التحول البنيوي المؤلم في الصين

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٣/أغسطس/٢٠١٦ ٢٣:٣٦ م
التحول البنيوي المؤلم في الصين

تشانج جون

على مدار أكثر من عام، كانت عناوين الصحف الرئيسية في مختلف أنحاء العالم تشير إلى تباطؤ الاقتصاد الصيني. ولكن النظر بقدر أكبر من الدقة إلى الديناميكيات الإقليمية داخل الصين ينبئنا بقصة مختلفة ــ لا تدور حول إبطاء السرعة بل تغيير التروس.وفقا للمكتب الوطني للإحصاء في الصين، كانت مقاطعة شانتشي الغنية بالموارد تعاني من تباطؤ اقتصادي، ولكن مقاطعتي تشونجقنج وقويتشو في جنوب غرب البلاد شهدتا نموا قويا. وتستشعر مقاطعة هيباي وثلاث مقاطعات أخرى في شمال شرق البلاد التأثيرات الناجمة عن الركود، أما اقتصادات الصناعة الثقيلة في تيانجين وشاندونج وجيانجسو فإنها مزدهرة.
بعد الأزمة المالية في عام 2008، عندما أصبح النمو المتباطئ "المعتاد الجديد" في العديد من البلدان، بدأت الصين التعجيل بعملية إعادة التوازن الاقتصادي من خلال تحويل محركات النمو من التصنيع والصادرات إلى السلع والخدمات للاستهلاك المحلي.
وقد خلف هذا التحول تأثيرات بعيدة المدى على ديناميكيات الاقتصاد الصيني في المستقبل. فمع استراتيجية التصدير التي انتهجتها الصين سابقا، كانت الأولوية الأولى للحكومة تتمثل في دمج عمليات التصنيع المحلية في سلاسل الإنتاج العالمية. ولكن الآن يتلخص هدفها في خلق اقتصاد قادر على تلبية المطالب المتنوعة للمستهلكين المحليين، والصناعات المرتبطة بشكل وثيق بهذه المطالب هي التي تشهد توسعا سريعا.
في السابق، لم تكن الأنشطة الاقتصادية المزدهرة الآن مُعتَرَف بها كصناعات تحويلية على الإطلاق، بل باعتبارها "خدمات". ولكن الخدمات لا توجد في فراغ. فكل مهنة أو عمل يحتاج إلى المنتجات المصنعة، ووسائل النقل، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والخدمات اللوجستية، والعقارات، والتمويل، والتأمين، وغير ذلك الكثير. وبالتالي فإن الطلب الجديد على الخدمات الجديدة يخلف تأثيرات الحلقة الحميدة عندما يتعلق الأمر باستثمار رأس المال في البينة الأساسية والمعدات. وخلافا للاعتقاد السائد، فإن نمو الخدمات في الصين لتلبية الطلب المحلي لا يعني نهاية التصنيع والاستثمار الرأسمالي، ولا يعني نهاية النمو الاقتصادي بكل تأكيد.
الواقع أن قطاعات الخدمات تعوض عن قسم كبير من خسائر النمو، إن لم يكن كلها، لصالح الإنتاج الأدنى في أفرع الصناعات التحويلية الموجهة للتصدير. وكانت إنتاجية العمل منخفضة إلى حد غير لائق لفترة طويلة في قطاعات النقل، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتمويل، والتأمين، والعقارات، والتعليم، والرعاية الصحية في الصين، وهذا يعني أنها لا تزال تتمتع بحيز كبير للنمو بسرعة أكبر.
تشير دراسة أجراها الاقتصاديان جونج وا لي ووارويك جيه. مكيبين إلى أن الإنتاجية في قطاع الخدمات في آسيا "تعود بالفائدة على كل القطاعات في نهاية المطاف، وتساهم في النمو المستدام والنمو المتوازن للاقتصادات الآسيوية". وبدراسة اتجاهات التنمية الاقتصادية في كوريا الجنوبية، تجد الدراسة أن متوسط القيمة المصافة لكل عامل في قطاعات النقل، والعقارات، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات أصبح الآن أعلى من المتوسط في الصناعات التحويلية، كما تشير الدراسة إلى ديناميكيات مماثلة في الولايات المتحدة واليابان والصين.
وتشير هذه النتيجة إلى أن التطور السريع في قطاع الخدمات في الصين قد يعكس اتجاه تثبيط النمو لأسباب خارجية منذ عام 2008. ولكن كما يُظهِر التحول في اليابان وكوريا الجنوبية من التصدير إلى النمو المدفوع بالطلب المحلي، فإن التحول البنيوي عملية بطيئة ومؤلمة.
والصين في خضم هذه العملية الآن، ويتعين عليها أن تتوخى الحذر حتى لا تتسبب في تقويض مصادر النمو القائمة خشية أن تقع في فخ بنيوي حيث تكون تكلفة الانتقال في حد ذاتها كافية لتخريب أي مكاسب جديدة. وهي ليست علامة جيدة أن تُثقِل التكاليف المرتفعة في العديد من الأقاليم الصينية كاهل النمو في المجمل.
يشير هذا إلى تحديات جوهرية مقبلة، على الرغم من الإمكانيات الاقتصادية الكبيرة التي يتمتع بها المستهلكون الصينيون. فبادئ ذي بدء، تُعَد التنمية الاقتصادية القائمة على الطلب المحلي المتنوع أكثر تعقيدا من التنمية القائمة على التصدير، لأن هذه القطاعات الجديدة تعتمد بشكل أكبر على الخدمات المالية المتطورة، والقدرة على الوصول إلى الأسواق بقدر أكبر من الحرية والإنصاف، والعمال الأفضل تعليما، وزيادة الاستثمار في البحث والتطوير.
ونتيجة لهذا، فإن الشركات والأعمال الجديدة الناشئة عن التحول إلى نموذج نمو جديد تتطلب من نظام الحكومة الاقتصادية الحالي في الصين أكثر مما يتحمل. وقد تقطع الإصلاحات البنيوية شوطا طويلا نحو إصلاح هذه المشكلة، ولكنها سوف تلزم قادة الصين أيضا باتخاذ قرارات سياسية قاسية لن تُرضي الجميع.
ويتمثل أحد التحديات الأساسية الأخرى التي تواجه الصين في تباطؤ معدل التوسع الحضري، الذي لا يزال متخلفا، حتى بعد 25 عاما من النمو الذي تقوده الصادرات. وكل من المكونات الرئيسية لاقتصاد الخدمات المزدهر ــ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتمويل، والتأمين، والنقل، والعقارات ــ تحتاج بعضها بعضا لكي تتمكن من تحقيق الازدهار، والمدن هي التي تجمع بين هذه المكونات ــ في ظاهرة شبكة العوامل الخارجية. ولكن من المؤسف أن النظام الصيني الدائم المتمثل في تقسيم المناطق الحضرية والريفية، جنبا إلى جنب مع التخطيط الحضري الهزيل، أدى إلى نشوء مجتمعات حضرية مجزأة ومتناثرة تفتقر إلى الشبكات المتنوعة التي كانت لتساعد في تعزيز الإنتاجية
أستاذ الاقتصاد ومدير مركز الصين للدراسات الاقتصادية في جامعة فودان.