تشكيليٌّ جزائري يحوّل مرآب سيارته إلى صالة لعرض أعماله

مزاج الاثنين ٢٢/أغسطس/٢٠١٦ ١٥:٥٨ م
تشكيليٌّ جزائري يحوّل مرآب سيارته إلى صالة لعرض أعماله

الجزائر- العمانية

يبدو أنّ الفنان الخمسيني محمود طالب المنحدر من ولاية وهران بالغرب الجزائري، قد وضع تجربته الفنية على "سكّتها الصحيحة"، فهو منذ تخلّيه طواعيةً عن مهنة التدريس، التي قضى فيها عشر سنوات من عمره بعد تخرُّجه في المعهد التكنولوجي للتربية سنة 1982، لا يكاد يُغادر مسكنه بولاية وهران إلا نادراً، نتيجة انشغاله الدائم بتطوير ملكاته الفنية وتحسين أدائه، إلى درجة اعتقاده أنّه نحت لنفسه أسلوباً فنياً فريداً على مستوى العالم يتلخّص في مزجه بين فنون ثلاثة هي الرسم، والخط، والنحت. في حوار أجرته معه وكالة الأنباء العمانية، يقول محمود طالب: "رغم أسلوبي الفريد، إلا أنّني أعدّ نفسي لا أزال في مرحلة الهواية، لأنّ الطريقة التي أشتغل عليها هي في مرحلة التجريب، فللمرة الأولى يقوم فنان على مستوى العالم بالجمع في أعماله بين النحت والرسم والخط. وبحكم هذه التقنية المركّبة، وجدتُ نفسي مضطرّاً إلى إتقان هذه الفنون الثلاثة، على ما يُمكن أن يُواجهني من مشاقّ في سبيل ذلك، خاصة إذا علمنا أنّ حرفاً واحداً من الأبجدية العربية يُمكّننا من إنتاج لوحة، فما بالنا إذا حاولنا التأليف بين الرسم والنحت والخط؟". ونتيجة لهذا التركيب الذي آثر محمود أن يجعله ميزته الفنية، فإنّ هذا الفنان لا يرى أنّه تأثر في مرحلة من مراحل حياته الفنية بفنان معيّن، فهو ينهل من كلّ المدارس الفنية التي يتعرّفُ عليها، ويُحاول العمل على إنتاج توليفة تُعبّر عن رغبته في بلوغ درجة التميُّز التي تُمثّل هدفاً لكلّ فنان مبدع. ومن الخصائص الفنية التي تنفرد بها أعمال محمود التشكيلية اعتماده على مرتكزات الفن الحديث، والمزج بين التجريد والنحت مع إدخال تشكيلات من الخطوط العربية. أما عن مستوى الحفاوة التي استُقبل بها أسلوبه في الأوساط الفنية، فيُؤكد ابنُ مدينة وهران: "كان لي الشرف أن شاركتُ سنة 2013 في فعاليات المهرجان الدولي للفن المعاصر في بغداد (العراق)، وقد لاقت أعمالي قبولاً وإعجاباً من قبل الكثير من الفنانين الإيطاليين، والفرنسيين والألمان". ومن الأمور التي يعتزُّ بها محمود طالب أنّ جمعية البحث العلمي التي يُشرف عليها د.إلياس بغلي قامت قبل سنتين بإهداء أميرة النمسا، وهي طبيبة، لوحة من لوحاته بعدما أثارت إعجاب الأميرة النمساوية التي قامت بدورها بالتنازل عنها لمتحف دولة النمسا، واللّوحة معروضة هناك إلى اليوم. ولا تتوقف أسباب فخر هذا الفنان عند هذا الحدّ، فكثيرٌ من لوحاته الأخرى سافرت من وهران إلى العديد من الدول العربية والأوربية، ذلك أنّ عدداً غير قليل من الفنانين العرب والأوروبيين، الذين نسج معهم محمود طالب علاقات جيّدة، قاموا باقتناء بعض أعماله، وهي موجودة حالياً بالعراق التي أنجز بها جدارية سنة 2012، والإمارات العربية المتحدة، وفرنسا وإيطاليا. ومن الأعمال التي لا تقلُّ أهمية عن سابقاتها، بالنسبة لابن الباهية وهران، ذلك المجسّم الذي أنجزه بتمويل من شركة بناء صينية بحيّ الصباح بوهران وأطلق عليه عنوان "إشعاع الوحدة الوطنية" بطول وارتفاع وصل إلى 12 متراً وعرض جاوز متراً ونصف المتر. وأمام إصرار هذا الفنان على الذهاب بعيداً لنشر أعماله والتمكين لها لدى الأوساط الفنية وحتى لدى العامة، حاول محمود طالب جمع ما أمكن تجميعه من مال ووضعه رهن إشارة فنه، حيث قام بتخصيص مبلغ 2 مليون دينار جزائري (أكثر من 16 ألف يورو) لترميم وتهيئة مرآب سيارته الذي يملكه داخل مسكنه وتحويله إلى صالة عرض لأعماله. حول هذه الفكرة وكيف خطرت بباله، يقول محمود طالب: "بسبب عدم وجود صالات عرض خاصة بالفنون التشكيلية بولاية وهران، فكرتُ في استحداث واحدة خاصة بي لعرض أعمالي، وهذا ما جنّبني معاناة التنقُّل حاملاً لوحاتي إلى العاصمة الجزائر لعرضها بصالاتها، وقد افتتحتُ هذه الصالة خلال شهر رمضان الفائت بحضور جمهور غفير لم يخفِ إعجابه بهذه المبادرة، وفي الحقيقة لم تكن تلك الصالة أو الرواق الفني قبل هذا التاريخ سوى مرآب سيارتي المتهالكة". ويعترفُ هذا الفنان بحضور الفنانين التشكيليين الجزائريين وقدرتهم على منافسة نظرائهم العالميين، لكنّه في الوقت نفسه يُقرُّ بعدم تواصلهم فيما بينهم، فهم يعيشون كـ"الجزر المعزولة" بسبب قلة ذات اليد التي يعيشُ تحت وطأتها الغالبية العظمى منهم. وإذا سألت محمود طالب عن إمكانية أن يعيش الفنان التشكيليُّ في الجزائر من عائدات فنّه، أجابك بـ "لا" النافية على الفور، لأنّ عملية تسويق الأعمال الفنية الجزائر تكاد تكون منعدمة، وحتى وإن تجشّمت مؤسسة أو إدارة من الإدارات عناء شراء لوحة من اللّوحات الفنية، فإنّها لا تدفع ثمنها لصاحبها إلا مع "طلوع روحه" بحسب تعبير هذا الفنان.