وداعا.. كانتون

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٦/يناير/٢٠١٦ ٠٠:٥٠ ص

صادفنا عبدالولي الشنجاني، لدى خروجنا من مسجد الصحابي ابن أبي وقاص، الواقع في حديقة كبيرة وجميلة ومعماره الصيني لا يوحي أنه مسجد لولا قبة صغيرة أعلاه.

يوجد ضريح لهذا الصحابي قريبا من المسجد لكن عبد الولي يشكك أو ينقل الشك انه سعد بن أبي وقاص وربما صحابي أو شخص آخر، وفي مطعم بنجابي تحدث كثيرا عن ظروف الأقليات المنتمية للبلدان الإسلامية كون عبد الولي هذا درس في باكستان وسافر إلى أفغانستان واشتغل في السعودية والعراق ويتحدث عدة لغات.. ولهجات.
كان لافتا في الحي العربي المطاعم التي تقدم وجباتها بأسعار غالية كأنما هي في لندن أو غيرها من مدن أوروبا. ينطبق هذا على سائر البلاد التي توجد فيها كأنما تتعامل مع السائح العربي على أنه غنيمة لها فضل السبق والأولوية على جيبه طالما أنه لا يبخل على معدته.
سألت عن عامل الفندق عن القنوات العربية على تلفزيون الغرفة فقال إنها كانت موجودة قبل اكتشاف خلية تبتغي تفجير إحدى أهم محطات المترو في المدينة.
علمتني غوانزو أن من أراد لقمة العيش عليه أن يستيقظ باكرا وينظر إلى البعيد.. كما علمتني الصين منذ زمن أن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة.. وقد يبدو رقم ألف بعيدا لأنهم لا يستيقظون مبكرا ولا ينظرون إلا إلى أقدامهم.. ولذلك لا تتنقل من مكانها لتبدأ خطوتها الأولى.
رأيت في مبنى للإلكترونيات أشبه ببقعة شعبية الأيادي التي تتحرك بنشاط وهمة تغلف هذه البضاعة وتحمل تلك، كأنها في بداية عملها صباحا مع أن الوقت ليل، وبدأت المحلات تغلق أبوابها، بحثت في الأعين عما نسميه إرهاقا وفي الوجوه عما ندعوه تعبا وفي النفوس عن ذلك المنتشر بيننا، الإحباط، فلم أجد سوى ابتسامات وعيون لم أر في مآقيها سوى.. الهمم العالية.
تسأل البائع عن بضاعة ما فيقول لحظة.. عبر جهازه النقال يبحث لك فورا ويأتيك الرد بالسعر مع الكمية الممكنة في سعر كهذا.
حدثني صاحبي يونس عن مشاريع صينية خرافية، بناء فندق ضخم خلال ثلاثة أيام ضمن مشروعها في المباني الجاهزة.. هي تسابق العالم برخص منتجاتها مقارنة بالدول الصناعية الأخرى والتي وضعت مصانعها في مدن صينية استفادت من رخص المواد الخام والأيدي العاملة.
في إحدى حافلات النقل العام لم تكن هناك تذاكر، نصعد للحافلة بهدوء ونظام ونضع المبلغ في صندوق بجوار السائق، لننضم إلى البقية جلوسا أو وقوفا كما يحدث في المترو الذي تعج محطاته بتلك الآلاف على مدار اليوم.
بجوار نهر اللؤلؤة لمحت ما ذكرني ببلادي، نموذج دائري لبرج صغير.. داخله اللوحة التذكارية لرحلة السفينة صحار إلى كانتون، في مطلع ذلك اليوم شاهدت أيضا مجسما للسفينة في متحف بالمدينة.
لكن لم يكن من مناص لتوديع هذه المدينة الوادعة تحت مطارها وبردها رغم كل الزحام..
وداعا غوانزو.. أو كانتون كما عرفها العرب قديما، لم تكن سوى فاصلة أو تفصيل صغير في قارة تسمى الصين.. وفي كل مدينة فيها حكاية.. وحكمة.