هل تستطيع تايلاند إخفاء التمرد؟

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٤/أغسطس/٢٠١٦ ٢٢:٤٩ م
هل تستطيع تايلاند إخفاء التمرد؟

ماثيو ويلر *
في الحادي عشر والثاني عشر من أغسطس، أسفرت تفجيرات وإضرام النار بشكل منسق متعمد في وجهات سياحية في سبع محافظات من شبه جزيرة تايلاند عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة خمسة وثلاثين آخرين. ولم تعلن أي جماعة مسؤوليتها، وقرر كبار المسؤولين في الحكومة العسكري على الفور أن التفجيرات لم تكن أعمالا إرهابية. كما نفت وجود أي صلة بين هذه التفجيرات وبين مسلمي الملايو المتشددين الذين يقودون تمردا انفصاليا على السنوات الثلاثة عشرة الفاتئة في المحافظات الجنوبية الأربعة.
وقال متحدث باسم الشرطة إن تايلاند ليس لديها نزاعات أو صراعات تتعلق بالدين أو العرق أو الإقليم أو الأقليات. ولكن هذا البيان مذهل في الحقيقة بالنظر إلى التمرد الذي يقوم به القوميون العرقيون في المحافظات ذات الأغلبية من مسلمي الملايو، حيث أدى العنف هناك إلى مقتل نحو 6500 شخصا منذ بدايته في عام 2004.
وقد سارع رئيس الوزراء الجنرال برايوت تشان أوتشا إلى التلميح بأن اللوم ينبغي أن يوجه إلى المعارضين السياسيين المحليين الموالين لاثنين من رؤساء الوزراء السابقين، وهما تاكسين شيناواترا وشقيقته ينجلوك شيناواتر، اللذين عارضا الدستور الجديد الذي وضعه الجيش والذي يضمن السلطة المستمرة للجيش في تايلاند. وقد وافق الناخبون على مشروع الدستور في السابع من أغسطس، وسط قيود شديدة على التحدث ضد الدستور.
لقد تم اعتقال العديد من المعارضين للحكومة، منهم أعضاء في حركة أصحاب القمصان الحمراء الموالية لتاكسين، رغم أن التفجيرات لا تتفق مع أساليب العنف السابقة المرتبطة بالجماعات المؤيدة لتاكسين، كما أنها لا تحمل أي أوجه شبه مهمة مع تفجيرات المزار الهندوسي في وسط بانكوك في أغسطس 2015 التي أسفرت عن مقتل 20 شخصا.
ولكن التفجيرات تحمل بصمات العمليات التي تقوم بها الجبهة الثورية الوطنية ذات الأغلبية من الملايو في محافظة فطاني، وهي المجموعة الرئيسية التي تقاتل من أجل استقلال الملايو المسلمين في جنوب البلاد. لقد تم تنسيق هذه الهجمات على عدة محافظات، وذلك من خلال استخدام اثنين أو أكثر من العبوات الناسفة لكي تنفجر في شكل سلسلة. وكانت الأجهزة صغيرة ورغم أنها قاتلة لم تكن مصممة لتوقع إصابات جماعية. وأيضا مما يتفق مع عمليات الجبهة الثورية الوطنية، لم تعلن أي جهة مسؤوليتها.
وقال محققو الشرطة التايلاندية، الذي يناقضون الروايات الحكومية، إن القنابل كانت مشابهة تماما لتلك التي يستخدمها المسلحون في عمق الجنوب التايلاندي. وفي يوم الخامس عشر من أغسطس، اعترف نائب رئيس الوزراء، براويت وونجسوان، أن المهاجمين ربما يكونون مستأجرين من بين صفوف المسلحين في الجنوب.
إن السلطات التايلاندية لها سجل طويل من عزو أعمال العنف إلى المنافسين السياسيين الداخليين. ففي عام 1993، وبعد أن أشعل مسلحون النار في 33 مدرسة في عموم المحافظات الجنوبية الثلاثة، ألقى بعض كبار المسؤولين باللوم على "زمرة السلطة القديمة" الذين خسروا النفوذ بعد التغيير الأخير في الحكومة. وبعد انفجار سيارة مفخخة في مرآب أحد مراكز التسوق في جزيرة كوه ساموي السيايحية في أبريل عام 2015، ألقى كبار المسؤولين باللوم على مجموة من السياسيين الين فقدوا السلطة بعد الانقلاب الذي حدث في العام السابق.
