السياسة الأمريكية تعرقل البنوك الدولية

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٣٠/أغسطس/٢٠١٦ ٢٢:٣٨ م
السياسة الأمريكية تعرقل البنوك الدولية

جيلين تيت

عندما كشف جون كيرى عن الصفقة التاريخية التي تم التوصل لها مع ايران في شهر يوليو 2015 كان من المفترض أن تكون جزءا جوهريا من إنجازات أوباما، وفي مقابل تجميد طهران لبرنامجها النووي تعهدت واشنطن برفع الكثير من العقوبات، في تحرك كان من المفترض أن يستتبعه تدفق السيولة النقدية مرة أخرى الى ايران لإطلاق عجلة النمو الاقتصادي. والشئ الأكثر لفتا للانتباه بعيدا عن صراعات الانتخابات الأمريكية هو حالة الرفض من قبل البنوك العالمية، وما لم يتغير ذلك فربما تنفجر حالة الصمت وتجعل من الصعب على ايران أن تجني فوائد أي اتفاق.
وهذه المسألة تتعلق بقضية شائكة حول الطريقة التي ستتعامل بها وزارة العدل الأمريكية مع البنوك التي تقرر التعامل مع ايران. وفي السنوات الأخيرة تم منع البنوك الأمريكية من التعامل مع نظيرتها الايرانية. وعندما أعلن كيري الاتفاق قبل عام تقريبا كان ملاحظا أنه لم يتحدث عن رفع هذه العقوبة بصفة خاصة.
وما قاله كيري هو أن واشنطن سوف تنهي معارضتها التي بدأت قبل وقت طويل للبنوك غير الأمريكية أن تمارس نشاطها في ايران. وفي مطلع هذا العام حث البنوك الأوروبية على المشاركة من أجل تعزيز النشاط الاقتصادي لايران.
وأصدرت وزارة الخارجية بيانا مشتركا مع حكومات اوروبية حمل وعدا أنها لن تقف في وجه أنشطة الأعمال المسموح بها مع ايران ولا الشركات العالمية أو المؤسسات المالية التي تعمل مع ايران طالما أنها تلتزم بالقوانين المعمول بها. وتضمن الاعلان طلبا بتواصل تلك الشركات مع حكوماتها لمعالجة باقي المسائل بدلا من ضياع الفرص نتيجة سوء الفهم أو قلة المعلومات.
ومن الناحية النظرية هنك أسباب أن البنوك غير الأمريكية ربما ترغب في الاستفادة من هذه الحالة، فالبنوك الأوروبية متعطشة للعثور على فرص أعمال بعوائد مجزية مع الأخذ في الاعتبار انخفاض أسعار الفائدة في الغرب. وأيضا فبنوك مثل بنك دويتشه وبنك بي ان بي باريبا وبنك ستاندرد تشارترد واتش اس بي سي لها تاريخ طويل في ايران، ومع العملاء الذين يرغبون في القيام بأعمال تجارية هناك. وفي الشهر الماضي على سبيل المثال بدأت كل من سيمنس ورولز رويس محادثات حول استثمارات في الطاقة الجديدة.
بيد أنه ومنذ عام 2010 وقعت وزارة العدل على البنوك غير الأمريكية غرامات وصلت الى 15 بليون دولار بسبب مخالفات مزعومة لعقوبات عالمية ولوائح مكافحة غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب، وشمل ذلك غرامة ضخمة بواقع 8,9 بليون دولار على بي ان بي باريبا بشأن صفقات مع إيران وكوبا والسودان.
وقد تسبب ذلك في ترك البنوك الأوروبية والآسيوية في حالة عصبية شديدة، وطلبها الحصول على ضمانات موثوقة بعدم فرض عقوبات ضدها من وزارة العدل الأمريكية اذا هي تصرفت وفقا لاعلان كيري. وحتى الآن فإن كيري غير قادر أو غير راغب في إقناع الإدارة بالقيام بذلك. وكان رد فعل البنوك هو الاحجام عن التعامل مع ايران.
والواقع أن هذه طريقة غير عقلانية لإدارة السياسة الخارجية، ومن الممكن ان تتمخض عن نتيجتين على الأقل، أولهما أن هذا الامتناع من قبل المصارف الأجنبية سيجعل من الصعب على ايران ان تجني فوائد اقتصادية مقابل اتفاقها النووي وهذا يهدد بزيادة درجة الاحباط والاستياء داخل ايران تجاه الاتفاق. والنتيجة الأخرى هي حقيقة أن تصرف واشنطن بطريقة متناقضة من المرجح أنه يزيد من قلق البنوك غير الأمريكية من التعامل مع البلدان الحدودية الخطرة خشية أن تغير أمريكا اللوائح مرة أخرى.
وهذا أمر جوهري، فخلال العامين الماضيين شهدت التدفقات المالية عبر الحدود الى الأسواق الناشئة تباطوءا حادا، وربما لا يحتمل العالم أن يشهد المزيد من تباطوء التدفقات المالية. والواقع أن هذا مثالا محزنا لما قد تؤدي عليه سياسة واشنطن المتخبطة.

كاتبة مقال رأي في صحيفة فايننشال تايمز