جيمس جاي كارافانو
يطالب دونالد ترامب أعضاء حلف شمال الأطلسي "الناتو" بدفع نصيبهم العادل في الحلف، وهذه الفكرة ليست جديدة، فمنذ نهاية الحرب الباردة تطالب كل إدارة أمريكية بالشئ نفسه. ولا يختلف الحزبان الجمهوري والديمقراطي في ذلك، فقد طالب القادة والمرشحون من كلا الطرفين من بيرني ساندرز إلى رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب كوركر من اعضاء الناتو المزيد من المشاركة في الخطط العسكرية.
والواقع أن بعض حلفاء أمريكا قاموا بذلك بالفعل، وعلى وجه الخصوص قادة بلدان أوروبا الوسطى، الذين يشعرون بصورة أكبر بوطأة ضغوط المغامرة الروسية، ويعلمون أنهم بحاجة الى الاضطلاع بنصيبهم من هذا العبء. وفي قمة ريجا 2006، وافق رؤساء دول الناتو على تخصيص أعضاء الحلف من البلدان الأوروبية 2 في المائة على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع. وقد أوفت استونيا بهذا الالتزام، كما أن البعض الآخر يعمل في هذا الاتجاه. وفي عام 2015، أوقفت 19 من أعضاء الناتو تخفيضات الإنفاق على الدفاع، وشرعت 16 من هذه الدول بالفعل في زيادة الإنفاق على الدفاع.
وهذا التعهد بـ 2 في المئة منطقي، فالالتزام المستمر بالحفاظ على القوات المسلحة مع مرور الوقت يصب في مصلحة قوة دفاعية أكبر بكلفة أفضل. ويمثل الناتج المحلي الإجمالي مقياسا عاما للإلتزام فيما يشبه الى حد كبير تخصيص الأسرة جزءا من دخلها للسكن والادخار وغيرها من النفقات الحيوية، لضمان توفير الضروريات أولا وحتى يمكن للأسرة أن تعيش في حدود ميزانيتها.
واضطلاع الولايات المتحدة بتوفير كافة القوات اللازمة لحماية المصالح الأمريكية الحيوية في المناطق الرئيسية في العالم يتطلب حوالي 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، وحجم الاقتصاد الأمريكي يساوي تقريبا نظيره الأوروبي في حين أن التزامات أمريكا العسكرية للناتو بالإضافة إلى آسيا والشرق الأوسط تعادل ضعفي أوروبا.
وبالنسبة لأمريكا فنسبة 4 في المئة قد تكون منطقية، ونصف ذلك ( 2 في المئة) لأوروبا يبدو حدا معقولا. والمؤكد أن هناك حاجة لبقاء الناتو في حالة قوية، وهذه القوة هي التي تحد من إغراء روسيا بالتدخل في شؤون الأطلسي، وزيادة قدرة الحلف على الاستجابة بصورة أفضل لحالات الطوارئ في الشرق الأوسط غير المستقر، كما أن هذه القوة تمكن الناتو من التعامل مع تهديدات أخرى مثل الحرب السيبرانية والإرهاب العابر للحدود .
وربما يكون الشئ الذي أثار نوعا من النفور لدى كثيرين في واشنطن وغيرها من العواصم إزاء اقترح المرشح الجمهوري للرئاسة ترامب أنه سيدفع دول الناتو الأخرى الى الوفاء بالتزاماتها في تقاسم الأعباء من خلال ربط التزامات الولايات المتحدة بالتزاماتهم.
بيد أن الخطاب الدعائي للحملة الانتخابية ليس دليلا موثوقا لما يمكن لإدارة فعلية للبلاد أن تقوم به، والمؤكد أن هناك طرق أخرى يمكن للولايات المتحدة أن تساعد حلفاءها في الناتو للقيام بأعبائهم ومن ذلك تعزيز الاقتصاد عبر الأطلسي، وهذا من شأنه أن يساعدنا وحلفاءنا في تحمل نففقات الدفاع التي نحتاج إليها. والتوصل الى اتفاق للتجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة خطوة مهمة وذات فائدة كبيرة، فالدولتان تمثلان 80 في المائة من قدرات الناتو.
وأيضا تقديم النموذج للإقتداء، ولنكن صادقين، فالقوة العسكرية الامريكية هي التي تضفي على الناتو قوته التي لا يستهان بها. ولا يفيد أي دولة أن تبني قدراتها سوى في ظل ثقة قوية في شراكة مع القوات الامريكية. ومن ثم على واشنطن أن تؤسس أربعة ألوية أمريكية دائمة للإنتشار المتقدم في أوروبا. ومن الخطوات الأخرى المهمة أن نجعل من الناتو حليفا سياسيا قويا. فمع تفكك الاتحاد الأوروبي يظل حلف الناتو بمثابة صوت التماسك الوحيد للسياسية والعسكرية والذي يمكن أن يرعى السلام والأمن في مختلف بقاع العالم التي يهم الولايات المتحدة استقرار السلام والأمن بها. والمؤكد أن الناتو بحاجة الى أن يصبح أفضل كما أن أمريكا بحاجة الى ناتو أفضل.
نائب رئيس مؤسسة التراث ومدير البحوث الفكرية للقضايا السياسية الخارجية وشئون الدفاع.