تحقيق الأمن الغذائي إنجاز جديد للسلطنة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢١/أغسطس/٢٠١٦ ٢٣:٣٨ م
تحقيق الأمن الغذائي إنجاز جديد للسلطنة

ناصر اليحمدي

لاشك أن غاية كل إنسان في هذه الحياة أن ينعم بالأمن على كافة مستوياته فيشعر أن وطنه آمن من الحروب والمجاعات والإفلاس وكل ما يهدد المجتمعات ويعكر عليها صفوها .. لذلك فإنه ليس مستغربا أن جعل المجتمع الدولي من توافر الغذاء قضية أمن قومي لأن من أسوأ ما يمر به البشر هو الجوع أو الشعور بالخوف من المستقبل على لقمة عيشه التي يجنيها هو وأولاده.
ولا يخفى على أحد التحديات التي تواجه قضية الغذاء حول العالم .. فالكوارث الطبيعية كالفيضانات والجفاف والتصحر وغيرها والتي تزايدت وتيرتها في السنوات الأخيرة بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري أثرت بشكل سلبي على كمية المحاصيل الغذائية .. كما أن الزحف العمراني اجتاح المناطق الزراعية إلى جانب عزوف الفلاحين عن الزراعة واتجاههم للوظائف المكتبية التي لا تكلفهم الكثير من الجهد بالإضافة إلى اتجاه كثير من الدول لزراعة محاصيل كوقود حيوي تستغل في إنتاج الطاقة ناهيك عن إهمال التعليم الزراعي وعدم الاهتمام به وتزايد عدد السكان بشكل ملحوظ والصراعات والحروب التي أجبرت المزارعين على ترك حقولهم وغير ذلك الكثير من العوامل والتحديات التي تواجه أية دولة لتوفير الاحتياطي الغذائي الذي يشعرها بالأمان على مستقبل أبنائها.
ولقد استشرفت قيادتنا الحكيمة أهمية توافر الغذاء في حياة الدول فنراها أولت هذه القضية اهتماما كبيرا وأخذت حكومتنا الرشيدة بتطوير الآليات التي تحقق الاكتفاء الذاتي وتوفر الأمن الغذائي فطورت وسائل وأدوات الزراعة بما يحقق أعلى كمية من المحاصيل ويستهلك أقل كمية من الماء وأدخلت أنواعا مهمة كزراعة القمح الذي تعتبر نقلة نوعية للقطاع الزراعي نظرا لما يمثله هذا النوع من الزراعات من أهمية اقتصادية وغذائية للبلاد كما اهتمت بالقطاع السمكي بالإضافة إلى الحرص على استيراد كل ما تحتاجه الأسواق وبما يشعر المواطن بتواجد غذائه في أي وقت.
لاشك أن التقرير الذي أعدته الهيئة العامة للمخازن والاحتياطي الغذائي بمشاركة مجلة الإيكونومست البريطانية المتخصصة وعدد من الجهات المعنية حول تقييم الأمن الغذائي بالسلطنة أثلج صدورنا جميعا وجعلنا ننام مرتاحين البال على مستقبل أبنائنا الغذائي .. فالأمن الغذائي يتحقق إذا تم توافر الغذاء وتوافرت القدرة على تحمل تكاليفه إلى جانب الجودة والسلامة وكلها عوامل والحمد لله تتوافر في السلطنة التي احتلت المستوى الثاني عربيا وخليجيا في الأمن الغذائي كما تم تصنيفها بين الدول ذات المقومات البيئية الأفضل المواتية لتحقيق هذا الأمن بجوار دول مثل أستراليا ونيوزيلاندا وكوريا الجنوبية والنرويج وسويسرا والولايات المتحدة الأمريكية.
لقد أكد التقرير أن السلطنة رغم اعتمادها على الاستيراد بشكل كبير بنسبة 60% من احتياجاتها الغذائية وتقلبات الأسعار إلا أنها آمنة غذائيا مشيرا إلى التقدم الملحوظ في استراتيجيات الأمن الغذائي التي أولتها الحكومة الرشيدة اهتماما كبيرا خاصة فيما يتعلق بالزراعة وتمويل قطاع الثروة السمكية ومستويات الإنتاج المحلي والبحث والتطوير وتحسين سلسلة التوريد وتشجيع الاستثمار الذي يعزز إمداد الأسواق بالمنتجات الغذائية بالإضافة إلى تصنيف السلطنة من ضمن أكثر الدول إنفاقا على الأبحاث الزراعية وغير ذلك.
إن السلطنة استطاعت تحقيق الاكتفاء الذاتي المحلي من الغذاء بما نسبته 41.3% وهي نسبة لا بأس بها وتعد إنجازا بالنسبة لدولة تواجه تحديات اهمها عدم وجود أراض قابلة للزراعة أو وجود مياه وفيرة صالحة للري.
المؤسف في التقرير هو تناوله للأمراض المعلقة بالغذاء مثل السمنة والسكري الذي أدرجت السلطنة ضمن الدول الأكثر انتشارا لهذا المرض في العالم وهذه الأمراض تفرض على الدولة تكثيف الوعي الاستهلاكي الغذائي بين المواطنين.
إن السياسة الحكيمة التي تسير عليها السلطنة لتوفير الأمن الغذائي للمواطنين يثمنها كل مواطن خاصة أن هناك الكثير من الدول يهددها الجوع

