الميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية تحدي المستقبل

بلادنا الخميس ٠١/سبتمبر/٢٠١٦ ٠٠:١٨ ص
الميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية 

تحدي المستقبل

مسقط -
تعد ظاهرة مقاومة أنواع متعددة من الميكروبات المعدية للإنسان للمضادات الحيوية إحدى أهم المشكلات التي تقلق الأطباء والعاملين في مجال صحة الإنسان والحيوان في معظم دول العالم، وقد اعتبرها المنتدى الاقتصادي العالمي أحد الأخطار المهمة التي ستواجه شعوب العالم خلال السنوات المقبلة.

ومن المتوقع أن تؤدي هذه الظاهرة في المستقبل القريب إلى انتشار أوبئة العدوى بعدد من الميكروبات المعدية الخطيرة التي لا يوجد لها مضاد فعال.

فشل علاج الالتهابات

مديرة الدائـــرة المركزيــة للوقاية ومكافحة العـــدوى بوزارة الصحة د. أمل بنت سيـــف المعنية، استشاري أول أمراض معدية ومكافحة عدوى، قالت: أصبحت مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية خلال السنوات الأخيرة أحد أهم أسباب فشل معالجة الالتهابات المسببة لها مثل التهاب الدم والتهابات الجهاز التنفسي والجهاز البولي.

وأضافت: أدت هذه الظاهرة الخطيرة إلى زيادة كبيرة في نسبة مضاعفات المرض، وزيادة إقامة المرضى والوفيات في المستشفيات.
وقدمت مثالا على ذلك بالولايات المتحــدة الأمريكيــــة، حيث يموت كل عام مـــا يقــارب مئــة ألـــف مريض، نتيجــة إصابتهم بأحد الميكروبات المعدية، ويقدر أن 70 % منهم يموتون فعليـــا بسبب مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية.
كما أن زيادة انتشار سلالات البكتيريا المقاومة للعديد من المضادات داخل المستشفيات وخارجها تحمل الرعاية الصحية تكاليف باهظة حيث إنها تزيد كلفة علاج المرضى إلى الضعف وأكثر.
وأوضحت بالقول: في الماضي القريب، وقبل عشرين عاما فقط، كانت تكلفة علاج المريض المصاب بالتهاب المجاري البولية العـــادي مثلا تتراوح ما بين 10-20 دولارا أمريكيا فــــي معظم البلدان العربيـــة، وحاليا قد تصل تكلفـــة العلاج في أقل تقــــدير إلى ألف دولار حين تتسبـــب فيهـــا البكتيريا المقاومة للعديد مـــن المضادات الحيوية؛ لأن العلاج يستلزم وجــــود المريض في المستشفى لعــــدم وجـــود بديل فموي للمضاد الحيوي وما يتبع ذلك من تكاليف مباشرة وغير مباشرة.

مصدر الميكروبات

وحول مصدر هذه الميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية قالت د. أمل المعنية: غالبية سلالات البكتيريا المقاومة تستقر في جسم الإنسان والحيوان وبصورة خاصة في الأمعاء ولمدة طويلة، وتنتشر مع الفضلات إلى مياه المجاري والتربة، ومنها إلى مصادر المياه الجوفية والسطحية وتلوث الخضراوات الورقية والتربة التي تسقــــى بميـــاه المجاري، ومن ثم تعود مرة ثانية مع الطعام والماء إلى أمعاء الإنسان والحيوان.

وعمليا أصبح هناك عدد من أنواع البكتيريا المعروفة التي كانت تعيش بصورة أليفة في جسم الإنسان واكتسبت المقاومة مع سوء استهلاك المضادات الحيوية، فأصبحت تسبب معظم حالات العدوى في المستشفيات.
وبيّنت أن هذا النوع انتشر بسبب الإهمال في أساسيات الوقاية ومكافحة العدوى وأبسطها الحرص على نظافة اليدين وأصبح من الصعوبة السيطرة عليها بالعلاجات المعيارية، وقد تؤدي العدوى بها أحيانا إلى موت المريض، لكون المضادات الحيوية المتوفرة لا تستطيع القضاء عليها.

الآثار السلبية

وحول الآثار السلبية لمقاومة مضادات الميكروبات قالت د.المعنية: تشكل مقاومة مضادات الميكروبات خطراً على إنجازات الطب الحديث. فبدون مضادات الميكروبات الفعالة في الوقاية والعلاج من العدوى ستفشل العمليات الجراحية وعلاجات السرطان وزراعات الأنسجة لمجرد إصابة المريض بعدوى ليس لها علاج فعال.

وأضافت: كشف تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2014 بشأن الترصد العالمي لمقاومة مضادات الميكروبات أن مقاومة المضادات الحيوية لم تعد مجرد تنبؤ خاص بالمستقبل، فهي تحدث الآن بالفعل وفي تزايد وعلى نطاق العالم مهددة القدرة على علاج أنواع عدوى شائعة في المجتمع المحلي والمستشفيات. وهناك خوف ينتشر بين الأطباء والعلماء من أن تصبح غالبية المضادات الحيوية المتوفرة لعلاج أمراض الإنسان غير صالحة للاستخدام خلال المستقبل القريب مع ندرة مشهودة في السنوات الأخيرة في تصنيع أنواع جديدة من المضادات كبدائل.

