أوباما يفتح الباب أمام ترامب

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٤/أغسطس/٢٠١٦ ٢٢:٤٨ م
أوباما يفتح الباب أمام ترامب

مارك تيسين

نجح الرئيس أوباما أن ينجز شيئا لم يكن متصورا من قبل، فقد ساعد دونالد ترامب أن يبدو كرئيس للولايات المتحدة أكثر من الرئيس الفعلي. ففي يوم الجمعة الماضية وبينما كان سكان باتون روج يعاينون الأضرار التي لحقت بهم جراء الفيضانات التاريخية التي تسببت في الحاق أضرار بنحو 40 ألف منزل كان أوباما يشاهد الألعاب النارية في مصيف مارثا فاينيارد بعد مباريات الجولف التي استمرت 16 يوما. وعلى النقيض سارع دونالد ترامب بالذهاب الى المنطقة التي تعرضت للفيضانات لإنزال مواد للإغاثة وعمل جولة في المناطق المتضررة وتوجيه الانتباه الى كارثة تجاهلتها وسائل الإعلام الى حد كبير.
ولكن لماذا غاب أوباما؟ وفقا لبيان صادر عن البيت الابيض فالرئيس يدرك تأثير سفره الى المنطقة على جهود الإستجابة الأولية وما قد يحدث من تداخل قد يؤثر على سير تلك الجهود. وهذا مثير للسخرية بالطبع، وهو بالضبط السبب الذي قاله الرئيس جورج دبليو بوش عندما لم يذهب الى نيو اورليانز فور حدوث إعصار كاترينا، رغما عن أن الديمقراطيين – ومن بينهم باراك أوباما – وبخوا بوش على ذلك. وعلى عكس أوباما، فقد ألغى بوش اجازته بالفعل وعاد إلى واشنطن، لكنه قرر عدم الهبوط في ولاية لويزيانا حتى لا يوجه الموارد بعيدا عن جهود الانقاذ الجارية، وفضل معاينة الدمار في مناطق الفيضان مباشرة من الطائرة.
وفي ذلك الوقت ثارت ثائرة الديمقراطيين، ووجهت رئيسة مجلس النواب آنذاك نانسي بيلوسي كلمات قاسية تصف بوش أنه في غفلة وعدم إدراك الى حد الخطر. وفي وقت لاحق وصف أوباما بوش أنه: الرئيس الذي لا يرى سكان لويزيانا سوى من نافذة الطائرة بدلا من تفقد الأوضاع على الأرض ومحاولة توفير سبل الراحة للمتضررين.
حسنا، لدي أخبار لأوباما: لا يمكنك أن ترى الناس من ولاية لويزيانا وأنت في ملعب الجولف في مارثا فينيارد.
الواقع أن هذه هي أسوأ كارثة طبيعية تشهدها الولايات المتحدة منذ إعصار ساندي، إلا أن أي من أوباما أو خليفته المفترضة هيلاري كلينتون (التي كانت أيضا في مارثا فينيارد) أقتطعا من وقتهما الثمين هناك ليقف أي منهما أمام الميكروفون ليقول كلمة واحدة عن الأزمة.
وأحسن ترامب الاستفادة من حالة الفراغ التي خلفها غياب أوباما وكلينتون فهرع الى الموقع وفعل ما يفترض أن يفعله الرؤساء واستغل منبر القوة لتسليط الضوء على هذه المأساة. وقد اشتكى سكان لويزيانا من قلة التغطية الإخبارية، إلا أن ترامب غير كل ذلك في يوم واحد، وأثنى كلا الحزبان على موقفه، وقالت السناتور الديمقراطية السابقة ماري لاندريو التي تدعم هيلاري كلينتون: أريد أن أشكر الفاضل ترامب على حضوره لأنه يريد تسليط الضوء على ولايتنا وهذا ما نحتاجه الآن. وحثت كلينتون وأوباما أن يحذوا حذو ترامب و يفعلان الشيء نفسه.
وحتى الحاكم الديمقراطي جون إدواردز قد أقر بأهمية زيارة ترامب وأنها قد ساعدت على تسليط الضوء على لويزيانا وعلى الوضع المزري هناك. ووصف أوباما ومرشحه لمنصب نائب الرئيس مايك بنس أنهما صادقان في رغبتهما في المساعدة.
وبالمثل فقد أعرب ضحايا الفيضانات أيضا عن امتنانهم لترامب والغضب من موقف الرئيس. وقالت احدى النساء التي غمرت مياه الفيضانات منزلها أن زيارة ترامب كانت شيئا رائعا، "أما رئيسنا فهو مشغول للغاية في مارثا فينيارد" ، ووصف آخرون ترامب أنه أظهر اهتماما فعليا وقام بما يجب أن يقوم به الرئيس.
وبعد زيارة ترامب وفي النهاية أعلن أوباما أنه سيزور المنطقة بنفسه. أمر مثير للشفقة بالفعل! واحدة من أهم مهام الرئيس أن يكون أول من يسارع بالتواجد في وقت المأساة. وكثير من الأميركيين الذين كانوا في السابق لا يتصورون ترامب رئيسا، ربما يكونوا قد غيروا رأيهم يوم الجمعة وهم يشاهدونه يتجول في أماكن الدمار ويعانق الضحايا ويعدهم بحشد الجهود لمساعدتهم في إعادة البناء، وهذا ما كان يجب أن يفعله الرئيس، ولكن الأميركيين وجدوا أن ترامب هو من يقوم بذلك.
ورغما عن اللامبالاة الباردة من قبل أوباما إلا أنه منح ترامب فرصة سانحة وأحسن الأخير الاستفادة منها. ولم يقتصر الأمر على لويزيانا، فعندما اندلعت أعمال الشغب في ميلووكي طوال ثلاثة أيام هذا الشهر، كان أوباما أيضا يلعب الجولف مع نجم كرة السلة السابق الونزو مورنينج ويتحدث في جمع التبرعات لهيلاري كلينتون، ثم قضى يوما في شاطئ خاص، وفي ذلك الوقت سارع ترامب الى ميلووكي، ومن هناك صرح أن "الضحايا الرئيسيين لأعمال الشغب هذه هم المواطنين الأمريكيين من أصل أفريقي الذين يعيشون في هذه الأحياء ويحترمون القانون" ثم أردف " أطلب صوت كل مواطن أمريكي من أصول افريقية ممن يعانون في بلدنا اليوم ويريدون مستقبلا مختلفا".
ويبدو أن الديمقراطيين قد بدأوا يتعاملون مع انهيار ترامب على أنه أصبح أمرا مفروغا منه، وأن الفوز في الانتخابات القادمة لا يتطلب منهم الكثير. بيد أن ترامب نجح الاسبوع الفائت في الاستفادة من الباب المفتوح الذي هيأه أوباما وكلينتون له. وفي لويزيانا ظهر ترامب أنه أكثر إحساسا وتعاطفا من الرئيس أو المرشحة الديمقراطية، وربما لا يعني ذلك حملة انتخابية جيدة ولكنها مجرد بداية.

كاتب مقال رأي بصحيفة واشنطن بوست