أقولها صراحة أن الغش الضريبي في طريقه الى التفاقم في الولايات المتحد رغما عن أن الأميركيين اليوم من بين دافعي الضرائب الأكثر احتراما للقانون في العالم، وأعني بذلك أنهم أقل خداعا للجهات الضريبية عن غيرهم في البلدان الأخرى. فمن كل دولار مستحق الدفع ضريبيا يتم دفع 82 سنتا طواعية وهي نسبة مرتفعة. بيد أن هناك ستة أسباب تجعل هذا الرقم مرشح للإنخفاض.
أولا أن الكونجرس قد قلص من صلاحيات مصلحة الضرائب، وبالطبع فالعامل الأكثر أهمية للغش الضريبي هو توفر إمكانية التهرب الضريبي وهي مرشحة للزيادة بالفعل. وبسبب التخفيضات في الميزانية تراجعت معدلات التدقيق خصوصا للشركات الكبرى. وقد اعترفت مصلحة الضرائب في بعض المناطق صراحة أنها لن تستطيع ملاحقة المتهربين ضريبيا ممن تقل ملكياتهم عن مليون دولار لعدم توفر موارد كافية لها. وبالطبع هذا اعتراف سيء، بل ولفت انتباه كثيرين لمحاولة الاستفادة منه. ويعتمد الغش الضريبي بصورة أكبر على الإحتمال أكثر منه على الواقع الفعلي أن يتم الإمساك بالفاعل.
وثانيا أن تخفيضات الميزانية قد أضرت أيضا بخدمة زبائن مصلحة الضرائب، فالإجابات التي يحصل عليها المتصل على الهاتف المجاني لمصلحة الضرائب لا تتجاوز الأساسيات التي يمكن الحصول عليها من محرك البحث جوجل، في حين أن الأسئلة الأكثر تعقيدا التي يحتاج دافعو الضرائب الإجابة عليها لا يجدون لها ردا، ومن ثم لا تندهش إذا وجدت أحد الأشخاص يحاول دفع الضرائب إلا أنه يتوقف عن ذلك ببساطة لشعوره بالإحباط ان أحدا لا يكترث له.
ثالثا الشعور المتزايد أن كل شخص آخر يفعل ذلك. فكلا اليسار واليمين يشعرون بالحنق أن شريحة ما من السكان لا تدفع حصتها العادلة. فالمحافظون يعتقدون أن الفقراء يدفعون أقل مما يجب، في حين أن الليبراليين يعتقدون أن الأغنياء هم الذين يدفعون أقل مما يجب، وفي المقابل يعتقد قطاع عريض من الأمريكيين أن فاتورتهم الضريبية مرتفعة بصورة مبالغ فيها وأنها غير عادلة. ومثل هذا الإعتقاد في الدول الأخرى أدى الى تهرب الجميع من دفع الضرائب.
رابعا انخفاض الثقة في الحكومة. في ورقة عمل مثيرة للقلق، قال خبراء الاقتصاد جولي بيري كولين ونيكولاس تيرنر وايبونيا واشنطن أن التهرب من دفع الضرائب يتزايد عندما لا تكون هناك مواءمة سياسية بين دافعي الضرائب والحكومة. ما يعني ان الديمقراطيين يتهربون أكثر في حال وجود الجمهوريون في البيت الأبيض والعكس صحيح. وأظهرت بحوث سابقة أن انعدام الثقة العامة في الحكومة يقلل الامتثال للقوانين. وبالنظر الآن الى أن الأميركيين يشعورن بصورة متزايدة أن خصومهم الحزبيين ليسوا على خطأ وحسب بل أيضا غير أخلاقيين وحاقدين، ربما نجد أن جميع هذه الاتجاهات تجعل ممارسة الخداع ضد الحكومة أكثر جاذبية.
خامسا أن قوانين الضرائب تزداد تعقيدا عاما بعد عام. وهذا يؤدي إلى المزيد من احتمالات الاخطاء غير المقصودة، ويزيد أيضا من الشعور أن الأغنياء ممن يتوجب عليهم سداد مبالغ ضخمة تتزايد فرص مراوغتهم، وعليه يتخلى المزيد من الناس عن التدقيق في احتساب وسداد فواتيرهم الضريبية.
سادسا تزايد انتشار اقتصاد "المشاركة". والمعروف أن احتمالات الغش الضريبي ينخفض للغاية عندما يدرك الأفراد أن هناك طرف ثالث يقوم بالابلاغ عن مدخولاتهم أما في حالة الدخل الذي لا يخضع لتقارير معلوماتية مثل الوظائف المؤقتة فتشير احصاءات أنه لكل دولار ضريبي مستحق لا يسدد سوى 37 سنتا فقط.
غير أن هناك نقطتان قد تعارضان الحجج السابقة أن المعاملات التجارية اليوم تجري نقدا ومن ثم يصعب اخفاؤها، وأنه في عصر المعلومات هناك المزيد من الأطراف الثالثة لمصلحة الضرائب للتحقق ما إذا كانت هناك حالات غش ضريبي. وأتمنى لو أن سياسيين أثبتوا خطأ التصورات التي عرضت لها، من خلال اجراءت مثل تبسيط القوانين الضريبية أو ضخ تمويل ملائم لمصلحة الضرائب أو التوقف عن أنشطة نزع الشرعية عن الحكومة.
كاتبة متخصصة في الشأن الاقتصادي في صحيفة واشنطن بوست