"الشبيبة" تحاور مدير العلاقات الاقتصادية في الجامعة العربية د.ثامر العاني: الأداء العربي الاقتصادي لا يرقى إلى المستوى المأمول

مؤشر الاثنين ٢٩/أغسطس/٢٠١٦ ٢٢:٢٠ م
"الشبيبة" تحاور مدير العلاقات الاقتصادية في الجامعة العربية 
د.ثامر العاني: الأداء العربي الاقتصادي لا يرقى إلى المستوى المأمول

القاهرة- خالد البحيري

اعتبر مدير إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية د.ثامر العاني أن التكهن بأسعار النفط في المستقبل المنظور أمر غير منطقي لأن هناك العديد من المؤشرات غير المستقرة يجب أخذها في الحسبان.
ودعا الدول العربية إلى تجاوز "الصدمات النفطية" عن طريق الدفع باتجاه الابتكار والحلول الإبداعية وتعظيم عائدات القطاعات الإنتاجية والصناعية لتقليل الاعتماد على البترول، وهو ما يستدعي مراجعات دقيقة للسياسات الاقتصادية في بعض البلدان.
وقال في حوار حصري لـ"الشبيبة" من مقر جامعة الدول العربية وسط العاصمة المصرية القاهرة إن مجموعة العشرين هي التي ترسم ملامح الاقتصاد العالمي وتحدد خطواته وفق مصالحها ومصالح شعوبها، وإن الهيمنة الاقتصادية على العالم من جانب دولة أو تكتل ما لم يعد موجودا كما كان في السابق.
وأضاف العاني:"عبر الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي واقتصاد المعرفة يمكننا إعادة إطلاق الاقتصاد العربي الذي في مجمله حاليا لا يدعو إلى التفاؤل، وبحاجة إلى مزيد من الجهد لكي يلبي طموحات الشعوب ويحقق لها الأمن والاستقرار".

- كيف تقيّم أداء الاقتصاد العربي في ظل هذه الأزمات؟
بنظرة سريعة على واقع العالم من الجانب الاقتصادي نجد أنه يعاني من أربع مشكلات أساسية في الوقت الراهن، الأولي تتعلق بالأزمة المالية ثم تأتي أزمة الطاقة في المرحلة الثانية، وتليها أزمتي تغير المناخ وندرة المياه، والعالم العربي هو جزء من كُل وبالتالي هو في القلب من هذه المشكلات؛ وتتأثر دوله بهذه الأزمات بنسب متفاوتة، نظراً لموقعه الجغرافي واحتوائه على أكثر من 50% من النفط وتقريبا 26% من الغاز.
وبالنظر إلى الأداء الاقتصادي للدول العربية سواء النفطية مثل دول مجلس التعاون الخليجي والعراق، اليمن، ليبيا والجزائر أو غير النفطية نجد أنه أداء متذبذب وفي مجمله لا يرقي إلى المستوى المأمول؛ ولعل ذلك يرجع إلى أن الدول النفطية تعتمد في موازناتها العامة على عائدات النفط والغاز ربما بأكثر من 70%، وهو ما يجعلها رهينة التطورات الإقليمية والدولية المتعلقة بأسعار هذه السلع، وبالتالي تبدو منكشفة وعرضة للتقلبات الاقتصادية العالمية.
هذا الوضع يستدعي منا جميعاً كعرب أن نعيد حسابتنا ونحقق التنوع الاقتصادي الذي تسعي إليه كل الاقتصادات العربية ونعمل على تعظيم عائدات القطاعات غير النفطية مثل الصناعة والتكنولوجيا والاتصالات والسياحة والانتاج الزراعي ليكون هناك توزان بين روافد الموازنات العامة ونقلل من أثر "الصدمات النفطية "، فقط كانت أسعار النفط تقترب من حاجز 120 دولار وخلال ثلاثة أو أربعة شهور هوت إلى 40 دولار وظلت في هذا المستوى إذ تتركه ثم تعود مرة أخرى ما أنتج خللاً في موازنات الدول النفطية تحديداً نتيجة لقلة الإيرادات وزيادة المصروفات.

