مراجعة عرش الأمبراطور

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٣/أغسطس/٢٠١٦ ٢٣:٣٨ م
مراجعة عرش الأمبراطور

نوريهيرو كاتو

شهر أغسطس هو دائما زمن له قدره وجلاله في اليابان. فهو الشهر الذي نتذكر فيه التدمير المزدوج لكل من هيروشيما ونجازاكي، وهزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية. ولكن في هذا العام، نجد أنفسنا لا نتذكر التاريخ فحسب، بل نشهده أيضا: لقد اهتزت الأمة كلها مؤخرا بسبب الخطاب المسجل عبر الفيديو من الإمبراطور أكيهيتو، والذي ألمح فيه إلى رغبته في التخلي عن العرش.
لم يستخدم الإمبراطور كلمة "التخلي" في خطابه، وحاول أن يبدو كما لو أن التغيير الذي يقترحه يقع ضمن حدود المألوف. لقد أشار إلى أنه تقدم به السن لدرجة لا تمكنه من المشاركة في الشؤون العامة؛ وأنه لم يعد يستطيع السفر بنفس الطريقة التي كان يفعلها من قبل. وفي نفس الوقت، بدا أنه يشير إلى أن الواجبات الرسمية للإمبراطور، الذي هو رمز الدولة، هي أهم كثيرا من أن يتم تقليصها.
لقد كان غموض الرسالة متعمدا. فعلى كل حال، فإن الدستور الياباني يحظر على الإمبراطور الانخراط في الحياة السياسية، وينص صراحة على أن إبداء الرغبة في التخلي عن العرش من شأنه أن يشكل عملا سياسيا لا لبس فيه. بيد أن الطريقة التي جعل بها الإمبراطور أكيهيتو رغبته معروفة جيدا – من خلال مخاطبة الشعب الياباني مباشرة – بدت محسوبة لكي تحدث ذلك النوع من الصدمة الذي أحدثته. لقد كانت هذه هي المرة الأولى منذ عام 1945 التي يتجاوز فيها إمبراطور اليابان الحكومة، كما حدث، ليوضح تفكيره الخاص: كانت المرة الأخيرة التي حدث فيها ذلك في نهاية الحرب العالمية الثانية عندما قدم والد الإمبراطور أكيهيتو، الإمبراطور هيروهيتو، خطابا إذاعيا أعلن فيه استسلام اليابان لقوات الحلفاء.
إن الطبيعة الاستثنائية لهذا التلميح تثير السؤال: "لماذا الآن؟" أحد التفسيرات هو أن هذا التوقيت بلا شك مؤشر على أن الإمبراطور أكيهيتو، مع اقترابه من نهاية حياته، أصبح يزداد قلقه بشأن مستقبل النظام الإمبراطوري. لقد أصبح إمبراطورا في عام 1989، بعد أشهر من التركيز الإعلامي الشديد على تدهور صحة والده، وخلال مثل تلك الفترات "يصبح المجتمع في حالة ركود،" كما قال في خطابه. لقد كان مازال يبدي حزنه على الوقت الذي تولى فيه مهامه الجديدة – "عبء ثقيل جدا جدا"، وهو عبء قال عنه إنه يأمل أن يكون الأباطرة بمنأى عنه في المستقبل.
ربما يعلم الإمبراطور أكيهيتو أيضا أن اليابان ستحتاج عند نقطة معينة للسماح للمرأة بأن تكون إمبراطورة مرة أخرى، كما كان الحال في القرن السادس عشر، وربما يريد المساعدة على إثارة إعادة النظر بجدية في النظام الحالي كوسيلة للتبشير بهذا التغيير.
ولكن أيا مما سبق لا يعد إجابة كاملة على السؤال: "لماذا الآن؟"
