تونس – ش
بين احلام عريضة افرزتها الثورة التونسية وبين واقع اقتصادي صعب قد يفرض سلسلة اجراءات اقتصادية يترقب التونسيون الحكومة الجديدة التي يتراسها شاب يعد افرازا للثورة ..
يوسف الشاهد صاحب الاربعين عاما والذي أصبح اصغر سياسي يتسلم رئاسة الحكومة في تونس منذ استقلالها عن فرنسا سنة 1956 .
والشاهد المولود في 18 سبتمبر 1975 بتونس، كان وزير الشؤون المحلية في حكومة الحبيب الصيد (67 عاما) التي سحب منها البرلمان الثقة في 30 تموز/يوليو الماضي اثر انتقادات واسعة وجهت لها بعدم الفاعلية في انعاش الاقتصاد ومكافحة الفساد.
وهو ايضا قيادي في حزب "نداء تونس" الذي اسسه الباجي قائد السبسي، وفاز بالانتخابات التشريعية والرئاسية عام 2014.
حصل الشاهد في 2003 على دكتوراه في العلوم الزراعية من جامعة فرنسية، ودرّس في جامعات فرنسا واليابان والبرازيل وعمل خبيرا في مجال تخصصه مع دول ومنظمات دولية عدة، بحسب ما اعلن التلفزيون الرسمي التونسي.
جدل ومخاوف
وسبق للشاهد ان عمل خبيرا زراعيا بسفارة الولايات المتحدة بتونس بحسب مراسلة صادرة عن السفارة بتاريخ 13 يناير 2010، سربها موقع ويكيليكس.
وقدمت المراسلة المسربة الشاهد بأنه خبير زراعي لدى مصلحة الزراعة الخارجية التابعة لوزارة الزراعة الأميركية والمسؤولة عن تسهيل وصول المنتجات الزراعية الاميركية الى الاسواق الخارجية.
وأظهرت المراسلة سعي الولايات المتحدة الى اقناع تونس باعتماد التكنولوجيا الحيوية (بيوتكنولوجيا) في الزراعة وإصدار تشريعات في هذا المجال.
وانتقد نشطاء انترنت عمل الشاهد مع الولايات المتحدة ووصفوه بأنه "ليبرالي" معتبرين ان تعيينه على راس الحكومة يهدف الى تطبيق إصلاحات "موجعة" يطالب بها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وقال مصدر مقرب من يوسف الشاهد لفرانس برس "نعم لقد اشتغل (سابقا) على برامج تعاون مع الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، وليس لديه ما يخفيه".
وأضاف المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه ان رئيس الحكومة المكلف "رجل نزيه ومثابر في العمل ولا ينتمي الى لوبيات (..) ويعرف جيدا مشاكل تونس" خصوصا منذ توليه وزارة الشؤون المحلية.
سياسي انتجته الثورة
لم يمارس الشاهد السياسة في تونس قبل الثورة التي اطاحت في 14 يناير 2011 بنظام الديكتاتور زين العابدين بن علي.
وبعد الإطاحة ببن علي، اسس حزب "طريق الوسط" وانضم لاحقا الى "القطب الديموقراطي الحداثي" (ائتلاف احزاب يسارية) ثم "الحزب الجمهوري" (يسار وسط) قبل ان يلتحق في 2013 بحزب نداء تونس الذي اسسه الباجي قائد السبسي في 2012.
وقبل الانتخابات العامة عام 2014 قدم الباجي قائد السبسي حزبه كبديل في الحكم من حركة النهضة الاسلامية.
ويحظى يوسف الشاهد بثقة الباجي قائد السبسي (89 عاما).
وخلال حملة الانتخابات الرئاسية لسنة 2014 تم تكليف الشاهد اعداد البرنامج السياسي لحزب "نداء تونس".
وبعد فوز حزب "نداء تونس" بالانتخابات التشريعية والرئاسية، تم تعيين الشاهد وزير دولة مكلفا الصيد البحري لدى وزير الزراعة في حكومة الحبيب الصيد التي باشرت عملها في السادس من شباط/فبراير 2015.
وفي السادس من dناير 2016 أدخل الصيد تعديلا وزاريا كبيرا على حكومته عين بموجبه يوسف الشاهد وزيرا للشؤون المحلية، وهي وزارة مستحدثة في تونس.
وكلف الرئيس التونسي نهاية نوفمبر 2015 يوسف الشاهد برئاسة لجنة تضم 13 عضوا من نداء تونس للتوفيق بين جناحين متصارعين على زعامة الحزب، الاول يقوده حافظ قائد السبسي نجل الرئيس، والثاني محسن مرزوق الأمين العام السابق للحزب.
ولم ينجح الشاهد في حل ازمة الحزب الذي انشق عدد من نوابه لاحقا، واسسوا حزبا جديدا بقيادة محسن مرزوق.
وأفقد هذا الانشقاق "نداء تونس" الاكثرية البرلمانية لصالح حركة النهضة الاسلامية التي حلت ثانية في الانتخابات التشريعية.
تحذيرات
استبق عدد من السياسيين مراسم تسليم السلطة ليحذروا الشاهد من «الفشل»، حتى قبل أن يشرع في ممارسة مهامه، حيث كتب الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي على صفحته على موقع «فيسبوك»: «المبدئية: خسائر بالحاضر والمكاسب الكبرى مؤجلة. الانتهازية: مكاسب بالحاضر والخسائر الكبرى وأولها الشرف، كالموت مسألة وقت»، في إشارة إلى أن حكومته الشاهد قد لا تستمر طويلاً.
