقطاع الثروة السمكية وتحسين العوائد من الأسماك، ولذا قامت الوزارة بتفعيل الموانئ القائمة والبالغ عددها 22 ميناء خلال الخطط الخمسية السابقة من حيث إنشاء مباني إدارات، وأسواق أسماك، ومحطات وقود، ومصانع ثلج، وورش بحرية، ومقاه، ومظلات للصيادين، ومخازن حفظ الأسماك، ومحلات بيع أدوات ومعدات الصيد، وجار حالياً إنشاء عدد 4 موانيء جديدة، كما يجري تأهيل عدد 9 من موانيء الصيد القائمة، إلى جانب سعى الوزارة إلى تطوير المنظومة التسويقية من خلال تأهيل وتطوير أسواق الجملة والتجزئة ومنافذ البيع، حيث يبلغ عدد الأسواق السمكية في السلطنة 51سوقا متوزعة على محافظات السلطنة، وقد تم تأهيل 8أسواق سمكية وجار تأهيل 8 أسواق أخرى، وثمة 7أسواق مخطط تنفيذها خلال الفترة القادمة. ومن أهم العناصر الرئيسية لتطوير المنظومة التسويقية للأسماك محلات بيع الأسماك، والتي بلغ عددها 393 محلا. أما بالنسبة للمصانع السمكية فقد بلغ عددها حوالي (102) مصنع سمكي، وتشمل مصانع تجهيز وتغليف وحفظ الأسماك، ومصانع التعليب، ومشاريع منتجات القيمة المضافة، وكذلك مصانع مسحوق وزيت السمك.
المستوى المعيشي
وأخيرا فإن الأداء الاقتصادي يرتبط بشكل عام ارتباطًا مباشرًا بالمستوى المعيشي في السلطنة، وبمستوى النهوض بالاقتصاد الوطني، والخطط الطموحة لتوفير فرص العمل، وتحسين قطاع الخدمات بكل مرافقه، وهي عملية متكاملة تدخل في إطار عملية التنمية الشاملة في محافظات السلطنة كافة، ومرتبطة بالخطط التنموية والاقتصاد الوطني والتمويل، للتمكن من إيجاد الحلول والبدائل الممكنة للتغلب على كافة التحديات.