دروس من الحرب العالمية

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٢/أغسطس/٢٠١٦ ٢٣:٠٤ م
دروس من الحرب العالمية

فيكتور ديفيز هانسون

قبل خمسة وسبعين عاما اندلعت حرب عالمية طالت جنبات العالم خلال ستة أشهر، والواقع أن البداية الفعلية للحرب العالمية الثانية كانت قبل ذلك بعامين عندما قامت ألمانيا بغزو بولندا. وبعد الحاق ألمانيا هزيمة سريعة ببولندا في سبتمبر 1939، اقتصر الصراع في معظمه خلال العامين التاليين على أوروبا الغربية. وبحلول صيف عام 1940 كانت بريطانيا هي الوحيدة التي نجت من انتصارات هتلر الأوروبية.
وامتدت الحرب لتصبح عالمية فقط في 22 يونيو 1941 عندما هاجمت ألمانيا بصورة مفاجأة الاتحاد السوفيتي شريكهاالاسبق. ولم تكن أمريكا وآسيا قد شاركتا بعد في توسيع الحرب حتى هاجم اليابانيون بيرل هاربر وملايا البريطانية في 7-8 ديسمبر. بل حتى ذلك الحين لم تكن الحرب عالمية بمعنى الكلمة إلى أن أعلنت ألمانيا وايطاليا لسبب غير مفهوم الحرب على الولايات المتحدة في 11 ديسمبر.
ووجدت أمريكا نفسها فجأة متورطة في حرب على جبهتين في البر والبحر والجو ضد دول المحور، من الدائرة القطبية الشمالية إلى الصحراء، ومن ساحل ولاية فلوريدا إلى الصين. وكانت هذه الأحداث الثلاثة الكارثية عام 1941 هي البداية الحقيقية للحرب العالمية الثانية، التي تمخضت عن مصرع نحو 65 مليون شخص، أكثر من 60٪ منهم من المدنيين.
والواقع أن هتلر لم يكن بحاجة الى مهاجمة الاتحاد السوفيتي، ذلك البلد الشاسع، الذي لم يستطع حتى نابليون غزوه بنجاح، ورغما عن أنه كان مصدر توريد كميات هائلة من الموارد الطبيعية لآلته العسكرية الألمانية.
وبالمثل لم يكن لدى اليابان أي سبب لقصف البريطانيين والأمريكيين في المحيط الهادئ، ولم يكن أي منهما يخطط لبدء حرب مع اليابانيين. فاليابان الصناعية كان بوسعها الحصول على معظم نفطها من جزر الهند الشرقية الهولندية وأندونيسيا الحديثة، كما أن قدوتها الاستعمارية هولندا تعرضت للهزيمة من قبل ألمانيا ولم تعد قوة استعمارية.
وأيضا كان بوسع اليابان العدوانية أن تضع يدها بسهولة على كل من الهند الصينية وغيرها من المستعمرات الأوروبية دون الدخول في حرب ضد اثنين من أكبر القوات البحرية في العالم. ولو أن المانيا لم تعلن الحرب على الولايات المتحدة بعد بيرل هاربور، لكان من المرجح أن تركز أمريكا على اليابان وتترك بريطانيا وحدها لمحاربة ألمانيا - مثلما فعلت منذ عام 1939. فلماذا ارتكبت دول المحور الثلاث هذه الأخطاء التي من شأنها أن تجعلهم يخسرون حربا عالمية جديدة في أقل من أربع سنوات؟
الأمم مثل الناس، قد تأتي بتصرفات غير منطقية. وها هو هتلر بعد أن قهر أوروبا الغربية جميعها رأى أن ألمانيا قوة لا تقهر، واعتقد أن الاتحاد السوفيتي لقمة سائغة جاهزة للقضم. وكانت اليابان قد اقتطعت مساحات شاسعة من الصين وشعرت بالمثل أنها قوة لا تضاهى، ولم تكن تنظر باحترام الى أمريكا الانعزالية بتلك الطريقة التي كان ينظر بها هتلر الى روسيا.
وتجاهلت إيطاليا وألمانيا القوة الصناعية الواضحة للولايات المتحدة، وأعلنتا الحرب دون أن يأخذا في الحسبان أن أي منهما لم تستطع أن تنتج حاملة طائرات أو قاذف متفجرات بأربعة محركات، في حين أن أمريكا كانت تنتج ذلك بأعداد ضخمة.
ولم يتوقف هتلر وموسوليني للحظة ليفكرا أن أي من القوتين لا يمكنها أن تصل إلى أمريكا، في حين أن الولايات المتحدة لديها القدرة على قصف أوروبا وعمل إنزال عسكري هناك.
وتفاخرت جميع دول المحور الثلاثة بتفوق جيوشها الفاشية، لكن الألمان واليابانيين والايطاليين لم يفكرا الى ما لدى أعدائهم العالميين الجدد بريطانيا وأمريكا وروسيا من سكان وموارد واقتصاد، ناهيك عن الروح المعنوية والتصميم. وبصورة إجمالية كان الحلفاء يتمتعون بأصول أكبر بكثير من دول المحور.
ولكن ماذا يمكننا أن نتعلم من الخيارات الكارثية لدول المحور في ذلك الوقت قبل 75 عاما؟ الواضح أن الدول الأضعف غالبا ما تبدأ الحروب بغباء ضد الأقوى منها، خصوصا إذا كانوا يعتقدون أن الحكم على القوى الوطنية يكون فقط من خلال الإرادة وليس من قبل المصانع والنفط والموارد والأسلحة والرجال.
كما أن الحروب أيضا تأخذ منطقا غريبا، فبمجرد أن يبدأ إطلاق النار يعمد القادة الى إثارة الرأي العام ويسعون لإيجاد أعداء وحلفاء جدد،ويوهمون أنفسهم أن الصراع لن يكون طويلا ولا مكلفا.
واليوم فالجماعات الارهابية مثل تنظيم داعش ودول مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران يعتقدون خطأ أن أوروبا والولايات المتحدة الأكثر قوة غير محددين الاتجاه، ويعيشان حالة ضعف مع فقد قوة الردع.
وفي عالم عاقل، سيكون ضربا من الجنون أن يفكر داعش في تكرار هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، ومن غير المنطقي أن تقوم روسيا بضم دول البلطيق لتكرر ما فعلته في شبه جزيرة القرم، وسيكون من الغباء بالنسبة للصين أن تثير حربا بحرية او جوية مع اليابان أو تايوان. ومع ذلك فهذه القوى جميعها قد يقنعون أنفسهم أن الفوائد المرجوة تفوق التكاليف.
وقد خلصت ايران الى قناعة أن الدول المارقة التي حصلت على القنبلة (كوريا الشمالية وباكستان) أصبحت أكثر قوة واحتراما من قبل الغرب، ولكن الدول التي تخلت عن برامجهما النووية (ليبيا) أو التي قامت بتفكيكها (سوريا والعراق) إما أنها قد تعرضت للغزو أو أنها تفتت الى أجزاء.
وعلينا أن نكون حذرين، فالحرب تبدا عندما تنخدع الدول الضعيفة بالاعتقاد أنها قوية، في حين تنظر الى الدول القوية والعقلانية أنها الطرف الأضعف.

مؤرخ في معهد هوفر في جامعة ستانفورد، آخر مؤلفاته: "أبانا جميعا: الحرب والتاريخ القديم والحديث"