تسقط الواجبات المنزلية

مؤشر الثلاثاء ٢٣/أغسطس/٢٠١٦ ٢٣:٣٥ م

قبل سنوات كانت كل من فنلندا والنمسا في قعر قائمة الدول المتقدمة في التعليم. وكان طلبة فنلندا يحصلون على درجات متدنية في امتحانات القبول الجامعي. وخلال سنوات معدودة استطاعت فنلندا قلب المعادلة وقفزت من المرتبة الـ39 إلى المرتبة الأولى، فكيف حققت هذه المعجزة؟

درست فنلندا أفكارا جديدة وقادت وزيرة التربية والتعليم آنذاك kristakiuru فكرة منع الواجبات المنزلية وتقليص عدد ساعات الدراسة في المراحل التعليمية الابتدائية من 40 ساعة في الأسبوع إلى 20 ساعة فقط!
«لا واجبات منزلية» فكرة تنسف أساس التعليم القائم على التكرار والتلقين بغية تثبيت المعلومات.. ماذا على التلميذ إذن أن يفعل عندما يعود للمنزل؟
عليه أن يلعب، ويتواصل اجتماعيا مع عائلــته وجيــرانه وأصـــدقائه، فعمــــر الطفولة قصير جدا، أقصر من أن يمضيه الطفل ساجداً على كراسة ليعيد ما تعلمه صباحاً في المدرسة.
إحداهن كانت تروي لي، وهي أم عمانية لطفل في الصف الثاني الابتدائي، أن ابنها يعود من المدرسة منهكاً فينام حتى الخامسة عصراً، ومن الخامسة حتى موعد نومه ينكب على كتبه ليحل واجباته الكثيرة وتضطر أن تمضي هذا الوقت معه لتمنعه من التهرب وتمنحه استراحات عابرة خلالها ليستحم ويأكل ويستعد للنوم، وكثيرا ما يغفو وهو يحل الواجبات!
قلت لها بدهشة واستنكار: ولمَ يُعطى طفل في هذا العمر هذا الكم من الواجبات؟ وما دور المعلمين إن كانت الأم من سيعلم الطفل في المنزل القراءة والكتابة والرياضيات!.. فلم تملك الإجابة.
والحق أن التعليم اليوم بات تجارة في أقطار عدة، لذا لا تجد بعض المدارس بأساً من أن تُلقي مسؤولية التدريس على الأم، التي تتحول من صدر حانٍ إلى جلاد. ولأنهن غيـــر مؤهــلات للتدريـــس ولا يملكن مقوماته وآلياته، تجد كثيراً من الأمهات يضربن أولادهن أو يصرخن عليهم إبان تعليمهم ما يدفع الطـــفل للنقــمة على الأم والمــدرسة في آن.
«المدرسة هي المكان الذي يجب أن تجد فيه ســـعادتك - تقول مديرة مدرســـة فنلندية في مقابلة معها – العقل يحتاج للراحة وإلا لن يكون قابلا للاستيعاب ولا لمعالجة المعلومات».
إن الهدف الأسمى للتعليم - وأقتبس من مقابلة سمعتها لمعلم غربي يوما – هو أن نعلم الأطفال كيف يكونون أشخاصاً سعداء، يحترمون الآخرين ويحترمون أنفسهم. وفي دراسة لـ «جوني هاتي» لخص فيها قطاف 50 ألف دراسة تربية شملت 80 مليون تلميذ عرض لأفضل الطرق لتحقيق أقصى استفادة للطلاب، وخلص فيها لعوامل كثيرة كانت «الواجبات المنزلية» آخرها إذ أقر «هاتي» أن الواجبات تساعد التلميذ بنسبة ضئيلة للغاية وكلما تقدم سن الطالب زادت استفادته منها في حين أن الاستفادة قد تكون معدومة في سنوات العمر الأولى.
نتمنى، ونحن على أعتاب السنة الدراسية، أن توضع تلك الدراسات، وخلاصة التجربة الأممية، في عين الاعتبار، وأن تكون هناك توجيهات لحفظ طفولة الصغار من الهدر وتخفيف الواجبات لأدنى قدر ممكن إن لم يكن بالإمكان تجنبها. فساعات المدرسة يجب أن تكون كافية ليمتص التلامذة ما يمكن لعقولهم الصــغيرة استيعابه. ولا داعي للتطاول على وقتهـــم الخـــاص بالراحـــة والعائلة!