مسقط - العمانية
صدر عن مؤسّسة الفكر العربي الترجمة العربيّة لكتاب "أوضاع العالم 2016"، الذي حمل هذا العام عنوان "عالم اللّامساواة"، وذلك في إطار برنامج "حضارة واحدة" الذي أطلقته المؤسّسة منذ سنة 2008. وقد أشرف على الكتاب الباحثان الفرنسيّان الأستاذان في معهـد الدراسات السياسية في باريس، برتران بادي ودومينيك فيدال، ونقله إلى العربية نصير مروّة.
تضمن الكتاب 30 بحثا في مختلف المجالات التي تتجلّى فيها اللّامساواة والتفاوتات القائمة في العالم، سواء على مستوى الصحّة أم التربية أم الحصول على المعارف أم التمييز القائم بين الرجال والنساء.
وتقاطعت المقاربات فيما بينها في طريق رصدها لمفهوم "اللامساواة" في مختلف بقاع العالم على اختلاف مستوياته.
ويؤكد الكتاب أن العالم يواجه "ضغطا تفاوتيا، أو ضغط لامساواة كذلك الذي أخاف البرجوازيات الوطنية الأوروبية في نهاية القرن التاسع عشر؛ فكانت ردّة فعلها هي اختراع السياسات الاجتماعية: لكن ردّة الفعل اليوم أبعـد من أن تكون هي نفسها، والجمـاعة الدولية تحيد بوجهها، وتشيح بنظرها عمّـا يمكن أن يكون سياسة إعادة توزيع عالمية".
ويؤكد الكتاب أن هناك "لامساواة" وتفاوتا في حيازة الثروات في العالم، ولامساواة وتفاوتا في إنتاجها. حيث إنّ 4ر83% من الثروات المتراكمة في العالم هي في حيازة 4ر8% من سكّان العالم، في حين أنّ 7ر67% من هذه الثروات تعود إلى 8% من سكّان المعمورة. بل إنّ مصادر تؤكّد أنّ 1% من البشر يملكون حوالي نصف الثروة العالمية، وأنّ أميركا الشـمالية وأوروبـا تحوزان معا ثلثيْ الثروة النقدية العالمية، الأمـر الذي يحجّم على نحـو قبلي النصيب الذي ينسب إلى آسيا.
أما على صعيد إنتاج الثروات، وما يحقّقه الناتج الوطني القائم للفرد محسوبا على أساس الفرد الواحد من السـكّان، فتبدو هذه التفاوتات أعظم وأشـدّ. فالفرد الواحـد من سكّان البلدان الثمانية عشر الأولى في العالم، هـو أغنى بـ 5ر33% مرّة من نظيره من مواطني مجموعة البلدان الأفقر.... والشمال يأوي 16% من سكّان العالم، إلّا أنـه ينتج 70% من ثرواته. ويشير مؤشّر جيني Gini الذي يسـتخدم في قياس اللّامساواة في الدخل، إلى أنّ اللّامساواة هذه تزداد في العالم على نحـو ملحوظ. ناهيك بأنّ الأغنيـاء أصبحوا أكثر غنى، حيث إنّ منحنى التفاوتات واللّامساواة يتّجه في وجهة تصاعدية. وبعد أن كان مكسب العشرين في المائة (20%) من الناس الأغنى في عام 1960، يفوق بثلاثين ضعفا مـا كان يكسبه العشرون في المائة الأفقر، فإنّ النسبة اليوم هي من 1 إلى 74 .
وتتّخذ اللّامساواة والتفاوتات تلاوين جغرافية، فلا تقتصر على التفاوت بين الشمال والجنوب فحسب، بل داخل الجنوب أيضا، وذلك على حساب أفريقيا، وكذلك على حساب العديد من الجيوب في آسـيا الوسطى أو آسيا الجنوبية. كما تتغلغل هذه الفروقات والاختلافات داخل بلدان الشـمال نفسـه، عبر الهجـرات والبطالة والهشاشة، لتوجد بؤرا من البؤس تظلّ محجوبة عن الرؤية بفعل المتوسّطات والمعدّلات الإحصائية المنشورة على خرائط المعمورة المقسـّمة بحسب البلدان.
هكـذا، فإنّ التفاوتات العالمية لا تندرج في إطـار الشمال- الجنوب فحسب، بل في إطـار عابر للحدود، متجاوز للأوطان، بالغ التعقيد. وبالتالي، فإنّ التضامنات التي تتبدّى بين أغنياء الجنوب والشمال، إنمـا تترجم كذلك بنمـوّ متجانس في الاسـتهلاك، وفي أنمـاط استخدام أوقات الفراغ، وبل ربمـا في تشاكل في الثقافة، وإن كان يخفّف من شـأنها عدم التفاهم الناتج عمـّا شهده الماضي- ولمّا يزل- من إذلالات، والنابع عن إحباطات وخيبات، وربمـا عن رغبات ردّ الإساءة بمثلها أحيانا، لدى الجنوبيّين، وعن طفحان كيل وغطرسة وخشية من التراجعات لدى الشماليّين. هذه كلّها عناصر تناقضات جديدة تشكّل الحاضر الاعتيادي المعقّد للعلاقات الدولية اليوم.
هكذا ينتهي برتران بادي تحت عنوان "مـا هـو عالم اللّامساواة؟"، إلى أنّ نظـرية "صدام الحضارات" التي "هي خاطئةٌ في مبـدئها ليست بعيدة عن مرآة السياسي، لأنهـا طرحت على المسـرح الدولي أداة للحرب يستولي عليها كلّ طرف لكيّ يعبّر باختصار عن إحباطه كمغلوب ومسـيطر عليه، أو تبريراته الذاتية لنفسه كغالب وكمسـيطر".