لميس ضيف
"هناك ديناصور في بيتهم فلا تتحرك" بهذه العبارة سيطرت زائرتي على رغبة أبنها ذو الأربع سنوات على الحركة. ورغم أن الأمر بدا كطرفه للجالسين إلا أن ملامح الطفل تغيرت، وركض مختبئا تحت عباءه والدته، بل وخاف أن يخرج من المكان عندما حان وقت الرحيل إلى أن سألتني الوالدة أمامه "هل ربطتم الديناصور ؟" وعندما جاوبت بنعم هدأ روعه وأنطلق مسرعا للخارج ..!!
شرحت لنا بأنها طلبت من أختها استخدام برنامج تغيير الصوت واتصلت هاتفيا وحادثت الولد بالصوت المضخم المخيف "على أنها ديناصور" مهددة إياه بأنها ستختطفه ليلا إن عاند والدته ومن يومها وهو يطيع والدته كلما لوحت له بالديناصور..!
أن ما بدا لنا أمرا مضحكا، بل وبدا لبعض الأمهات علاجا مقبولا لشقاوة الأطفال، هو في الواقع أسلوب منحرف في تربية الأطفال ينتج عنه شخصية: أما مهزوزة جبانه، أو متمردة كردة فعل على السقم من الخوف والتهديد.. وهذا السلوك يمارس على نطاق واسع – ربما ليس بشكل مبدع كما فعلت صاحبتنا – ولكنه يمارس منذ عقود بتخويف الأطفال من الشرطة أو الأشباح أو الطبيب والابرة (!!!) ولا أعرف كيف للناس أن تهدد الأطفال بالشرطي في حين يُفترض ان يحتمي الأطفال به ولا كيف يؤطر البعض صورة الطبيب ويربطونها بالرعب والألم في وقت يعلمون أن الأطفال سيحتاجون لزيارته عاجلا أم آجلا !!
تقليديا، مارست الأجيال السابقة الأمر ذاته، لذا يزخر قاموس القصص الشعبية بشخصيات مرعبة كــ" أم السعف والليف " وحمارة القايلة "وهي مخلوق نصفه بشر ونصفه حمار" وغيرها من الشخصيات القبيحة العدوانية !!
مشكلة ثقافة التخويف لدينا أنها تطال كل شيء وتمتد لكل شيء.. فحتى في الدين يعمد الغالبية للتركيز - في الدعوة لله والدين القويم- على عذاب القبر وما في النار من عذاب مقيم .. في حين يروج أتباع الدين المسيحي لدينهم من بوابة أن الله محبة، وأنهم، والمقارنة هنا لا ترجح كفة بقدر ما تثير تساؤلا حول سبب هذا التجاهل لكل الآيات والأحاديث التي تركز على المغفرة والرحمة والجنة والنعيم لصالح الآيات التي تركز على العذاب الأليم.
أن لغة الترهيب والزجر والإرهاب – وفقا للمختصين – تنمى الإحساس بالحقد وتنمى حس الانتقام عند ضحاياها.. وتنمى صفة الخوف " الظاهر أو الباطني " لدي المرء.. فلا تتعجبوا أبدا من كم من يعانون من الوسواس أو الأرق أو العصبية المفرطة في مجتمعاتنا .. فهؤلاء سلاسة تربية مريضة وهم الثمر المتوقع لبيئة لا تقوي الإنسان بل تقوضه ولا تغذيه نفسيا بل تركز على صحة جسده ولا تقيم لصحته النفسية وزنا.