ذكرت هيئة الإذاعة الوطنية اليابانية في 13 يوليو الفائت أن الإمبراطور أكيهيتو يرغب في التخلي عن العرش. وقد جاء هذا الإعلان بعد أيام قليلة فقط من توجيه الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم هزيمة للمعارضة في انتخابات مجلس الشيوخ – حيث حصل، مع شريكه في الإئتلاف الحاكم حزب نيو كوميتو، على أغلبية الثلثين اللازمة لكي يستطيع البرلمان تقديم التعديلات المقترحة للدستور للاستفتاء الوطني. ولا يستطيع المرء كبح جماح نفسه عن الشك في أن رغبة الإمبراطور في التخلي عن العرش ذات صلة بعزم حكومة رئيس الوزراء شينزو آبي على إعادة كتابة الدستور – وبخاصة حيث إن أحد تغييراتها المقترحة من شأنها أن تعيد تحديد دور الإمبراطور، لتغيره من مجرد وظيفة رمزية إلى رئيس للدولة، كما هو الحال وفقا لدستور ميجي في عام 1890. بيد أن الآثار العملية المترتبة على هذا التغيير غير واضحة، ولكن من شأنها أن تكون تنصلا رمزيا من المثل العليا ما بعد الحرب.
افترض بعض الخبراء أن إدارة شينزو آبي ربما تكون قد قامت سرا بإقناع هيئة الإذاعة الوطنية اليابانية بإذاعة تقرير عن رغبة الإمبراطور في التنحي. ولكن القانون الحالي لا يسمح بالتخلي عن العرش، ولذلك فهو لا يقدم أي توجيهات بخصوص دور الإمبراطور المتقاعد. وربما لا يمكن معالجة الطلب الضمني للإمبراطور أكيهيتو إلا من خلال إجراء تعديل دستوري، والبدء في هذه المهمة يمكن أن يعطي لإدارة آبي فرصة للشروع في إجراء تعديلات أخرى في نفس الوقت.
ولكن التفسير الأكثر إقناعا، في رأيي، هو أن الإمبراطور أكيهيتو قد انزعج بشدة من جهود إدارة آبي لتعديل الدستور – ليس فقط لتسييس دور الإمبراطور، ولكن أيضا للاستغناء عن ما يسمى مادة السلام التي تحظر على اليابان الانخراط في الحرب – لدرجة أنه يحاول تأخير تقدم الإدارة في هذا الصدد، ربما إلى ما بعد انتهاء فترة ولاية آبي في عام 2018. بعبارة أخرى، قد يكون الإمبراطور أكيهيتو يأمل في إثارة قضية دستورية أخرى، وهي قضية أكثر إلحاحا من غيرها، وهي بسبب تقدمه في السن ومنصبه الحساس، فلابد من الشروع في هذا التعديل أولا.
لا توجد وسيلة لمعرفة أي من هذه الاحتمالات هو الصحيح. ولكن هناك شيء واحد مؤكد، وهو أن إعراب الإمبراطور أكيهيتو بجراءة، وإن كان بغموض أيضا، عن رغبته في التخلي عن العرش قد سمح له لأول مرة بأن يصبح أكثر أهمية من والده في المخيلة الشعبية. فبعد سنوات عديدة من النظر إليه باعتباره "إله المعيشة"، اضطر الإمبراطور هيروهيتو لأن يصبح "إمبراطورا رمزيا". ولكن الإمبراطور أكيهيتو الآن، في خطوة غير متوقعة ومن تلقاء نفسه، وضع مطالبة جديدة لمكانته كأول إمبراطور حقيقي لليابان ما بعد الحرب.
وحتى منذ اعتلاء الإمبراطور أكيهيتو العرش، سعى جاهدا لإظهار احترامه للدستور وأوضح التزامه بالسلام والتعاون الدولي. فإذا نجح في محاولته للسماح لأباطرة اليابان بالتخلي عن العرش – ليقلب بذلك المفهوم السائد منذ زمن طويل بأن الإمبراطور "مقدس ولا تنتهك حرمته" – فإنه سيكون بذلك قد أثبت أن الأباطرة اليوم هم مثل أي مواطن آخر، يخضعون للقانون والمبادئ الديمقراطية لنظام ما بعد الحرب.

ناقد أدبي وأستاذ فخري بجامعة واسيدا اليابانية.