الابتكار أو الاندثار
- ماذا نحتاج لتحقيق التنويع الاقتصادي؟
نحتاج إلى السير في طريق الابتكار فالسائد بين الدول الآن "إما الابتكار أو الاندثار" وهو ما يحتم علينا اللجوء إلى حلول إبداعية للتقليل من وارداتنا من سلع وخدمات والعمل بشتى الطرق على إيجاد بدائل محلية عربية لها تصنع وتنتج في بلداننا وبالتالي توفر فرص عمل وتقلل من الاستيراد وحجم اعتمادنا على ما يأتينا من بقية دول العالم وهذا سينعكس بالضرورة ليس فقط على الوضع الاقتصادي بل على الأمن الاجتماعي للدول العربية، ولنا في تجربة الصين خير مثال؛ فهي لم تترك سلعة يتنافس عليها العالم إلا وأوجدت بدائل محلية لها، أما نحن فبحسب تقرير التنافسية العالمية والابتكار لا نزال في المؤخرة وحتى الدول العربية التي تحتل مراكز متقدمة في التنافسية مثل السعودية وقطر والإمارات فهذا راجع إلى تفوقها في البني التحتية.
موضوع مهم أخر يلزم لتحقيق التنويع الاقتصادي وهو الاهتمام بالبحث العلمي وإعطاء لاقتصاد المعرفة في موازناتنا.
وثمة أيضا مسألة تطوير التعليم باعتباره البوابة الحقيقة للبحث العلمي والابتكار، والعمل من خلال خطط عربية مشتركة تضمن الاستفادة من ثرواتنا ومقدراتنا بشكل تكاملي، متجاوزين خلافاتنا السياسية وما قد يحدث بين الاشقاء من خلافات فالعالم اليوم يتحدث لغة المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة وينحى الخلافات والمشاحنات جانبا، ولنا في الصين واليابان مثال واضح حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 300 بليون دولار برغم خلافاتهما السياسية.
ويضاف إلى ما سبق أنه لدينا حتى الآن صعوبة في استيعاب التكنولوجيا، صحيح أننا قطعنا شوطا مهما في نقل التكنولوجيا وتوطينها في بعض البلد والاستفادة منها ولو بشكل بسيط، لكننا بحاجة إلى تعامل وتعاطي أعمق مع مسألة التكنولوجيا والاستفادة منها في جميع مراحلها لنصل فيما بعد إلى تصدير التكنولوجيا لغيرنا، ولا نكون فقط عالة على الاخرين.

تعافي النفط
- هل من بادرة لتعافي أسعار النفط في المستقبل المنظور؟
قبل نحو أسبوعين أتممت دراسة قياسية بالتعاون بين مركز الخليج وجامعة كامبريدج اتضح من نتائجها أن أسعار النفط تعتمد في تحديدها على أربعة عوامل هي: المعروض (الإنتاج) واحتياجات السوق والاحتياطي العالمي وحجم نمو الاقتصاد العالمي وهذا يمثل 76% من عوامل تحديد سعر برميل النفط أما الـ 24% المتبقية فهي راجعة إلى عوامل جيوسياسية، وتوقعات، ومضاربات، وبالتالي أنصح العرب أن يركزوا على متابعة المؤشرات الأربعة ويتركوا التركيز على العوامل الجيوسياسية لأنها في الوقت الراهن ليست في صالحنا.
وبات واضحاً أن التكهن بأسعار النفط خلال المرحلة المقبلة يؤدي إلى نتائج غير واقعية وبصفة شخصية لا يمكنني أن أتوقع تحسناً أو انتكاسة في الأسعار خلال العامين 2018 و2019 على سبيل المثال لأنني وإن كنت أملك إحصاءات عن حجم الطلب العالمي لا أستطيع التكهن بأن بعض الدول سوف تزيد من حصتها في السوق أم لا، ومن ثمّ من الصعب التبوء بأسعار النفط في المستقبل المنظور.

- هل ما تعاني منه المنطقة العربية من أزمة في أسعار النفط نتيجة حروب او صراعات بين المنتجين؟
أراك تلمح هنا إلى النفط الصخري، أنا كاقتصادي لا أنظر للمسألة من هذه الوجهة، أنا فقط أتعامل مع أرقام وبيانات لكن بعض السياسيين يرون أن هناك فعلا محاولة لوقف تمدد شركات استخلاص النفط الصخري في أمريكا، لكن ذلك لم يكن مقلقا ولم يبلغ سوى 20% فقط نتيجة ارتفاع كلفته مقارنة ببعض دولنا التي لا تتكلف أكثر من 3 دولارات لاستخراج برميل نفط.
حتى لو سملنا بأن هناك صراعا، لقد خسرنا نحن العرب بشكل كبير، والمستهلكون لم يستفيدوا إلا قليلا، خسرت موازناتنا رافدا أساسيا ومهما مما أربك خطط التنمية في الكثير من البلدان، وبرغم أن المستهلكين يشترون النفط بأقل من نصف ثمنه قبل نحو عامين، إلا أن لهم عمالة بالملايين في دول الخليج تضررت نتيجة الانكماش الاقتصادي، ولم تعد تأتيهم السياحة الخليجية وفيرة الإنفاق كما كانت في السابق، وبالتالي هم أيضا تضرروا بشكل أو بآخر.

- ما الذي يقلقك كخبير اقتصادي فيما يخص سوق الطاقة العالمي؟
بصراحة العالم كله يتوجه نحو الطاقة البديلة، ويسعى للاستفادة منها، ويستعد لمرحلة ما بعد النفط، باستغلال طاقة الشمس والرياح والمياه، وإذا لم نفطن لهذا الأمر ونستفيد من عائدات النفط والغاز سيأتي وقت يفيق العرب المنتجون للنفط فلا يجدوا لهم وزنا أو تأثيرا في سوق الطاقة العالمي، وبالتالي أيضا ينحسر تأثيرهم في صناعة القرار العالمي في النواحي الاقتصادي.

- من الذي يدير الاقتصاد العالمي ويتحكم في وتيرته صعودا وهبوطا، برأيك؟
هنا.. لا أميل إلى نظرية المؤامرة وبأن هناك من يريد لنا الكساد الاقتصادي، لدينا أشياء لا يتحكم فيها أحد وبإمكانها صنع فارق كبير، هل يمنع أحد الفلاحين من الزراعة وسد الفجوة الغذائية في عالمنا العربي والتي وصلت إلى 40 بليون دولار مع امتلاكنا لأجود الأراضي ومصادر المياه والقوى البشرية العاملة؟ هل هناك من يقول لنا لا تفتحوا مصانع لإنتاج سيارات عربية بمواصفات عالية الجودة؟ بالطبع لا.. الجميع يسعى لمصلحته.. لماذا لا نسعى نحن لها كذلك.
لكن أستطيع أن أقول إن مجموعة الـ20 هي التي تدير الاقتصاد العالمي وترسم ملامحه المستقبلية في هذا الوقت، ولنا ممثل عربي وحيد بها هي المملكة العربية السعودية، وهؤلاء الـ20 تعنيهم في النهاية مصالح بلدانهم، ولن يأتي أحد من الخارج ليأخذ بأيدينا لننتج ما نحتاجه، الجميع يريد طرح بضائعه وسلعه وخدماته ويفسح لها الطريق بالجودة والسعر الرخيص.
وهنا لا يفوتنا أن نقول إن الدول الكبرى التي كانت تتحكم في السوق العالمي مثل أمريكا وروسيا وألمانيا وفرنسا، لم تعد كما كانت، وظهرت قوى أخرى موازية لها متمثلة في الصين واليابان وماليزيا وكوريا وسنغافورة، الجميع ينافس من أجل الحصول على حصة مناسبة من الاقتصاد العالمي وربحية السوق، ولم يعد هناك مكان للقول هناك دول كبرى ودول صغرى، القول الفصل لمن ينتج ويهتم بالابتكار وتكنولوجيا المعرفة واقتصادها.

ربيع الاقتصاد
- هل تأثرت الاقتصادات العربية بما عرف إعلاميا وشعبيا بـ"الربيع العربي"؟
هذا الأمر أكيد، وحتى من قبل الربيع العربي، المنطقة تعاني من عدم استقرار منذ عقود، القضية الفلسطينية مثلا ليس لها حل حتى الآن، خلافاتنا البينية، وغيرها من العوامل تجعل تصنيفنا كدول جاذبة للاستثمار ليس بالشكل المطلوب أو المأمول، رؤوس الأموال تبحث عن مناطق آمنة، مستقرة لديها استقرار أمني وسياسي واستقرار في أسعار الصرف وحرية في تنقل رؤوس الأموال، وكذلك بُنى أساسية قوية، من اتصالات وانترنت وطرق ومواصلات وغيرها.

- كيف تنظر لمعدلات النمو المعلنة في دولنا العربية؟
معدلات النمو في دولنا متفاوتة، وحتى تلك الدول التي تسجل نموا مرتفعا، قد لا يكون ذلك مؤشرا على صحة الاقتصاد، فما الفائدة معدل نمو مرتفع لا تنعكس أثاره على المواطنين؟ النمو الذي يسعدنا هو أن نضيف مصانع جديدة توفر فرص عمل، وتقلل من الاستيراد، ونضيف إلى انتاجنا المحلي منتجا جديدا ننافس به.
وأذكر هنا أن الصين في أحد الأعوام حققت نمواً بلغ 14% فاتخذت قراراً بأن تنزل بهذا النمو إلى 8% لأن له أثارا سلبية تتعلق بحجم التضخم، وارتفاع الأسعار واستنفاد الثروات الطبيعية في وقت قصير مع أنها ليست ملكا للأجيال الحالية فقط، وإنما لأجيال المستقبل أيضا، فضلا عن الطاقة الاستيعابية للاقتصاد محليا وعالميا.
وبالتالي، أتمنى أن نحقق نموا حقيقيا وليس مزيفا يعود بالنفع على أوطاننا ويسهم في رفاهية مواطنينا قدر المستطاع.