أندرو شنج
هونج كونج ــ إن تحول الصين من اقتصاد قائم على التصنيع والتصدير إلى اقتصاد يرتكز على الخدمات والاستهلاك المحلي يجري الآن بكل حزم. وهو خبر سار، ليس فقط للصين بل وأيضا لمستقبل الاقتصاد العالمي.
ترسم طبعة 2016-2017 من الكتاب الأزرق للقطاع التجاري في الصين الصادر عن مؤسسة فونج لمعلومات الأعمال والأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية خريطة هذا التغيير. بلغ حجم أسواق التجزئة في الصين 30 تريليون يوان (4.6 تريليون دولار أميركي) في عام 2015، بعد أكثر من عشر سنوات من النمو بمعدل أعلى من 10%. وقد بدأ الاستهلاك المنزلي في الصعود، حتى برغم تراجع وتيرة الاستثمار، والآن يتجاوز 60% من الناتج المحلي الإجمالي. وعلى الرغم من تباطؤ معدل نمو الاستهلاك إلى 10.7%، يتوقع الكتاب الأزرق أن يصل حجم السوق المحلية في الصين 50 تريليون يوان بحلول عام 2020.
كانت تكنولوجيا الإنترنت من العوامل الرئيسية وراء هذا التحول. فبالبناء على الاستثمارات الضخمة في البنية الأساسية العامة، مثل الموانئ والمطارات والطرق والاتصالات، تعمل شبكة الإنترنت الآن بسرعة على توسيع نطاق الخيارات المتاحة للمستهلكين الصينيين، في حين تعمل على خفض التكاليف وتسريع عملية التسليم.
ونتيجة لهذا، ارتفعت مبيعات التجزئة على الإنترنت في الصين في السنوات الأخيرة، من 6.3% من إجمالي مبيعات التجزئة في عام 2012 إلى 12.9% بحلول عام 2015. ومن المتوقع بحلول عام 2020 أن تُدار نحو 40% من كل معاملات التجزئة في الصين على شبكة الإنترنت. كما قفزت المبيعات عبر الإنترنت بواسطة الهواتف المحمولة من 1.5% فقط في عام 2011 إلى 55.5% في عام 2015، وربما تصل إلى 73.8% بحلول عام 2018.
والآن، تجاوزت الصين الولايات المتحدة في بناء أكبر سوق تجزئة على الإنترنت في العالم. وهي أيضا أسرع مثل هذه الأسواق نموا،بنسبة نمو بلغت نحو 33%. وعلى الرغم من النمو في استخدام الإنترنت ــ ارتفع عدد الصينيين المتصلين بالإنترنت من 253 مليون مستخدم في عام 2008 إلى 688 مليون مستخدم العام الماضي ــ فإن الحيز المتاح للمزيد من التوسع لا يزال عريضا.
يعكس هذا التقدم الابتكارات التي تعمل على تمكين الاستهلاك على نطاق واسع من دون بناء وصيانة منافذ بيع مادية. ويتمثل أحد الابتكارات الرئيسية في المنصات المتعددة الجوانب، مثل علي بابا، والتي تتحدى من خلال توفير القدرة على الوصول إلى الإنتاج والخدمات اللوجستية والتوزيع والدفع نماذج الأعمال التقليدية ــ وبنجاح كبير. ففي الربع الثاني من عام 2016، أعلنت منصة علي بابا أن عائداتها من سوق التجزئة في الصين ازدادت بنحو 49% مقارنة بالعام الماضي؛ وأعلنت منصة أخرى على الإنترنت، وهي "تينسنت"، عن زيادة بنسبة 52%.
من خلال ربط الشركات الصغيرة والمتوسطة الجم (والتي تمثل 80% من العمالة في الصين) بقاعدة من المستهلكين، تتسبب مثل هذه المنصات في تآكل بعض الميزة التنافسية للشركات الكبيرة المملوكة للدولة. وفي حين كانت العائدات من ثورة التجزئة على الإنترنت في الصين مركزة إلى حد كبير، فإن هذا التركيز لم يكن هذه المرة في القطاع الحكومي.
وليست الشركات الكبيرة فقط هي التي تحتاج إلى إعادة النظر في نماذج أعمالها. فمع تحول منصات التجارة الإلكترونية في الصين إلى مؤسسات عالمية على نحو متزايد، ربما تتسبب في تآكل هيمنة الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات في التجارة الدولية. وبالفعل، في عام 2015، بلغ حجم تجارة الصين الإلكترونية عبر الحدود ما يقدر بنحو 5.2 تريليون يوان، أو 17.6% من إجمالي تجارة البلاد؛ وربما يبلغ حجمها 8 تريليون يوان، أو 23% من إجمالي التجارة، بحلول العام المقبل.
كل هذا النمو نبأ عظيم للصين؛ ففي وقت يتسم بتباطؤ الأداء في العديد من القطاعات التقليدية، قد تكون تجارة التجزئة على الإنترنت المنقذ للحياة الاقتصادية. ولكنها تمثل أيضا تحديا رئيسيا للحكومة التي اعتمدت لفترة طويلة على اتخاذ القرار في إطار عملية تتجه من أعلى إلى أسفل.
تعمل ثورة التجارة الإلكترونية في الصين على تمكين المستهلكين في البلاد من اتخاذ القرار حول المكان الذي يضعون فيه أموالهم. فبوسعهم الآن أن يختاروا ليس فقط أي الأنواع من السلع والخدمات يعتبرونها تستحق العناء، بل وأيضا أين يعيشون ويحصلون على التعليم. وقد أصبحوا نتيجة لهذا محركا رئيسيا وراء التحول في سوق الإسكان، وسلاسل الإمداد، والتمويل، بل وحتى السياسة النقدية.
تتلخص مهمة قادة الصين في الاستجابة بشكل أكثر فعالية لاحتياجات ورغبات مواطنيهم، بما في ذلك من خلال التعجيل بالتقدم نحو الإصلاح الاقتصادي. وبشكل خاص، يتعين عليهم أن يتخلصوا تدريجيا من سلاسل الإمداد العتيقة المثقلة بالقدرة الفائضة، والديون الرديئة، وانخفاض معدلات تشغيل العمالة، مع فرض الضرائب على الفائزين في لعبة التجارة الإلكترونية. والواقع أن هذه الحتميات تتحدى الأساليب التقليدية في التعامل مع السياسات النقدية والمالية والصناعية والبيئية والاجتماعية، في حين تختبر قدرة البيروقراطية والنظام السياسي.
وأيا كانت التحديات الناشئة، فالحقيقة هي أن الصين المزدهرة، المدعومة من قِبَل المستهلكين المحليين، سوف تساهم في تعزيز ــ وصياغة ــ اقتصاد عالمي مزدهر. والفضل في هذا يرجع إلى التجارة الإلكترونية.
أندرو شنج عضو المجلس الاستشاري لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لشؤون التمويل المستدام.