النجاح في تنويع مصادر الدخل .. متى؟

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٣٠/أغسطس/٢٠١٦ ٢٢:٣٨ م
النجاح  في تنويع مصادر الدخل .. متى؟

محمد محمود عثمان *

الظروف الاقتصادية الراهنة التي صاحبت انخفاض أسعار النفط لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة بلا أدنى شك ..حيث يتكرر الحديث عن ضرورة تنويع مصادر الدخل تحسبا لهذه المتغيرات ، ولا ندري متى ننجح في تحقيق ذلك؟ وقد شهدت الدول النفطية الكثير من الأزمات المشابهة للأزمة الحالية .. ولكن كم عدد الاقتصاديات التي نجحت في تفادي هذه الأزمات ؟ وكم منهااستطاع أن ينجح في تنويع حقيقي لمصادر الدخل ؟ خاصة مع تكرار هذه الأزمات ، بل ومع توقع حدوثها بين الحين والآخر نتيجة للظروف الاقتصادية والسياسية الدولية ، ومن ثم فإن المخاطر موجودة ، مما يتطلب الحيطة والحذر ، حماية للاقتصاد وتحسبا من الآثار السلبية التي تترتب على ذلك في المديين القريب والبعيد ، وتأثر مختلف القطاعات الحكومية والقطاع الخاص ومختلف الأنشطة الاقتصادية ، وانعكاسات ذلك على الموازنات العامة للدول التي تتأثر بنسب متفاوتة من العجز ، الذي يمكن علاجه من الفوائض والوفورات السابقة إذا وجدت أو إذا توفرت احتياطيات كافية يمكن تعويض الميزانية منها ، ولكن ذلك يعتمد أيضا على حجم المتاح من النقد الاحتياطي للدولة والمدى الذي يمكن الاعتماد عليه ، وهذا يختلف من دولة إلى أخرى ، لأن زيادة العجز مع النقص في الاحتياطيات سيؤثر في النهاية على تنفيذ المشروعات القائمة والجديدة، وعلى الاستثمارات وعلى المستوى المعيشي والاجتماعي للمواطنين والمقيمين أيضا ، وكذلك يؤثر على الالتزامات الدولية
، وهذه هى التحديات التي يجب العمل على مواجهتها بسرعة وجدية ، من خلال الخطط والبرامج المدروسة علميا ، التي تضع البدائل القابلة للتنفيذ والاستفادة من عائداتها ، للتحول من الاقتصاد الريعي إلى التنوع ، بعيدا النظريات والتنظير الذي لا طائل من ورائه؛ ، لأن تنويع مصادر الدخل لا يمكن أن يعتمد على طرح الأفكار والنظريات غير القابلة للتطبيق العملي أو التي لا يمكن أن تمثل قيمة مضافة فعلية للدخل ، بل وتكون عنصرا أساسيا ومستديما من موارد الميزانية العامة للدولة ، كما لا يمكن أن نطرح استيراتيجية شاملة للتوظيف لا تحدد عدد المهن والوظائف المطلوبة في مدي زمني معين وواضح ، وفقا للمهن التي تعاني من نقص وكذلك تحديد الأعداد التي يمكن استيعابها في الخطط المستقبلية في قطاعات إنتاجية محددة ومتجددة في ذات الوقت ، حتى تكون قادرة على تغطية ومواكبة المتغيرات والمستجدات التقنية والتكنولوجية المتطورة في العالم ،والتي يمكن أن يتطلع إليها المواطن، وتحتاجها القطاعات الإنتاجية أو الخدمية التي تخدم المستثمرين المحليين والأجانب ، وتهمل كذلك على تسهل استيعاب جحافل الداخلين إلى سوق العمل سنويا ، إلى جانب التخطيط الجيد للاستثمار في الموارد البشرية وإكسابها المهارات والقدرات الفنية ، من خلال عدد من مراكز التدريب والتأهيل المهني التي لديها قاعدة بيانات حديثة بالأرقام التقريبية حول احتياجات السوق المحلي والإقليمي ومستويات المهارات المطلوبة في التخصصات التي تعاني من النقص في المرحلة القادمة ، والأعداد التي يمكن تأهيلها عن طريق هذه المراكزسنويا ، تبعا لخطة زمنية معلنة سلفا، حتى يمكن أن نتحدث عن إحلال منهجي للأيد العاملة الوطنية بدلا من الأيد العاملة الوافدة بدون حدوث تأثيرات سلبية على الإنتاج والاقتصاد بشكل عام
، ولا شك أن ذلك لا يمكن أن ننجح فيه إلا إذا توحدت الرؤى أمام متخذي القرار،حتى لا تتعارض الخطط والبرامج المتعلقة بتنويع مصادر الدخل مع بعضها ،من خلال آليات محددة ومقننة أمام كل جهة ، عبر خريطة طريق واضحة وملزمة، وتخضع لرقابة ومتابعة ميدانية مستمرة ، واعتبار ذلك من الثوابت التي لا يمكن أن نحيد عنها بأي شكل أو أى صورة ، أو لأي مبرر وأي سبب من الأسباب، حتى ولو تحسنت أسعار النفط وعادت إلى معدلاتها المرضية ، لأنه لا يكفي أن نتذكر فقط أهمية تنويع تعدد مصادر الإنتاج أو القول بضرورة عدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل ، عندما تحدث أزمة تتعلق بانخفاض أو تراجع أسعار النفط ، بدون أن نتعلم من الماضي ، ومن تجارب الدول الآخرى التي تجاهلت تماما الاعتماد على عائدات النفط ، واتجهت إلى مصادر أخرى بديلة لتمويل الموازنة العامة للدولة .