معنى الديمقراطية في الصين؟

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٢/أغسطس/٢٠١٦ ٢٣:٠٤ م
معنى الديمقراطية في الصين؟

بروس ديكسون

ظل مراقبو الشأن الصيني في الغرب يبحثون دون جدوى عن مؤشرات للديمقراطية في الصين على مدى أكثر من 25 عاما. ولكن لم تكون هناك حركة ديمقراطية مستدامة في الصين منذ النهاية المأساوية لاحتجاجات ميدان تيانانمين ومناطق أخرى في عام 1989. ويتفق معظم المراقبين الخارجيين أن جمهورية الصين الشعبية مازالت كما كانت عليه منذ تأسيسها عام 1949: نظام حكم الحزب الواحد الاستبدادي.
ولكن معظم المواطنين الصينيين لا ينظرون إلى الأمر بهذه الطريقة. ففي مسح وطني تم إجراؤه عام 2014، سئل أكثر من أربعة آلاف صيني حضري ما مدى تصورهم للديمقراطية في الصين في مراحل مختلفة من الزمن، فقالت الأغلبة العظمى من المستطلعين إن مستوى الديمقراطية في تزايد مطرد منذ أواخر سبعينيات القرن الفائت. ويعتقد نحو 60% أن الصين دولة ديمقراطية جدا أو إلى حد ما اليوم. ومن اللافت للنظر أن أكثر من 80% متفائلون بأن المستقبل القريب سيتمتع بمستوى من الديمقراطية لا يقل عن المستوى الموجود في الولايات المتحدة.
فكيف يمكن أن يكون ذلك؟ كيف يمكن أن تكون التقييمات الخارجية للحكومة الصينية وتصورات الناس الذين يعيشون تحت حكمها بهذا الاختلاف الجذري؟ الجواب يدور حول معنى كلمة ديمقراطية.
لقد تم إعطاء المشاركين في المسح الفرصة لتعريف الديمقراطية بعباراتهم الخاصة. إن معظم الأمريكيين يعرّفون الديمقراطية بأنها نظام سياسي به انتخابات حرة وأحزاب متنافسة وحكم القانون ومؤسسات الديمقراطية الليبرالية ذات الصلة. ولكن أقل من 5% من الصينيين أشاروا إلى هذه الصفات.
وقد عرّف نحو 15% الديمقراطية من حيث الحقوق: على سبيل المثال، "أن يتمتع الناس بحق الوصول إلى المعلومات" و "الفرصة والحق في أن تقول للحكومة وجهة نظرك". وعرّفتها نسبة 15% أخرى بالمساواة والعدل بين المواطنين: "أن يتم معاملة الجميع على قدم المساواة" و "أن نكون متساوين من حيث الدخل والإسكان والتوظيف"، كانت هذه هي إجابات هذا النوع من المستطلعين.
باختصار، عرّف نحو ثلث الصينيين الحضريين الديمقراطية من حيث الضوابط والتوازنات أو الطرق الأخرى التي تتناسب بشكل وثيق مع الأفكار الغربية.
ولكن على النقيض من ذلك، وصفت نسبة 30% مختلفة من الصينيين الديمقراطية من حيث كيف يتعين على القادة إدارة الحكومة، وليس كيف يتم اختيار هؤلاء القادة. حيث كانت هناك تعليقات مثل "الشعب والحكومة مترابطان" و " سياسات الحكومة تعكس الرأي العام"، هي التي جلبت هذه الفكرة. والأهم من ذلك، فإن هذه التعليقات تشير إلى أن مصالح الناس ومصالح الدولة هي بالأساس في وئام تام (أو على الأقل يجب أن تكون كذلك).
والغرض من الديمقراطية، كما يراه كثير من الصينيين، هو جعل الدولة قوية بحيث يمكنها توفير احتياجات رفاة الشعب والأمة ككل. فهي ليست طريقة لمساءلة القادة من خلال الانتخابات، والحد من سلطة الدولة من أجل حماية الحقوق والحريات الفردية، أو الفصل بين المصالح المتنافسة.
ولكن حتى الآن لم يكن التعريف الأكثر شعبية للديمقراطية – الذي قدمه ثلث المستطلعين من الصينيين الحضرييين – هو "لا أعرف".
وقد كانت التعريفات المختلفة للديقراطية مرتبطة بمدى شعور الناس بالرضا. فقد قالت نسبة 65% تقريبا إنهم راضون أو راضون جدا عن مستوى الديمقراطية في الصين. أما من عرفوا الديمقراطية من حيث الانتخابات والأحزاب وحكم القانون فقد كانوا هم الأقل شعورا بالرضا – وهم محقون بالطبع في ذلك – حيث إن "بواسطة ومن أجل الشعب" و "لا أعرف" كانتا في النهاية العظمى من المقياس. وقد كان الأكثر رضا هم أولئك الذين عرفوا الديمقراطية من حيث النمو الاقتصادي، ولكن أقل من نسبة 3% هم من عرّفوها على هذا النحو.
إن هذا الفهم الشائع (أو عدم الفهم) لما تعنيه كلمة ديمقراطية يساعد على تفسير لماذا لم تكن هناك حركة ديمقراطية مستدامة في الصين. فالناس الذين هم أقل تفاؤلا بشأن المستقبل هم الأقل ميلا لتأييد دعوات التغيير الجذري للنظام.
ويواجه النشطاء الذين يروجون لإصلاح ديمقراطي ليبرالي على النمط الغربي قمعا من الدولة وعدم اكتراث من جزء كبير من المجتمع. على سبيل المثال، تم إلقاء القبض على ليو شياو بو في عام 2008 بسبب دوره في صياغة "ميثاق 08"، وهي دعوة جريئة لبناء ديمقراطية ليبرالية في الصين. وعندما فاز بجائزة نوبل للسلام عام 2010، شعر كثيرون في الصين بعدم الألفة معه، وشكك آخرون في أنه قد حقق شيئا يستحق عليه جائزة نوبل.
وعلى الرغم من غياب الحقوق السياسية والحريات التي نراها شيئا مفروغا منه هنا، يرى كثير من الصينيين أن بلدهم أصبح أكثر انفتاحا. وحتى في الوقت الذي يواصل فيه الحزب الشيوعي رقابته وقمعه لأي تهديدات محتملة لاحتكاره للسلطة، مازال معظم المواطنين يرون أن الدولة أقل تدخلا مما كانت عليه في عهد الماويين أو في سنوات ما بعد تيانانمين مباشرة.
ومع ذلك، فمن الصعب التأكد من أن هذا الاتجاه سيستمر.
منذ أن تولى تشي جين بينج رئاسة الصين في عام 2013، زاد نطاق القمع. فقد شدد الحزب من قبضته على محتوى وسائل الإعلام، وألقى القبض على محاميي حقوق الإنسان وحذر العلماء من مناقشة موضوعات مثل القيم العالمية والحقوق المدنية والمجتمع المدني وحرية الصحافة واستقلال القضاء. وقد كشفت حملة تشي المتواصلة لمكافحة الفساد المستويات العليا للمرتشين في الحزب والحكومة والجيش، وهو ما يمكن أن يضعف من التأييد للنظام. كما أن تزايد عدم المساواة الاقتصادية والظلم الاجتماعي قد يؤدي أيضا بالناس إلى أن يكونوا أقل رضا عن الوضع الراهن.
ولكن في الوقت الحالي، بالإضافة إلى الحزب نفسه، فإن العقبة الرئيسية أما التحول الديمقراطي في الصين هي الاعتقاد الشائع بأن عملية التحول هي قيد التنفيذ بالفعل.

أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن.