النظافة في عمان تدهش وتحرج

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٣/أغسطس/٢٠١٦ ٢٣:٣٨ م
النظافة في عمان تدهش وتحرج

فريد أحمد حسن

كل من يزور عمان يعود إلى بلاده بانطباعات إيجابية عنها وعن شعبها الطيب ، وليس من أحد إلا ويدهش من مستوى النظافة غير العادي الذي تتميز به مختلف مناطق السلطنة ، فعمان واحدة من الدول القليلة في العالم التي تتميز بمستوى نظافة عال ، وهذا يشمل كل شيء يتطلب أن يكون نظيفا ونقيا ، بما في ذلك النفوس .
قبل بضع سنوات زار السلطنة الأمير سيف الإسلام بن سعود بن عبد العزيز آل سعود فدهش مما رأى ولفته مستوى النظافة فيها فكتب مقالا نشره في صحيفة "الاتحاد" الإماراتية بعنوان "عمان الجميلة" عبر فيه عن انطباعاته ، وجاء فيه "إن كنتَ من محبي نظافة الدروب واللسان والقلوب ، فعليك أن تحجز مقعداً على أقرب رحلة مسافرة .. إلى عُمان الجميلة" مبينا أن النظافة في هذه البلاد تشمل كل شيء ؛ النفوس والقلوب والألسنة ، وبالتأكيد الأمكنة .
كل من يزور عمان يخرج بمثل هذه الانطباعات الجميلة حتى أن أحد المولعين بأمور النظافة والبيئة كتب ذات مرة مقالا طويلا امتدح فيه النظافة في سلطنة عمان وأكد أنه لم يسبق له أن زار السلطنة ولكنه كتب ما كتب بناء على ما سمعه من كل من زارها من أصدقائه ومعارفه من العرب والأجانب الذين امتدحوا هذا الجانب بالكيفية التي امتدحوا بها نظافة القلوب وأخلاق أهل عمان .
قبل سنوات قليلة سكنت في أحد فنادق الخمس نجوم بالعاصمة مسقط ، وحدث أن أبديت ملاحظة في موضوع يتعلق بنظافة أمر معين لموظف الاستقبال ساعة المغادرة ، فوجدته يصر على تدوينها في بطاقة رسمية لرفعها إلى المسئولين ، فأخبرته بأن الأمر لا يستحق ، لكنني فعلت بعد تأكيده بأهمية توصيل الملاحظة إلى الإدارة ، ثم بعد أيام فوجئت برسالة اعتذار موقعة من مدير الفندق ووعد بترقية الغرفة التي سأسكنها مستقبلا إلى جناح وتأكيد بأن الأمر نوقش مع المعنيين باستفاضة وأنه لن يتكرر أبدا . كان ذلك كافيا لتأكيد حالة الانزعاج التي صارت فيها إدارة الفندق رغم أن الملاحظة كانت بسيطة وحدوث خطأ مثل ذاك ممكن في كل فنادق العالم .
في السياق نفسه يمكن الاستشهاد بموقف حصل مع أحد الأصدقاء العمانيين في يناير الفائت عندما أخذني وآخرين في جولة بالعاصمة وأوقف سيارته في مكان يقصده السواح عادة وفوجئ بوجود مخلفات كان قد قام برميها أحد المستفيدين من موقف السيارات ، حيث عبر عن انزعاجه الشديد واعتذر مرارا حتى شعرت وكأنه تمنى لو أن الأرض انشقت في تلك اللحظة وبلعته ، فالعمانيون يعتبرون كل المرافق امتدادا لبيوتهم التي يسكنون فيها ، ولهذا فإن رؤية مخلفات مهما كانت بسيطة ولا تتعدى علب المشروبات الغازية ومحارم الورق يبدو غريبا ويستدعي حالة انزعاج واستنفار ، واعتذار .
قبل أيام تداولت مواقع التواصل الاجتماعي صورة لرجل عماني من ذوي الاحتياجات الخاصة يجلس في كرسي متحرك وهو يجتهد في إزالة مثل تلك المخلفات التي عمد البعض إلى رميها بسبب تدني الإحساس بالمسئولية لديهم وعدم تمكنهم من الوصول إلى الحالة الثقافية التي تمنعهم من القيام بمثل هذا الأمر . الصورة بدت مؤثرة ومستفزة ، فهي تحمل رسالة قوية إلى مثل أولئك ، مصحوبة برسالة أخرى مفادها أن هذا لا يليق بعمان ولا ينبغي أن يحدث في عمان التي اقترنت النظافة باسمها ، فأدهشت .
المثير في السلطنة هو أن النظافة لا تتوفر في الشوارع العامة فقط ، ولا تخص المدن دون القرى ، ولا تتميز بها الأحياء قليلة السكان دون الأسواق ، فهي متوفرة في كل مكان بما في ذلك سوق مطرح القديم الذي يكتظ طوال اليوم بالسائحين حيث من النادر أن يجد أحد مرتاديه ما يؤثر على انطباعه عن مستوى النظافة في هذا البلد .
من يشهد هذا المستوى من النظافة في عمان يستنتج أن بيوت العمانيين – أيا كانت الحالة المادية لساكنيها – نظيفة ، وأن هناك جهات رسمية مهمتها متابعة هذا الأمر والتأكد من أن النظافة متحققة في كل زاوية بدرجة كبيرة بل كبيرة جدا ، وأنه تتوفر في السلطنة قوانين وأنظمة تمنع السلوكيات الخاطئة فيما يخص النظافة ، ويستنتج أيضا أن الجهات المعنية بالتخطيط والتنظيم تولي موضوع النظافة أهمية كبيرة ، وبالتأكيد يستنتج أن مدارس السلطنة تجتهد في إكساب الطلبة العمانيين وغير العمانيين السلوكيات الإيجابية ، وهو ما يوكده اهتمام وزارة التربية والتعليم والجهات الرسمية الأخرى ذات العلاقة بمسابقات النظافة بين المدارس .
تميز السلطنة بالنظافة أداة مهمة من أدوات الترويج للسياحة ، وتميزها في هذا الأمر يوفر نموذجا يمكن أن يقتدى من مختلف البلاد العربية خصوصا تلك التي تشكل السياحة نسبة مهمة من دخلها القومي ، وتميزها بها يؤسس لسلوك مهم افتقده للأسف أبناء الكثيرين من العرب لأسباب كثيرة لا يتسع المقام لبيانها .
لهذا لم يكن مستغربا إصرار موظف الاستقبال في ذلك الفندق على تسجيل الملاحظة رسميا لتوصيلها إلى المعنيين بإدارة الفندق طالما أنها تتعلق بالنظافة ، ولم يكن مستغربا اعتذار إدارة الفندق عن حصول ذلك رغم بساطته ، وبالتأكيد لم يكن مستغربا انزعاج صديقي العماني وقيام الآخر بتنظيف المكان الذي تم تصويره فيه رغم إعاقته بغية توصيل تلك الرسالة المهمة .
عمان جميلة بأهلها وبسلوكياتهم ورقيهم وأخلاقهم وطيبتهم وبما تتميز به أمكنتها كلها بالنظافة التي لا تتوفر حتى في بعض العواصم الشهيرة في الغرب .

· كاتب بحريني