الحلول المقترحة

وردت د. أمل المعنية على سؤال حول الحلول المقترحة لعلاج هذه الظاهرة بالإشارة إلى أن الوسائل العملية المتاحة للحد من هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد حياة البشر أصبحت محصورة حاليا بمنع كثرة وسوء استخدام المضادات الحيوية في كافة العلاجات البشرية وفي تربية الحيوانات والطيور الداجنة والأسماك.

وقالت: من الضروري أن يتم تثقيف المواطن العادي، بألا يستعمل المضادات الحيوية دون استشارة الطبيب، وأن يتقيد بتعليمات استعمالها حسب نصائح الطبيب. ومن المفروض أن يعرف كل شخص أن أدوية المضادات الحيوية، هي الأدوية الوحيدة التي تتميز بأن صفة استعمالاتها تتعدى خصوصية المريض الذي يتناولها؛ لأن استعمالها عمليا يؤثر بصورة غير مباشرة على جميع أفراد المجتمع نتيجة تطور سلالات بكتيرية جديدة مقاومة للمضادات الحيوية، وهذه بدورها تستطيع أن تنتقل بسهولة من شخص إلى آخر.

وتطرّقت د. أمل المعنية إلى دور المجتمع والعاملين الصحيين وراسمي السياسات للمساعدة في التصدي للمقاومة بالقول: يجب على الأفراد أن يحرصوا على غسل اليدين وتجنب مخالطـة المرضى عن قرب؛ وذلك للوقاية من انتقال العدوى بأنواعها، وعدم استعمال مضادات الميكروبات إلا بوصفة طبية من أحد المهنيين الصحيين المعتمدين، وإكمال المقرر العلاجي الكامل حتى إذا شعروا بتحسن، وعدم القيام على الإطلاق بتبادل مضادات الميكروبات مع الآخرين أو استعمال ما تبقى من الأدوية الموصوفة.

وأضافت د.أمل المعنية: بإمكان العاملين الصحيين والصيادلة تحسين تدابير الوقاية من العدوى ومكافحتها في المستشفيات والعيادات الطبية وعدم وصف وصرف المضادات الحيوية إلا عندما تكون هناك حاجة فعلية إلى ذلك، وصف وصرف مضادات الميكروبات الصحيحة لعلاج الاعتلال، ويعتبر تحسين الرصد فيما يتعلق بمدى المقاومة وأسبابها في المستشفيات في غاية الأهمية وذلك لتعزيز تدابير مكافحة العدوى والوقاية منها وتنظيم وتعزيز الاستعمال السليم للأدوية.

كما يمكن للقياديين وراسمي السياسات تبنّي هذه الظاهرة والعمل على تشجيع المهنيين الصحيين في القيام بدورهم في هذا الصدد، وتعزيز الابتكار والبحث والتطوير في مجال استحداث لقاحات وخيارات ووسائل تشخيص جديدة وخيارات جديدة لعلاج العدوى تشجيع التعاون وتبادل المعلومات فيما بين جميع أصحاب المصلحة.

استراتيجية وطنية

وحول جهود وزارة الصحة ذكرت د. أمل المعنية أن المديرية العامة لمراقبة ومكافحة الأمراض وضعت مسودة استراتيجية وطنية لمكافحة مقاومة مضادات الميكروبات، ليتم اعتمادها من اللجنة الوطنية ومتابعة توصياتها، وتهدف هذه الاستراتيجية إلى الجمع بين المعنيين بالأمر للاتفاق والعمل على تنفيذ استجابة منسقة على المستوي الوطني وبالتعاون مع المنظمات العالمية.

وتشتمل هذه الاستراتيجية على إرشادات خاصة بالسياسة العامة وتقديم الدعم التقني اللازم للتشخيص والوقاية من العدوي وأيضا التشجيع النشط للابتكار والبحث والتطوير. كما تهدف إلى تعزيز القوامة والخطط الوطنية للتصدي لمقاومة مضادات الميكروبات مثل:
- برامج الوقاية ومكافحة العدوى في المستشفيات والمجتمع.
- برامج الترصد للعدوى المرتبطة بالمنشآت الصحية بعامة والميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية بخاصة.
وأضافت: تعد مقاومة مضادات الميكروبات مشكلة معقدة تتحكم فيها عوامل عديدة مترابطة، لذا فإن التدخلات المنفذة بمعزل عن غيرها لا تحقق إلا أثراً قليلاً.
وأكدت أنه من الضروري اتخاذ إجراءات منسقة للتقليل إلى أدنى حد ممكن من ظهور مقاومة مضادات الميكروبات وانتشارها. وما لم تُتخذ إجراءات منسقة في هذا الصدد سيسير العالم نحو عصر ما بعد المضادات الحيوية الذي يمكن فيه لأنواع عدوى وإصابات بسيطة شائعة، كانت قابلة للعلاج طيلة عقود من الزمان، أن تفتك بالأرواح من جديد.
وتعمل السلطنة ممثلة بوزارة الصحة ووزارة الزراعة والثروة السمكية مع منظمة الصحة العالمية والمنظمة الدولية لصحة الحيوان ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة على تشجيع أفضل الممارسات لتلافي ظهور وانتشار مقاومة مضادات الجراثيم، بما في ذلك الاستعمال الأمثل للمضادات الحيوية مع البشر والحيوانات على السواء.
ويبقى السؤال المهم: هل ستنتصر البكتيريا على المضادات الحيوية في المستقبل القريب أم أننا سنكون قادرين على مواجهة هذا التحدي والفوز في معركتنا ضد الميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية؟

الأدوار المساندة