علي ناجي الرعوي
في ضوء التحركات واللقاءات التي تشهدها المنطقة كثيرا ما نسأل انفسنا : هل بدأ فعلا موسم التسوية الكبرى للازمات الملتهبة والمتقيحة في منطقتنا بعد ان اقتنعت الاطراف الدولية الكبرى والفاعلين الاقليمين ان الرجوع الى الخلف مثله مثل التقدم الى الامام ؟
ربما تتقاطع هنا الاجابات وتختلف المقاربات فهناك من يقرأ ان واقع المجريات يشي الى ان القوى الغربية بقيادة واشنطن وحليفتها لندن وكذا روسيا من الجانب الاخر قد استكملت مساحة التفاوض حول مستقبل المنطقة وهو ما سيؤدي الى انفراج قريب تفرزه اتفاقات تنطلق من ايقاف الحرب في اليمن كمفتاح للحل وتسوية الازمات المتفاقمة في سورية والعراق ولبنان وليبيا فيما يتمهل اخرون قبل المبالغة بالتفاؤل لاعتقادهم بان اية تسوية مطلوبة في كل ساحات الصراع العربية هي من سترتبط بولادة نظام اقليمي جديد يتوافق عليه كبار الاقليم والعالم ومؤشرات ذلك لم تظهر حتى الان نتيجة عدم حسم الصراع على سورية وما جاورها.
يقر الجميع ان العملية السياسية في اليمن وصلت الى طريق مسدود وان بقاء الوضع الراهن على ماهو عليه يزيد من عمق المأساة ومن عذابات ملايين اليمنيين وكذا الصعوبات التي تحول دون التوصل الى مخرج يكسر الحلقة المغلقة التي يدور فيها الصراع في هذا البلد خصوصا بعد ما استقر الوضع العسكري عند خطوط محددة وأصبح من الصعب على أي طرف من اطراف الصراع حسم النزاع لصالحه على الاقل في المدى المنظور الامر الذي وضع ادارة الرئيس باراك اوباما امام جملة من الانتقادات الحادة لاسيما على الصعيد الداخلي بعد سقوط المزيد من المدنيين في الهجمات التي يشنها طيران التحالف على اليمن ويتضاعف حجم الانتقادات على هذه الادارة بدخول مؤسسات حقوقية ومنظمات تابعة للأمم المتحدة دائرة التنديد بالصمت الامريكي حيال تلك التجاوزات سيما وان الولايات المتحدة هي من اعطت الضوء الاخضر لـ (عاصفة الحزم) عوضا عن مشاركتها لوجيستيا واستخباراتيا في هذه العاصفة.
وأمام هذه الضغوط المتزايدة اتجهت الادارة الامريكية في اطار رد الفعل على تلك الضغوط الى مطالبة دول التحالف العربي ولو بشكل رمزي لتغيير مسار الحرب التي تشن على اليمن منذ مارس 2015م وما يعزز هذه الرؤية هي تلك المبررات التي ساقتها الولايات المتحدة لسحب مستشاريها العسكريين من الرياض ومطالبة جميع الاطراف اليمنية الى التوقف عن الاعمال العدائية والعودة الى طاولة الحوار وتقديم التنازلات من اجل انهاء معاناة الشعب اليمني بعد فشل مشاورات الكويت التي دامت اكثر من 99 يوما دون تحقيق أي تقدم يذكر.