ولكن هذه الادعاءات لم يتم إثباتها، وربطت الشرطة في نهاية المطاف هذه التفجيرات بهجمات أخرى في عمق الجنوب. كما حاول المسؤولون أيضا توريط جماعة أصحاب القمصان الحمراء في تفجير مزار بانكوك العام الفائت.
فلماذا تحرص الحكومة العسكرية جدا على صرف الانتباه عن تمرد المسلمين الملايو؟ أولا، ينكر المسؤولون أن تايلاند هي هدف للإرهاب، وبخاصة الإرهاب الناجم عن التمرد الداخلي المزمن. وأحد الأهداف هو حماية صناعة السياحة الحيوية في تايلاند، التي تساهم بشكل غير مباشر بنسبة 20% في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
ثانيا، الجيش يصف التمرد بأنه "اضطرابات" يرتكبها أفراد مضللين، وهو ما يخدم تقليل آثاره السياسية. وهناك خوف عميق يسكن الكثير من المسؤولين التايلانديين من التدخل الدولي، وهو ما يعتقدون أنه سيؤدي في نهاية المطاف إلى التقسيم. وعلاوة على ذلك، فإن الاعتراف بالهجمات الأخيرة بأنها من عمل المسلمين الملايو المتشددين يعني أيضا مواجهة فشل الجيش التايلاندي في مكافحة التمرد. وقد رفض الناخبون في المحافظات الجنوبية الثلاثة بشكل قاطع مسودة الدستور، مما يعكس الكراهية في هذه المنطقة للجيش وتفرده بالسلطة.
صحيح أن المتمردين الجنوبيين قد امتنعوا إلى حد كبير عن مهاجمة أهداف تايلاندية خارج محافظات الجنوب الأربعة، ولكن هناك تفسيرات مقنعة لماذا قد يكونوا قرروا توسيع نطاق عملياتهم الآن. في العام الفائت، أشارت مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة مستقلة لمنع النزاعات، إلى احتمالية أن المتمردين، في مواجهة الجمود وتناقص العائدات من الهجمات الروتينية في عمق الجنوب، قد يستهدفون مناطق سياحية خارج منطقة الصراع التقليدية. وقد رفض كبار قادة الجبهة الثورية الوطنية عملية السلام المتعثرة التي تتبناها الحكومة العسكرية، والتي تبدو لهم مصممة للحفاظ على مظهر من مظاهر المحادثات دون مضمون المحادثات نفسه. والآن، ربما تكون نتيجة الاستفتاء قد كشفت عن عدم جدوى توقع التعامل مع حكومة منتخبة في بانكوك، لأن مشروع الدستور يرسخ سلطة الحكومة العسكرية لما لا يقل عن ست سنوات أخرى.
وإن كان المسلحون الملايو هم من ارتكب الهجمات الأخيرة، كما تشير المعلومات المتاحة، فإن الصراع بذلك يكون قد دخل مرحلة جديدة مقلقة. فعلى مدى ثلاثة عشر عاما، لم يكن للتمرد تأثير كبير على حياة معظم التايلانديين خارج أقصى الجنوب. والآن، فإن التمرد الأوسع ينذر بخطر إثارة التشدد البوذي والصراع الطائفي.
في وقت مبكر من العام الفائت، وعلى الرغم من حظر التجمعات السياسية المكونة من خمسة أشخاص أو أكثر، تم عقد مظاهرات بوذية كبيرة ضد منطقة صناعية لتصنيع الأغذية الحلال في شيانج ماي وضد بناء مسجد جديد في محافظة نان شمال تايلاند. وفي أكتوبر الفائت، حرض راهب في بانكوك على حرق مسجد مقابل كل راهب يتم قتله في أقصى الجنوب.
سيكون من قصر النظر والدفاع عن الذات بالنسبة للجنرالات الذين يديرون تايلاند أن يصروا على أن هذه الهجمات الأخيرة هي مجرد ثأر حزبي لا صلة به بالصراع في الجنوب. بل يجب عليهم الاعتراف بالتمرد كمشكلة سياسية تتطلب حلا سياسيا، وهذا يعني استعادة حقوق حرية التعبير وحرية التجمع للمواطنين التايلانديين، والانخراط في حوار حقيقي مع المسلحين، وإيجاد سبل لنقل السلطة إلى المنطقة.
* ماثيو ويلر هو محلل سياسي لشؤون شرق آسيا لدى مجموعة الأزمات الدولية