«الجميل».. عادة ظفارية تجسد التكافل الاجتماعي

بلادنا الأحد ٢٨/أغسطس/٢٠١٦ ٠٣:٢٩ ص
«الجميل».. عادة ظفارية تجسد التكافل الاجتماعي

صلالة - العمانية

تعد ظاهرة «الجَمِيل» أو ما يطلق عليها محليا «المصابحة» أو «المغبور» من العادات الاجتماعية التي توارثتها الأجيال بمحافظة ظفار وذلك في مناسباتهم الخاصة بالأعراس. وهي من العادات الحسنة التي تشجع على مبدأ التكافل والتراحم، وهي كذلك وسيلة لتيسير تكاليف الزواج من خلال مبلغ نقدي يدفعه الأهالي للعريس كل بحسب استطاعته.

وتتزامن ظاهرة «الجميل» أو «المصابحة» مع الأعراس بمحافظة ظفار خصوصا خلال موسم الخريف الذي يضفي طقسه المعتدل وتألق الطبيعة واخضرار الأرض بهجة وجمالا على مناسبات الافراح التي تقام في الخريف الذي يمكن أن يطلق عليه ايضا موسم الاعراس نظرا لما يتميز به من خصوصية مناخية، حيث تنتشر خيام الأعراس في الساحات العامة أو بجوار الجوامع وهي معدة للاحتفال بالأعراس واستقبال المهنئين للمباركة والتهنئة. ولـ «المصابحة» دور فعال في تعويض ما أنفقه العريس على متطلبات وتجهيزات العرس من مهر و وليمة واستئجار الخيام وصالات الأفراح وفرق الفنون التقليدية وغيرها من الأمور الأخرى.

ويزداد المبلغ الذي يتم الحصول عليه من «المصابحة» أو الجميل بحسب تواصل الفرد مع المجتمع والحضور المسجل في المناسبات المختلفة سواء من العريس أو والده او اقاربه. وفي أحيان كثيرة يتطلب الامر الاستعانة بأكثر من كاتب لتدوين أسماء الاشخاص في سجلات الجميل الذين يصطفون في طوابير طويلة لدفع مبلغ المصابحة وتحفظ هذه السجلات التي تحمل اسماء الاشخاص المساهمين في المصابحة لدى العريس او والده حيث يقوم من جانبه بارجاع المبلغ للأشخاص في مناسبات افراحهم.

وتتأصل هذه العادة مع مرور الوقت. وأصبحت فئة الشباب أكثر اهتماما وحرصا على استمرارها فتراهم يقدمون مساهمات لأقاربهم وأصدقائهم في افراحهم تتضمن مبالغ نقدية وهدايا قيمة. ولا تقتصر عادة «المصابحة» على الرجال فقط حيث إن النساء من أقارب العريس والعروس يقمن أيضا بتقديم الهدايا والمبالغ النقدية.
ورغم وجود ظاهرة المصابحة واستمرارها الى وقتنا الحاضر إلا أن هناك الكثير من المقتدرين ماديا أصبحوا لا يأخذون مبلغ المصابحة مع حرصهم الدائم على المساهمة في جميع المناسبات الاجتماعية.

عادة متوارثة

ويقول المشرف التربوي بوزارة التربية والتعليم د. سالم بن عقيل مقيبل، المتخصص في تاريخ عمان المعاصر، إن عادة الجميل «المصابحة» ظاهرة اجتماعية توارثتها الأجيال منذ القدم في محافظة ظفار خلال مناسبات الاعراس حيث كانت قديما تتم من خلال عدة طرق منها تقديم مبلغ نقدي أو ما يعوض عن المبالغ النقدية قديما مثل السلاح أو الخنجر لما لها من قيمة عالية في ذلك الوقت ويقوم بها المقتدر من أهل العريس وأقاربه ومعارفه إلى جانب تقديم الذبائح والوليمة لمساعدته ومشاركته في هذه المناسبة الاجتماعية.

وتتم طريقة دفع الجميل «المصابحة» من خلال قيام كاتب من أهل العريس داخل خيمة العرس بتسجيل أسماء الأشخاص في سجل خاص حيث يتم تسجيل الاسم كاملا مع ذكر المبلغ الذي تم دفعه والذي يبدأ من مبلغ 10 ريالات إلى 20 و50 ريالا واكثر بحسب مقدرة المشارك ودرجة القرابة.
وأضاف د. مقيبل ان هناك نوعًا آخر من الجميل «المصابحة» تقدمه النساء بمحافظة ظفار قديما يطلق عليه محليا «محوشة»، حيث تقدم للعروس قبل العرس بأيام وهي أشياء عينية كالملابس والبخور وأدوات الغرفة كالمدخنة والمكحل والعطور والمناظر «المرايات» وأواني الخزف الصينية التي تزين بها الغرفة أما في الوقت الحالي فيتم تقديم أطقم الذهب للعروس من أقرب الناس إليها رحما.
وأكد أنه في العرف الاجتماعي يعتبر المبلغ المدفوع في الجميل «المصابحة» قيمة أخلاقية وعرفية تحفظ للناس الود والحب والاحترام المتبادل ومتعارف عليها اجتماعيا بأن يتم إرجاعه عند زواج الطرف الآخر وتعد صورة من صور التكافل الاجتماعي في محافظة ظفار.

تتم مراسم الزواج في محافظة ظفار من خلال عدة مراحل أولها الخطبة، وهي أولى المراحل، حيث تتمثل بذهاب الشاب مع والده او احد اقاربه الى بيت والد الفتاة لخطبتها الذي يطلب مهلة للمشاورة فاذا تمت الموافقة على الخطبة يقومون بالرد عليهم بالترحيب وبعد ذلك يحدد والد الشاب يوماً آخر للحضور ليتم فيه الاتفاق على تحديد المهر او ما يطلق عليه محليا (الجهاز) علما أن الكثير من الاسر قد اصبح مبلغ المهر بينهم متعارفا عليه لدى الجميع. أما المرحلة الثانية فيطلق عليها محليا «الثبوت» حيث يذهب العريس ووالده مع بعض الرجال من الاقارب وكبار ووجهاء القبيلة الى بيت والد العروس وبعد أداء واجب الضيافة يطلب والد العريس من والد العروس تحديد مبلغ المهر فيحدد مبلغاً ومن ثم يطالب الضيوف الموجودون بتخفيض المبلغ حتى يصل الى نسبة معقولة تناسب ظروف العريس وأهله. وتأتي المرحلة الثالثة «العقد» حيث يتم عادة في بيت أهل العروس او في احد الجوامع ويحضره عدد كبير من اقارب الطرفين والاصدقاء والمعارف. وتقام في بعض الاعراس «السهرة» في مساء نفس يوم العقد. أما مرحلة «التحويل»، وهو انتقال العروس من بيت أهلها الى بيت زوجها، فتحرص قريبات العروس خلالها على الحضور وهن بكامل زينتهن وتقوم أم العروس باستقبالهن بالترحيب وحسن الضيافة بتقديم (الفوالة) المكونة من الحلوى والقهوة والكعك المحلي خبز «القالب» والفواكه وتطييب الجميع بالعطور والبخور. كما تأتي «مصابحة» العروس في صبيحة اليوم الثاني من العرس حيث يقدم العريس هدية قيمة للعروس تسمى «الصبحة»، والهدية تكون من الذهب والمجوهرات او مبلغ من المال وايضا تقدم هدية لأم العروس من الذهب أو مجموعة من الثياب كما تقام وليمة غداء أو عشاء على شرف ام العروس تسمى «ذبيحة الخالة».

مراسم الزواج