لا يختلف اثنان على ان الحرب في اليمن قد تحولت الى حالة ضاغطة على الادارة الامريكية وان ورقة هذه الحرب باتت تستخدم ليس فقط للنيل من مواقف الرئيس باراك اوباما ولكن ضد سياسة الحزب الديمقراطي الذي يسعى الى تعزيز حظوظه في الانتخابات القادمة ولعل ذلك قد مهد لان تصبح الحرب اليمنية في واجهة الاحداث الجارية في المنطقة وكذا واجهة اهتمامات الدول الكبرى وتحديدا بعد ان شعرت واشنطن ان روسيا عازمة على القفز من دمشق الى صنعاء وأنها التي لن تتردد في استخدام الملف اليمني للمساومة بالملف السوري وبفعل هذه التطورات فقد اضطرت واشنطن ولندن الى ارسال وزيري خارجيتهما الى المنطقة لإجراء سلسلة اجتماعات مع الاطراف الخليجية بشأن اليمن وهي الاجتماعات التي بدأت في الساعات القليلة الماضية بلقاء رباعي ضم وزراء خارجية امريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات بهدف وضع الخطوط العريضة لما يمكن ان يسمح بإيجاد تسوية سياسية قادرة على كسر الجليد في الازمة اليمنية تأخذ بعين الاعتبار الحاجة الى صيغة جديدة ومبتكرة تعيد اللحمة الى هذا البلد والشراكة بين كافة مكوناته من خلال حكومة يتمثل فيها الجميع وان تكون هذه التسوية مطمئنة لجوار اليمن استنادا الى ما تفرضه الجغرافيا وتداخل المصالح في هذه المنطقة العربية الحساسة.
من المؤكد ان المجتمع الدولي والإقليمي بما فيه دول عاصفة الحزم قد اقتنع اخيرا ان الحرب في اليمن استنفدت كل اهدافها وأنها التي تتحول الى عبء على دول الخليج العربية التي انخرطت باستثناء السلطنة في هذا الحرب بدافع الحد من النفوذ الايراني في خاصرتها الجنوبية وهو النفوذ الذي قالت انه من يتمدد منذ سنوات عبر جماعة (الحوثي) التي تسير على خطى حزب الله اللبناني حسب تصورها ولتبديد مثل هذه المخاوف فقد حرصت واشنطن ولندن على ان يكون اجتماع وزيري خارجيتهما مع وزراء خارجية الدول الخليجية بجدة مستوعبا لتلك المخاوف ومنفتحا في نفس الوقت على اية مطالب بان لا يستخدم اليمن خنجرا في ظهر جواره الجغرافي من قبل أي طرف اقليمي وعلى وجه الخصوص ايران.
يقول واقع الحال ان اجتماعات جدة قد عكست في ظاهرها رغبة دولية وخليجية لوقف نزيف الدم في اليمن في اطار حل سياسي يتزاوج فيه القبول بالقرار 2216 وقيام حكومة يشارك فيها الجميع وهذه الصيغة رغم بساطتها فإنها لا تخلو من التعقيد مع ذلك فان الجميع يراهن على نجاحها على اعتبار ان تسوية الازمة في اليمن من شأنه ان يفتح المجال امام التسوية الشاملة للازمات العربية التي تنتظر انتهاء القوى الاقليمية والدولية من انجاز صفقاتها وتحالفاتها التي تسترخي على النار العربية المشتعلة للتوافق بشأنها بعد ان اخفق العرب في ادارة ازماتهم المستعرة على طول وعرض هذه المنطقة وغدت مفاتيح البيت العربي في ايادي القوى الدولية وبعض الاطراف الاقليمية التي تبني خطواتها وفق ما يخدم مصالحها وليس مصالح العرب.
لاشك ان اليمن قد وصل الى درجة من التهتك والانهيار وان استمرار الحرب فيه والتي تمددت نيرانها الى الحدود السعودية يمثل خطرا يتهدد امن المنطقة كلها وبالتالي فان مواجهة تداعيات هذا الخطر ينبغي ان تشمل اولا على العمل بكافة السبل على اخراج اليمن من المشهد الراهن انطلاقا من المعرفة بالواقع اليمني الذي يقول باستحالة الغاء أي مكون في المعادلة القادمة مما يعني معه ان اية تفاهم لابد له وان يؤسس عن طريق التوافق والشراكة التي تستوعب الجميع .. وحل كهذا لم يزل ممكنا اذا ما ادرك اليمنيون ان مصلحتهم تكمن في السلام والاستقرار ووحدة الصف الوطني.