وأضاف رئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي في إشارة إلى مبادرة حكومة الوحدة الوطنية «القصد الواضح من مجمل هذه العملية هو تمرير، وإن لزم الأمر فرضَ، أجندة من الإملاءات والإكراهات الداخلية والخارجية تحت عنوان «الإصلاح»، نخشى أن يدفع ثمنها المسحوقون والمحرومون والفقراء من أبناء شعبنا هؤلاء الذين قامت الثورة لإنصافهم والارتقاء بهم ورد الحقوق إليهم».
وتابع الجبالي «إن هذا المسار سيكون مآله مزيداً من اليأس وفقدان الأمل مما يمهد لمخاطر أكبر كالفوضى وتفشي العنف وتصاعد الإرهاب. إنني أحذر من هذا المنزلق الخطير وأدعو الغيورين على هذا الوطن للتمسك بقيم الثورة ومطالبها لإنقاذ تونس مهد الربيع العربي الذي مازال قائماً».
وحذر حزب «التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات» الشاهد من «خطورة الانزلاق إلى نظام رئاسوي ويدعو الشاهد إلى الارتقاء إلى مقام رئيس حكومة كامل الصلاحيات الدستورية، يضبط السياسة العامة للدولة ومسؤول أمام مجلس نواب الشعب الذي منحه ثقته».
وأضاف «وإذ يسجل التكتل الانطباع الإيجابي الذي خلفته مداخلة السيد يوسف الشاهد من حيث الشكل، ويثمن مبدأ المصارحة بالحقيقة من أجل توعية الجميع بالصعوبات الاقتصادية التي تمر بها البلاد، فإنه يخشى أن تكون هذه المصارحة غطاء لتمرير إجراءات تقشف يكون ضحاياها أساساً ضعاف الحال والطبقة الوسطى، والذين هم في حاجة ملحة لدعم الدولة و لدورها في الحفاظ على قدرتهم الشرائية مع الاكتفاء بإصلاحات صورية لا تختلف مع السياسات السابقة ولا تجسد هدف العدالة الاجتماعية المنشود».
وكان الشاهد نفى قبل أيام ما أُشيع حول نية حكومته بيع مؤسسات القطاع العام كشركة الكهرباء والغاز وشركة المياه وغيرها للقطاع الخاص أو الشركات الأجنبية، مضيفاً «هل مازال من الممكن لرئيس الحكومة بيع مؤسسة عمومية؟ أين البرلمان؟ أين الصحافة؟»، كما نفى الشاهد نيته تعديل الدستور لتحويل نظام الحكم إلى رئاسي.
ورغم مشاركته في صياغة برنامج حكومة الشاهد وأولوياتها، إلا أن اتحاد الشغل حذر الشاهد من المساس بمؤسسات القطاع العام ووظيفتها الاقتصادية والاجتماعية. وأضاف في بيان أصدره السبت «يجدّد (الاتحاد) التأكيد على التزامه ببرنامج وثيقة قرطاج دون سواها ويعلن انه سيقيّم اداء الحكومة الجديدة بحسب التزامها بهذا البرنامج لإنقاذ الوضع الاقتصادي والحالة الاجتماعية من التردي ولمقاومة الفساد والتهريب والاحتكار والتهرب الضريبي، ومن أجل تحقيق التشغيل والتنمية المستدامة والعدالة الجبائية وضمان الحقوق الاجتماعية والاقتصادية لعموم الشعب وصيانة الحريات وتحسين عيش التونسيات والتونسيين، ويعتبر أن تجسيد هذه الاولويات، وفي مقدّمتها الأولويات الاجتماعية، جدير بالتقدير والدّعم، طالما هي في خدمة مصلحة البلاد».
وتابع البيان «بقدر تثمينه لخطاب رئيس الحكومة عموماً والتزامه بالخطوط العريضة للبرنامج الموقع عليه في قرطاج، فإنه (الاتحاد) يؤكد أن ليس للشغالين يد في الفشل الذي طبع الحكومات السابقة وأنه لن يقبل أن يتحمل الإجراء وعامة الشعب تبعات وأعباء إخفاقات السياسات المتبعة لعقود والتي كان الشعب دوماً ضحيتها والخاسر الأكبر من انتهاجها، ويشير الى أن بعض الأزمات، ومنها أزمة الفسفاط (الفوسفات)، مفتعلة يقف وراءها لوبيات الفساد التي يجب مواجهتها بالأساس، مجدّداً التأكيد على وجوب تقاسم الأعباء كلاً حسب امكانياته وموقعه».
يُذكر أن حكومة الشاهد تفوقت على جميع حكومات بعد الثورة (الحبيب الصيد ومهدي جمعة وعلي العريض وحمادي الجبالي) في كسب ثقة البرلمان، ويفترض أن يشكل هذا الأمر حافزاً للحكومة الجديدة على تنفيذ مهامها على أكمل وجه، وخاصة أنها تضم طيفاً واسعاً ومتنوعاً من السياسيين (يمين ويسار ووسط) والنقابيين والشخصيات المستقلة، وتواجه بالمقابل مشكلات كبيرة تحتاج لحلول عاجلة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي بالدرجة الأولى والأمني بالدرجة الثانية.