طريقان مختلفان لأمريكا وايران

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٦/يناير/٢٠١٦ ٠٠:٢٥ ص
طريقان مختلفان لأمريكا وايران

تردوي روبين

الآن بعد إتمام الاتفاق النووي مع إيران، ماذا بعد؟
بسرعة أكبر مما كان متوقعا، قامت طهران بتفكيك أجزاء كبيرة من برنامجها النووي، مما أدى إلى رفع العقوبات المفروضة على أنشطتها النووية. وعلى عكس النقاد، فإن هذه الاتفاقية بدأت تجعل الشرق الأوسط أكثر أمانا – في الوقت الراهن.
ولكنها أيضا تثير السؤال المثير للجدل بشأن ما إن كانت هذه الاتفاقية ستؤدي إلى تحول أكبر في العلاقات الأمريكية الإيرانية. إن الإفراج السريع عن عشرة بحارة أمريكيين كانوا قد ضلوا طريقهم إلى المياه الإيرانية وعملية تبادل الأسرى الأسبوع الفائت لاقت إشادة من قبل مسؤولي الإدارة باعتبارها بداية عهد جديد من العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران.
ليت ذلك كان صحيحا، ولكنه ليس كذلك.
يقول رايان كروكر، السفير الأمريكي السابق لدى كل من العراق وسوريا وأفغانستان والذي له خبرة في التفاوض مع الإيرانيين: "بالنسبة لي، هذه علاقة تبادلية، وليست علاقة تحويلية، تماما كما تفاوضت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي على اتفاقيات أسلحة جيدة".
والفكرة واضحة: الاتفاقية النووية من غير المحتمل أن تؤدي إلى تحسن العلاقات الأمريكية الإيرانية الأوسع، بل على العكس، فإن هذه العلاقات يمكن أن تزداد سوءا.
قال لي كروكر في مقابلة عبر الهاتف: "عظيم جدا أن أصبح هناك رقم هاتف نتصل به"، وهو يشير بذلك إلى العلاقات الوثيقة التي تطورت بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ووزير الخارجية الإيراني جواد ظريف. لقد ساعدت هذه العلاقة على الحل السريع لمشكلة البحارة وكذلك على الحصول أخيرا على الإفراج عن الأمريكيين الإيرانيين، بما فيهم مراسل صحيفة واشنطن بوست جايسون ريزايان.
أضاف كروكر: "ولكني لا أرى أي مؤشر على أن إيران ستغير من سياساتها في المنطقة. إننا بحاجة إلى أن نوضح أن هذا ليس فجرا جديدا جريئا".
لقد كان من الممكن أن تكون الأمور مختلفة لو كان ملف السياسة الخارجية في يد ظريف بالكامل، ذلك الدبلوماسي المحنك الذي أجرى دراسات عليا في الولايات المتحدة. أو لو أن رئيس حكومته حسن روحاني كان له القول الفصل في قضايا السياسة الخارجية. إن كلا الرجلين وطنيين ويتوقان لرؤية بلادهم مزدهرة وتحتل مكانها الصحيح في النظام الدولي؛ وربما كانا أكثر انفتاحا على مفاوضات حقيقية، مثلا، لحل النزاع السوري وإرساء الاستقرار في العراق.
ولكن السلطة الحقيقية في إيران تكمن في يد المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، الذي أكد على عدم ثقته المستمرة والكبيرة في واشنطن. لقد أكد خامنئي أن المفاوضات بشأن المحادثات النووية لا علاقة لها بأي قضايا أخرى.
وعلاوة على ذلك، فإن الملف العراقي السوري في يد الجنرال قاسم سليماني، رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الذي تشكلت نظرته للعالم من خلال الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت نحو عقد من الزمن، والتي عمل فيها في الخطوط الأمامية. وكان صدام حسين هو الذي بدأ تلك الحرب، ودعمته فيها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.
إن هذه التجربة لا تترك لسليماني اهتماما كبيرا بهذا النوع من التسوية السياسية بين الشيعة والسنة في سوريا التي من شأنها أن تكون ضرورية لإنهاء القتال. وإيران لن تتوقف عن دعم الرئيس السوري بشار الأسد (ولن تتوقف عن إرسال الأسلحة المعادية لإسرائيل إلى حليفها حزب الله في لبنان عبر دمشق).
ولذلك فإن أي آمال للإدارة الأمريكية في أن أي علاقات جديدة مع إيران ستترجم إلى تقدم في محادثات السلام السورية الهشة ستكون آمالا ليست في محلها.
وينطبق نفس هذا الحذر على العراق، حيث تحتاج الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة إلى توفير مكان للأقلية السنية في النظام إن كانت تريد تحقيق الاستقرار في البلاد. ولكن سليماني، ووكلاء إيران المحليين في العراق، حجبوا هذا النهج.
ولكن لا يعني أي من ذلك أن اتفاقية الأسلحة هي شيء خطأ (أما هل كان من الممكن أن تكون الشروط أو آليات التنفيذ أكثر تشددا فهذه مسألة أخرى). لقد كانت إيران تقترب جدا من قدرات متقدمة – وهي النقطة التي كانت ستمتلك عندها ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع القنبلة النووية – وهي كانت وصفة لحرب كانت ستتورط فيها أمريكا على الأرجح. أما الآن فقد تم تقليص برنامج إيران النووي بشكل كبير لمدة لن تقل عن عشر سنوات.
ولكنه يعني بالفعل أنه ينبغي على الإدارة الأمريكية أن تتوقف عن إعطاء الانطباع أنها لن يتعين عليها مستقبلا التصدي للسلوك الإيراني السيء في المنطقة لأنها تخشى من تعريض الاتفاقية النووية للخطر (يعتقد معظم العرب السنة أن واشنطن قد دخلت في تحالف مع طهران). وهو يعني أنه يتعين على البيت الأبيض دعم فرض عقوبات أكثر صرامة ردا على التجارب الصاروخية الإيرانية الأخيرة – أو المستقبلية – في انتهاك لقرارات مجلس الأمن الدولي.
ويعني كذلك أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تتعامل بشدة مع السلوك الإيراني الذي يغذي الحرب الطائفية في الشرق الأوسط (والسعوديون مسؤولون عن هذا، أيضا، ولكن ذلك لا يبرر السلوك الفاضح من قبل طهران).
يقول كروكر: "يجب علينا أن نفعل ما تفعله إيران. فإيران تتصرف في المنطقة كما لو أنه ليس هناك اتفاق نووي، وهي لا تبدو قلقة من أنها قد تعرض هذا الاتفاق النووي للخطر. ونحن علينا أن نفعل نفس الشيء".