جنوب شرق آسيا ملاذا لمقاتلي داعش؟

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٢/أغسطس/٢٠١٦ ٢٣:٠٣ م
جنوب شرق آسيا ملاذا لمقاتلي داعش؟

ديفيد إغناتيوس

ليس لتنظيم داعش نجاحات كثيرة في تجنيد مقاتلين من بين السكان المسلمين الكثيرين في جنوب شرق آسيا. ولكن ماذا يحدث عندما يتم تدمير عواصم التنظيم في كل من سوريا والعراق، ومن ثم يحاول المئات من المقاتلين الأجانب من أندونيسيا وماليزيا والفلبين العودة إلى أوطانهم؟
ينظر الخبراء هنا في أستراليا إلى تحدي مكافحة الإرهاب باعتباره مشكلة إقليمية، وليس مجرد محنة في الشرق الأوسط وشمال أفريقا. وهم يخشون أنه ربما تكون هناك مرحلة جديدة خطرة قادمة في المستقبل، حيث يبحث الجهاديون عن ملاذات جديدة.
لقد ظلت الحكومات في جنوب شرق آسيا تعمل بهدوء مع الولايات المتحدة، بعضها على مدى أكثر من عقد من الزمن، لرصد ومحاولة عرقلة الجماعات المتطرفة، وحققوا نجاحات كبيرة. وقد ساعدت الولايات المتحدة في تدريب وحدة شرطة أندونيسية تسمى "الكتيبة 88" قامت إلى حد كبير بتدمير تنظيم الجماعة الإسلامية التابع لتنظيم القاعدة والمسؤول عن تفجيرات بالي عام 2002 التي أسفرت عن مقتل أكثر من مائتي شخص.
ولكن السجون والأحياء الفقيرة وعصابات الشباب في جنوب شرق آسيا توفر نظاما بيئيا يمكن أن يتفاقم فيه الإرهاب مجددا، كما يقول الخبراء. وقد حاول عناصر تنظيم داعش في سوريا الوصول إلى هؤلاء الجهاديين المحتملين، كما هو الحال في التفجير الذي وقع في يناير في جاكرتا التي أسفر عن مقل ثمانية أشخاص، والذي أعلن داعش مسؤوليته عنه.
إن معظم مسلمي جنوب شرق آسيا يرفضون مثل هذا العنف، ولكن لتخطيط هجمات ينتج عنها خسائر جماعية، لا يتطلب الأمر سوى مجموعة قليلة فقط. قال سيدني جونز، مدير معهد تحليل سياسات الصراع الذي مقره في جاكرتا، في خطاب ألقاه في أبريل الفائت في أستراليا: "هناك أنشطة بين الجماعات الجهادية أكثر مما كانت عليه في أي وقت مضى في السنوات العشرة الفائتة".
إن المحفزات المحتملة للعنف هي الجهاديون الذين سافروا من جنوب شرق آسيا إلى سوريا والعراق. ويقدر الخبراء أن هذه الشبكة من المقاتلين الأجانب تضم ما بين 500 إلى 600 أندونيسي، و110 أسترالي، ونحو 100 ماليزي، وعدد قليل من الفلبينيين. وهذه الفرقة من جنوب شرق آسيا هي أكبر من عدد الذين سافروا إلى أفغانستان للانضمام إلى تنظيم القاعدة قبل الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. وفي العراق وسوريا، هناك متطوعون حاربوا وقتلوا.
"نحن لم نر الأسوأ بعد" في جنوب شرق آسيا، هكذا قال آرون كونيلي، الباحث في معهد لوي، وهو مركز لأبحاث السياسة الخارجية في سيدني، وهو الذي رتب لي زيارتي إلى أستراليا.
يخشى الخبراء من ثلاثة عوامل خطر يمكنها توسيع الشبكة الإرهابية الصغيرة الحالية في جنوب شرق آسيا: الإعلان عن تنظيم تابع لتنظيم داعش في الأدغال التي لا يحكمها قانون في جنوب الفلبين، وتجنيد متطوعين داعشيين جدد في الجيش الماليزي، وحدوث دفعة جهادية من قبل السجناء المفرج عنهم في أندونيسيا.
وقد اقتراح مقاتلو داعش من جنوب شرق آسيا إعلان خلافة فلبينية في مقطع فيديو تم نشره في يونيو الفائت. إن هذه المنطقة يمكن أن تكون ملاذات للجهاديين؛ فقد كانت هناك ثورة إسلامية تجيش في الخفاء هناك ضد الحكومة التي يهيمن عليها الكاثوليك على مدى قرن من الزمان.
في ماليزيا، كان الجيش مصدرا مقلقا لتجنيد الإرهابيين. وقد قال وزير الدفاع الماليزي أمام البرلمان العام الفائت أن 70 على الأقل من الأعضاء السابقين في الجيش تطوعوا في تنظيم داعش. وقد ظلت السلطات الماليزية القلقة بشأن المساعدة الغربية تعمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة وأستراليا منذ العام الفائت، لاحتواء هذه الأنشطة الجهادية.
وفي أندونيسيا، شنت الشرطة حملات شرسة ضد الجهاديين، فقتلت أو سجنت العديد من قادتهم. ولكن كما هو الحال في العراق وسوريا، كان السجناء هم الأرض الخصبة للتطرف. ويشعر الخبراء بالقلق من أن ما يصل إلى 200 جهادي سابق من المقرر إطلاق سراحهم من السجون الأندونيسية قريبا.
على مدى ما يقرب من خمسة عشر عاما، ظلت الولايات المتحدة تمول بهدوء جهود مكافحة الإرهاب في جنوب شرق آسيا. وأشارت دراسة نشرها العام الفائت مركز مكافحة الإرهاب في ويست بوينت إلى أن الولايات المتحدة قدمت 441 مليون دولار كمساعدة أمنية للفلبين، ذهب معظمها للجيش، ومبلغ 262 مليون دولار لأندونيسيا، ذهب معظمها للشرطة. ويبدو أن جهود الشرطة هي الرهان الأفضل: فقد زادت الهجمات الإرهابية في الفلبين بمقدار 13 ضعفا فيما بين عامي 2002 و 2013؛ وانخفضت الهجمات بنسبة 26% في نفس الفترة في أندونيسيا.
قد يخسر داعش وجوده في كل من سوريا والعراق، ولكن يمكن أن يكون هناك تأثير مرتد يتمثل في تهديد جهادي أكبر في البلدان التي يعود إليها المقاتلون الهاربون.

* كاتب عمود متخصص في الشؤون الخارجية بصحيفة واشنطن بوست