الأنظمة التعليمية.. إلى أين؟

مقالات رأي و تحليلات السبت ٠٣/سبتمبر/٢٠١٦ ٠٠:١٤ ص
الأنظمة التعليمية.. إلى أين؟

ما الذي يخبئه المستقبل لقطاع التعليم؟ كيف ستبدو صفوف الدراسة بعد عشر سنوات؟ ما هي التكنولوجيا والعوامل التي قد تُحدث ثورة في هذا القطاع؟

كثيرة هي الأسئلة إلا أن الأكيد هو أن صف الدراسة لن يُشبه ما اعتدنا عليه: أستاذ يجلس على مكتبه في الجزء الأمامي من الصف يواجه مكاتب الطلاب المتراصفة من دون أن ننسى اللوح الأسود والطباشير.

الحوسبة السحابية، الواقع المعزز، الطباعة ثلاثية الأبعاد، المحمول... هذه ليست إلا بعض من التكنولوجيا التي تمهّد الطريق (حتى أن بعضها قد بدأ) نحو تغيير كبير في طريقة التعليم والتعلّم.
ولا شك أن مرونة صف الدراسة التي اعتمدته الكثير من المدارس في العالم (عدد قليل!) قد تكون عاملاً أساسياً في خلق بيئة تعليم مثالية حتى لو أن الدراسات ليست كافية بعد لإثبات ذلك. فظهر أن مساحات التعلم القابلة للتكييف تسمح للطلاب بالمشاركة والتفاعل بشكل أسهل في الصف وفي مختلف النشاطات. ويرى العديد من الخبراء أن هذا النوع من حجرات التدريس التي تكسر جدار التعليم التقليدي وتخلق أجواء شبيهة بغرفة الجلوس الدافئة في المنزل تجعل الطلاب أكثر راحة وأكثر استعداداً للتعلّم.

التطور في الأنظمة التعليمية لا ينحصر على التغييرات الشكلية في حجرات التعليم لا بل أيضاً في طرق ووسائل التعليم التي يعتمدها الأساتذة من أجل نقل المعرفة لطلابهم. وتضطلع التكنولوجيا الحديثة بدور كبير في هذا التطور وقد اخترنا الحديث عن أبرزها لفهم مستقبل التعليم.

المحمول في قلب التطور التعليمي. لا شك أن الأجهزة المحمولة بكل أنواعها ليست مستقبل التعليم لا بل أصبحت حاضره في العديد من الدول لاسيما أنها تشكل أدوات تعليم بين أيدي الأساتذة من أجل توفير فرص مختلفة للطلاب ليعملوا وينجحوا. وكثيرة هي فوائد «المحمول» في قاعات الدراسة حيث أنها تطوّر حس البحث والفضول لدى الطلاب وتعلّمهم طرق البحث المناسبة لإيجاد المعلومات والتأكد منها. كما أنها تساعد الأساتذة بإضفاء الحيوية على صفوفهم من خلال استخدام مقاطع الفيديو أو البودكاست أو غيرها لشرح أفضل لدروسهم. كما أنّ هذه التكنولوجيا تسمح أيضاً للعديد من الطلاب بالتفاعل والتواصل أو حتى حل مسائل الرياضيات أو النقاش حول فرض معين من أجل تفاعل أكبر ومشاركة أوسع للمعلومات والتجارب.

