أوبك للعمالة المهاجرة؟

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٨/أغسطس/٢٠١٦ ٠٣:٣٨ ص
أوبك للعمالة المهاجرة؟

سامي محروم

في شهر سبتمبر من عام 1960، اجتمع مندوبون من إيران والعراق والكويت والمملكة العربية السعودية وفنزويلا في بغداد لتشكيل منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك). ومع تزايد اعتماد العالم على النفط، تعاظمت قوة أوبك. واليوم، مع تحول العديد من الدول النامية، بما في ذلك غالبية البلدان في الشرق الأوسط، إلى بعض من الدول الرئيسية المصدرة للعمالة على مستوى العالم، فهل حان الوقت للنظر في تشكيل اتحاد احتكاري على غرار الأوبك للعمال المهاجرين؟
نجحت منظمة أوبك في حماية المصالح المشتركة لأعضائها الذين لم يكن بوسعهم حمايتها فرادى. فعندما تعاني أي سوق من تشوهات بنيوية، قد تصبح الأدوات السياسية والعمل الجماعي من قبيل الأوبك أكثر فعالية من السياسات العامة.
الواقع أن الدول المصدرة للعمالة اليوم لا تختلف كثيرا عن الأعضاء المؤسسين لأوبك في عام 1960. فهي أيضا معرضة للمخاطر في سوق حيث يتخذ العملاء القرارات. وهناك علاقة اعتماد متبادل بين الدول الغنية المستوردة للعمالة والدول الفقيرة المصدرة للعمالة؛ ولكن مستوردي العمالة يمكنهم تشديد أو تخفيف القواعد المنظمة للهجرة أو سوق العمل من جانب واحد، الأمر الذي يجعل المصدرين في حالة دائمة من عدم اليقين.
وهذا الاختلال في التوازن من الممكن أن يكبد مصدري العمالة تكاليف جسيمة. تشكل التحويلات المالية من العاملين المغتربين في الخارج شريان حياة أساسي لكثير من البلدان النامية ــ فهي أكثر أهمية من أي مصدر آخر للتدفقات المالية إلى الداخل، بما في ذلك الاستثمار المباشر الأجنبي والمساعدات الخارجية ــ وكثيرا ما تساعد في موازنة دفاتر حسابات الميزانية للدول. ووفقا للبنك الدولي، بلغت التحويلات المالية عام 2013 نحو 20% إلى 24% من الناتج المحلي الإجمالي في الفلبين وإندونيسيا، و42% في طاجيكستان، و32% في قيرغيزستان، و17% في لبنان، و10.8% في الأردن، و9.9% في اليمن، و6.6% في مصر والمغرب.
في العديد من البلدان النامية، تشكل العمالة عنصر إنتاج استراتيجي، تماما كما هي حال السلع الأساسية في الاقتصادات الغنية بالموارد. عندما نفكر في العمالة المهاجرة، فإننا نفكر في العمل الذي يتطلب مهارات متدنية في الزراعة، والبناء، والخدمات، والأعمال المنزلية. ولكن بعض البلدان مثل الأردن ولبنان (بين دول أخرى) تعمل الآن على تثقيف العمال لتمكينهم من المنافسة أيضا كعاملين في الخارج من ذوي المهارات العالية.
تحتاج الدول المصدرة للعمالة الآن إلى حماية استثماراتها في رأس المال البشري، وتعد الهيئات السياسية الأشبه بالاتحادات الاحتكارية الطريقة الأكثر فعالية لتحقيق هذه الغاية. وإذا انضمت البلدان المذكورة أعلاه إلى الصين، والمكسيك، والهند، وغيرها من الدول الرئيسية المصدرة للعمالة، فسوف تصبح متحكمة في أغلب أوراق التفاوض الجماعي بشأن الأجور وشروط التأشيرة وغير ذلك من الشروط ــ والتي قد يفيد بعضها أيضا دولا غير أعضاء مع تغير المعايير العالمية. وسوف تضطر الدول المستوردة للعمالة إلى التنافس على الوصول إلى سوق جماعية، بدلا من أسواق وطنية فردية، وسوف تحظى البلدان التي تمكنت من الوصول بميزة نسبية كبيرة على تلك التي لم تتمكن من الوصول.
والاتحاد الاحتكاري من شأنه أن يمنع الدول المصدرة للعمالة من الإضرار بمصالحها، كما يحدث حاليا في ظل الترتيبات الثنائية. على سبيل المثال، إذا أبرمت دول جنوب شرق آسيا بشكل فردي اتفاقيات منفصلة مع دول مجلس التعاون الخليجي، فإنها بهذا تقوض بعضها بعضا، وقد تكون النتيجة أن تنتهي بها الحال إلى اتفاقيات أسوأ.
أما في ظل الاتحاد الاحتكاري، فسوف تضطر الحكومات بدلا من ذلك إلى وضع حد أدنى لأجور المهن والحرف المختلفة، فضلا عن مستويات المهارة المختلفة. ومع تدريب الدول المصدرة لقوة العمل المهاجرة منها، يرتفع الطلب على عمالها وتشتعل شرارة المنافسة بين البائعين وليس الموردين، فتغذي بالتالي حلقة حميدة من الأجور الأعلى بل وحتى التدريب على المزيد من المهارات. ولأن كل هذا من شأنه أن يحدث على مستوى الأسواق العالمية، فإن أسعار مهارات بعينها سوف تصبح أكثر شفافية لمؤسسات التدريب، والطلاب، والموظفين، وأصحاب العمل على حد سواء.

.
مدير مبادرة الإبداع والسياسة في المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال