احمد المرشد
لم يكن العرب في حاجة الي التحالف الروسي –الإيراني العسكري الذي كشف عنه إعلان طهران وموسكو في نفس التوقيت أن الجمهورية الإسلامية وافقت علي استقرار قوات عسكرية روسية في قاعدة "نوجة همدان" الجوية٬ هذا التحالف لم يكن صادما للعرب فقط، بل للإيرانيين أيضا لدرجة أن يخرج وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان ليعلن علي الملأ رفضه احتجاج بعض نواب البرلمان على استقرار القاذفات الروسية في بلاده٬ ثم يتبجح في نفس الوقت ليقول أنه غير مستبعد منح المزيد من القواعد الجوية على الأراضي الإيرانية للروس "إن تطلب الأمر".
استمر دفاع دهقان عن قرار استقرار طائرات روسية٬ وقال ردا على ما اعتبر انتهاكا للدستور إنه "لا صلة للبرلمان باستقرار الطائرات الروسية في إيران". كما وصف موقف البرلمانيين من تقديم إيران قاعدة جوية لروسيا وانتهاك الدستور الإيراني قبل أيام بـ"انطباعات خاطئة لعدم الاطلاع"٬ ثم يوجه كلامه للبرلمانيين في حدة ليؤكد لهم أن الوجود الروسي في قاعدة نوجة هو "قرار النظام"، أي بموافقة المرشد الأعلي علي خامنئي، وكان هذا التأكيد ليخرس كل الألسنة المعارضة داخل بلاده.
والمشكلة حاليا لا تتركز فيما يصرح به الروس والإيرانيون، ولكن في الحقيقة المخفية في القرار وهي تكثيف الغارات الروسية علي المواقع السورية إمعانا في حماية الرئيس بشار الأسد وقواته ودعم نظامه ضد شعبه الأعزل، فمجرد دخول قاذفات "تو 22 إم 3 "و"سو 34 "الروسية العملاقة في الحرب، فهذا يعني زيادة فعالية الغارات الروسية في سوريا. حتي وإن أعلنت إيران أن هذه القاذفات ستدك مواقع "داعش" في العراق فهذا لن يغير من حقيقة الوضع بأن فعالية الغارات الروسية على المواقع السورية ستزيد 3 أضعاف.
والمؤسف وبالتزامن مع التخاذل الأمريكي في دعم المعارضة السورية المعتدلة، يأتي التقارب الاستراتيجي العسكري الروسي الإيراني لدعم النظام السوري٬ ليؤكد لنا وللجميع تصميم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على استكمال المعركة في سوريا التي يتعاطى معها كمعركة ضد الغرب وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية. ولنا ان نتذكر أيضا أن موسكو قد تكون تمهد من خلال هذه الخطوة لعملية عسكرية جديدة وكبيرة في سوريا بعد الهزيمة التي مني بها النظام والميليشيات في حلب. لنأتي الي الرسالة الأهم وهي أن الرئيس الروسي يخاطب نظيره الأمريكي وهو علي وشك مغادرة البيت الأبيض ويبلغه رسالة مفادها "إن روسيا بتحالفها العسكري الجديد مع إيران أصبحت سيدة الشرق الأوسط ولم تعد تعتمد علي القواعد السورية فقط"، فثمة انفتاح علي إيران كما أكد وزير الدفاع الإيراني أن بلاده مستعدة لخطوات أخري لتقديم أي دعم تطلبه موسكو.
وربما نلقي الضوء هنا علي ما ذكره الأدميرال علي شمخاني٬ الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني عندما قال :"لقد اتسمت علاقاتنا مع روسيا بطبيعة إستراتيجية٬ وأنه في سياق الحرب ضد الأعداء المشتركين٬ فإن كل قواعدنا متاحة لروسيا". المثير للدهشة في هذا القول، أن أعلي مسئول أمني في إيران لم يبال بعاصفة الاحتجاج في بلاده بسبب إعلان موسكو استخدام قواعد جوية إيرانية، وهذا مرجعه هو حساسية الإيرانيين الشديدة تجاه استضافة أراضيهم لأي قوة أجنبية٬ وهو أمر لم يكن قد حدث حتى الآن. ولكن الإيرانيين وافقوا علي رغبة بوتين الذي يحرص على إظهار أن حكومته تعود الآن إلى الشرق الأوسط كقوة أجنبية كبرى ذات نفوذ..كما أن وزير الدفاع الإيراني و شمخاني لم يراعا حساسية الإيرانيين حيال استخدام أراضيهم، فهما أيضا لم يدركا أن الوجود العسكري الروسي في إيران ينتهك نص وروح دستور الجمهورية الإسلامية على السواء، حيث أن المادة 146 من هذا الدستور تحظر بوضوح استخدام الأراضي الإيرانية من قبل أي قوة أجنبية -حتى ولو كان للأغراض السلمية - من قبيل عمليات إغاثة ضحايا الكوارث الطبيعية. هذا مع العلم بأن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الذي يترأسه الأدميرال علي شمخاني٬ ليس مخولا بمنح أي دولة أجنبية الحق في استخدام قواعد بلاده العسكرية وهذا وفقا للمادة 176 من الدستور٬ التي تحدد وضع ومسؤوليات المجلس الأعلى للأمن القومي٬ وتنص بوضوح على أنه ليس مخولا بتقديم مثل هذه التنازلات لقوى أجنبية. ولكن يمكن للمجلس فقط دراسة إمكانيات التعاون وعمل توصيات لا يمكن تنفيذها إلا بمصادقة مجلس الوزراء٬ ومجلس الشورى الإسلامي٬ والمرشد الأعلى. ولكن في الحالة الروسية ، لم تتفق كل هذه الجهات السيادية في منح التفويض للقاذفات الروسية لاستخدام قاعدة نوجة همدان، وفي هذا يمكن أن نستخلص أن ثمة توترا وتضارب مصالح فيما بين الجهات السيادية داخل إيران، أو تضارب في وجهات النظر رغم ما يحاول الإيرانيون من تصويره بوحدة مواقفهم السياسية الخارجية.
حتي لو استعدنا ما ذكره علي أكبر ولايتي٬ وزير الخارجية الإيراني الأسبق والمستشار الحالي لخامنئي: "النظر شرقا كإستراتيجية هو نوع من الضمانة، نعرف أن النظام العالمي القديم قد انهار ولا أحد ولو كان أكثر أهل الأرض حكمة٬ يعرف ما سيجري غدا.. وفي أوقات عدم اليقين٬ يكون من الحكمة والحصافة أن يكون لديك حليف قوي".
لا يهمنا في هذا المقام ما إذا كان ولايتي يحاول وضع روسيا في دور الحليف الإستراتيجي أو التكتيكي، لأن هذا سابق لآوانه، والذي يهمني كعربي أولا وخليجي ثانيا، هو خطورة هذا التحالف علي منطقتنا ككل، وسوريا والعراق تحديدا، لأن إيران سوف تستفيد من عملية توجيه الصواريخ الروسية بالتأكيد. والأمر برمته لن يكون مثلما يدعي البعض مجرد شهر عسل وينتهي بسرعة بين موسكو وطهران، فهو سيطول حتي تثبت روسيا لأمريكا أنها سيطرت تماما علي مفاصل الشرق الأوسط، مقابل استفادة إيران من إعلان استرايتجيتها في سوريا والإبقاء علي نظام بشار الأسد الذي كلفها مليارات الدولارات حتي الأن، ويكون في إمكان السلطة الإيرانية خداع الشعب وتصدير الوهم له بأنها تكلفت هذه المليارات من أجل حماية نظام حليف هناك، وأن هدف الدولة الإيرانية هو الحفاظ علي الأمن القومي . ويمكن إضافة كل هذه الأسباب ذريعة روسية – إيرانية مشتركة، وهي أن الدولتين يعملان بشكل وثيق لأن كلتيهما لا تريد أن تتعرض للهزيمة في سوريا.
من المؤكد أن تقارب موسكو – طهران سيكون علي حساب علاقات روسيا مع الدول الخليجية التي فكرت يوما ما في فتح علاقات جديدة مع موسكو، وتقديري أن هذا التقارب سيتلاشي بفعل هذا التطور الجديد الذي سيجهض بالتأكيد الجهود المشتركة (الخليج وروسيا) للتقارب علي حساب علاقة الخليج مع الولايات المتحدة حليفها الإستراتيجي والتاريخ في نفس الوقت. هذا مع العلم، بأن التقارب الخليجي – الروسي الذي شهدناه خلال الفترة الفائتة قد أثار غضب واشنطن بشدة علي كافة المستويات، سياسيا وعسكريا واقتصاديا.
لقد استفادت إيران من الغرب والولايات المتحدة عندما وقعت الاتفاق النووي وحصلت علي ودائعها التي كانت محظورة، وحاليا توسع تعاونها العسكري مع روسيا، ليس فقط استيراد أسلحة وصواريخ، وإنما فتح مجالات تعاون جديدة من مجرد مشتري للسلاح الي اخضاع روسيا لتكون دولة حليفة لهم في حروبهما، وكذلك ربما يعيد هذا التحالف أجواء الحرب الباردة للمنطقة.
اجمالا..لن نقول أن موسكو مستفيدة وحدها من التحالف العسكري الأخير مع إيران، فطهران أيضا ستستفيد منه وبأشكال عدة لتضيف لمكتسباتها من توقيع الاتفاق النووي مع الغرب والولايات المتحدة، لتكون مستفيدا من الشرق والغرب معا، فهي دولة تلعب علي كل الأحبال وتستخدم كل الحيل لتحقق طموحاتها، وللأسف، وقعت روسيا في المحظور، وهو نفس المحظور الذي وقع فيه الغرب بتوقيعه الاتفاق النووي وتصديقه النوايا الإيرانية، ليكون تساؤلنا الأخير:" هل بات الخليج غاب قوسين أو أدنى من حرب إقليمية؟".
كاتب ومحلل سياسي بحريني