التعليم السحابي. لن تتمكن بعد الآن أن تُخبر أستاذك أنك سكبت الشاي أو الماء على فرضك المنزلي أو أن تخترع عذراً لنسيانك كتابك أو دفترك في المنزل بعد الآن. فالحوسبة السحابية بدأت تغيير العديد من أوجه حياتنا ومجتمعنا لاسيما التعليم. ففي صفّ المستقبل، لن يحتاج الطلاب إلى حقيبة مثقلة بالكتب والدفاتر ولن يعرفوا معنى القرطاسية الدراسية لأنهم لن يحتاجوا إلا لجهاز إلكتروني حيث تُجمع كل فروضهم المنزلية ومصادر التعليم الأخرى على السحابة ولن يحتاجوا إلا للإنترنت. وبالتالي، سيتمكّن الطلاب من الاستمتاع بحرية العمل على مشاريعهم الدراسية أينما يشاؤون ومتى يشاؤون وحتى الاستفادة من المكتبة المدرسية أو الجامعية الرقمية المتوفرة حتى وهم في غرفة نومهم.
دمج تقنيات الألعاب في مختلف مراحل التعليم. لا ينكر أحد أن الأولاد الذين يكبرون في عالم متصل بالإنترنت لا يتمتعون بقدرة تركيز طويلة لأن حياتهم تدور حول يوتيوب وفيسبوك والأجهزة الذكية والبحث السريع عن الأجوبة التي تخطر على بالهم. أمر حمل الكثير من المدارس على دمج تقنيات الألعاب في النظام التعليمي والتخلي عن الأساليب التعليمية التقليدية في التقييم والتعلّم والتعليم. ورأى بول أندرسون، مؤسس شركة «بوزمان ساينس»، في مداخلته خلال القمة العالمية للحكومات أنه «في اللعب التعلّم». وشرح أندروسن أنّ التلعيب ليس ممارسة الألعاب فحسب لا بل أخذ عناصر الألعاب وتطبيقها في العالم الحقيقي أو التعليمي. وكانت تجربته عندما كان مدرساً أن حوّل حصّـه لتُشبه ألعاب الفيديو ليتحوّل إلى موجّه ومجرد ناصح. ولا شك أن أجهزة الكترونية مثل «كينيكت» و»ريموت وي» و»بلاي ستيشن موف» التي تعتمد بشكل خاص على الحركة، تساعد على توفير معدلات ضرورية من التفاعل بين الطلاب ليشعروا بالتزام أكبر في التعليم. حتى أن بعض خبراء التعليم يقومون بالعكس؛ فيرون في تعلّم تصميم الألعاب وسيلة لتثقيف طلابهم. فمتى يتعلّم الطلاب أساسيات ومهارات تصميم الألعاب، يطوّرون أيضاً مهارات واسعة وعامة أخرى كاللغة والتفكير المنظم وحل المشاكل ورواية القصص والفن وغيرها.
كيف ستكون إذاً جامعات ومدارس المستقبل؟ حاولنا من خلال النقاط التي ذكرناها أن نحدد بعض العوامل والتكنولوجيا التي ستغير وجه التعليم. وكان د. بيتر ديامانديس، الرئيس والمدير التنفيذي لجائزة إكس برايز العالمية قد اختصر «شكل تعليم المستقبل» خلال مداخلته في القمة العالمية للحكومات التي انعقدت في فبراير الماضي في دبي. وقال د. ديامانديس إن التعليم سيكون أكثر تخصيصاً حيث لكل طفل منهج خاص. كيف ذلك؟ ستتمكن أجهزة الذكاء الاصطناعي من تحديد مدى مهارات الطالب اللغوية وخلفية عائلته والصعوبات التي يواجهها والأفلام التي يحبها وحتى الفطور الذي تناوله من أجل تقديم تجربة تعليمية متخصصة. كما أضاف أن «التعليم المجاني سيكون أفضل تعليم على الإطلاق لكل الأطفال وسيكون أشبه بجوجل أو أكاديمية كون قبل 30 عاماً». وتابع د. دياماندسان أن التعليم سيكون أيضاً مبنياً على الطلب حيث لا ينحصر على منهج 4 سنوات في الجامعة مثلاً لا بل نتعلم طيلة حياتنا ما نحتاج إليه وفي الأوان الصحيح أي «التعليم حسب الطلب في أي وقت وأي مكان» حيث يشمل مستقبل التعليم «حياة الفرد كلها منذ الولادة حتى سن الـ 100 أو 200»، على حدّ قوله.

متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية