عنوسة الرجال

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٨/أغسطس/٢٠١٦ ٢٣:١٩ م

لميس ضيف
في البدء علي القول بأني أسوق مصطلح "عنوسة" بخفة لأني لا أؤمن بأن قطار الزواج له موعد ومحطة نهاية فكم من زيجات حصلت في منتصف العمر ونالت من نبع السعادة ما لم ينله سواها. ولكننا بالفعل أمام ظاهرة تتمثل في عزوف أعداد غفيرة عن الزواج: في السعودية وحدها هناك 600 الف شاب أعزب في سن الزواج. ويقال أن متوسط سن زواج الرجل المصري أرتفع مؤخرا لسن 29 عاماً وأن عدد من تجاوزوا سن الـ33 دون زواج بلغ أربعة ملايين رجل!
في الأردن أرتفع متوسط زواج الرجل لـيبدأ من 30 عاما، مقابل 32 للرجل اللبناني، بعد أن كان "وفق دراسة أجريت في العام 1979" 25 عاماً على الأكثر. أما في تونس فقد وصلت نسبة الشباب غير المتزوجين "في سن من 25-35 عاماً" إلى 71%!
هذا النسب مهولة في مجتمعات لا مساكنه فيها بين الجنسين ولا علاقات ممتدة إلا في إطار الزواج، هناك من يعزو عزوف الشباب عن الزواج لارتفاع تكاليفه وتلك حقيقة – نعم- ولكنها مبتسره، فكثير من الشباب قادر على تكاليفه، وكثير من فتيات اليوم ينفقن كما الرجل على الرحب والسعة، وكثيرٌ من العائلات اليوم يراعين وضع الشاب ويدعمنه أملاً في أن يصن أبنتهن ويحفظ لهم هذا المعروف. ولكن ثمة عوامل أخرى قادتنا لهذه المنطقة.
فشباب اليوم، وإن بدت علامات الرجولة عليهم سريعا، إلا أنهم أصغر نفسيا من عمرهم بكثير، لقد تراجع مستوى النضج وتراجعت معه الأوليات. فالرجل قبل ثلاثين عاماً كان يفكر في صنعة أو عمل ليتزوج ويؤسس أسرة. أما شباب اليوم فيفكر ما أن يعمل في سيارة يتباهى بها وفي السفر واكتشاف العالم وفي "التمتع بشبابهم" لذا يبقى الزواج مشروعا مؤجلا!
وكثير من الشباب يهرب من الزواج تثاقلا وهربا مما يأتي معه من مسؤوليات !
ناهيك أن الشباب، وبسبب تراجع النضج الذي سلف وأن تطرقنا له، صاروا يطمحون في زيجات "استثنائية" وتقليدية في آن واحد . فالشاب بعد أن كان احتكاكه بالجنس الآخر محفوفا بالمحاذير بات اليوم يرى كل بنات العالم ويخترق عالمهن ويومياتهن ويبلور صورة غير واقعية لفتاة أحلام بعيدة المنال وكلها عوامل تدفعهم لتأخير الزواج.
ليس ثمة من يلوم النساء على تأخرهن في الزواج فهن لسن أصحاب الكلمة والقرار في ذلك. ولكن الرجال يجب أن يلاموا إن هم ما ملكوا الباءة وعزفوا عن بناء أسرة لأسباب واهية. الكل يدعو لتيسير الزواج على الشباب - وهناك بالفعل تطور حقيقي في هذا الصعيد- ولكن يبقى الآن أن يواجه الشباب عوامل عزوفهم السطحية عنه ومبرراتهم الواهية. فبناء أسرة سليمة منتجة واجب على الفرد تجاه مجتمعه وأمته، وليس قرارا ذاتيا صرفا كما يخالون.