* * *

الانترنت يتفوق على الآباء في تربية الأبناء

كنت أقلب ذات يوم في حساب ابني المراهق على فيس بوك فوجدته قام بعمل مشاركة وإعجاب لبعض الفيديوهات التي تبث من وجهة نظري قيما سلبية في نفوس النشء فتعجبت كيف لشاب في سنه يعتبر مازال يحبو أولى خطواته نحو الحياة العملية أن يعجب بمثل هذه الفيديوهات التي لا تعبر عن طبيعة عمره ومبادئ مجتمعه.
بالطبع غضبت واستدعيت ابني المراهق وبسلطة الأب حاولت توجيهه وتوضيح ما قد تحمله الفيديوهات من تأثير سلبي على حياته وتصرفاته وحرصت على تعريفه بما يفضل البحث عنه ومشاركته والإعجاب به وما يجب تركه والابتعاد عنه وأنه يجب عليه الأخذ بنصائحي التي جاءت نتيجة خبرة سنين.
الغريب أن ابني استمع لي وهو يبتسم طوال الوقت وما أن فرغت من نصائحي حتى وجدته يقول لي إنني مخطئ فيما أقول وأنه لا يجب أن أقلق على جيله "جيل الانترنت" فهو يعلم الصواب من الخطأ وأن مثل هذه الفيديوهات يشارك فيها لكي يستقي منها خبرات السابقين في مواجهة الحياة فلا يكرر الأخطاء التي وقعوا فيها وأنه لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون الأشخاص السلبية فيها قدوة له .. ثم اختتم قوله بأن عصر صراع الأجيال لم يعد له وجود فنحن جميعا صرنا "جيل مواقع التواصل الاجتماعي" فهذه المواقع صارت تجمع كافة الأعمار وحولت العلاقة بين الأب وابنه أو الطالب وأستاذه إلى علاقة مشاركة.
لا أخفي عليكم أن كلمات ابني أصابتني بالصدمة والذهول وشردت وتساءلت في نفسي عن سلطة الآباء وهل اختفى دورهم في صياغة مستقبل أبنائهم ؟.. وهل تستطيع وسائل التواصل الاجتماعي توجيه أولادنا نحو الصواب دائما ؟.
للأسف لم يعد للأب الكلمة العليا في توجيه ابنه فهناك عدة وسائل شاركت الآباء في تربية أبنائهم مثل التليفزيون والانترنت وغيرها من وسائل التكنولوجيا التي منحت الأبناء مساحة كبيرة من المشاركة مع غيرهم من مرتادي هذه الوسائل من كافة الأعمار.
شيء جميل أن يقل الخلاف في الرأي الذي كنا نراه بين الأجيال المتباينة داخل الأسرة الواحدة فهذا الحراك يعد ظاهرة صحية ولكنها مقلقة في ذات الوقت وتثير التساؤل حول أهمية دور الآباء في حياة أبنائهم وعن الشعور بالخوف والاحترام والحب الذي يجب أن يسود العلاقة بين أولياء الأمور وأولادهم !.
لاشك أن اكتساب الأبناء الخبرة الحياتية من آبائهم أفضل بكثير من اكتسابها عبر الانترنت لما تتضمنه من سلوكيات مختلفة عن نمط الأسرة فتخلق أجيالا غريبة على مجتمعاتها ففي الوقت الذي تحرص فيه كل أسرة على عاداتها وقيمها تفاجأ بأخرى مختلفة اكتسبها الابن من على الانترنت.
إن التغيرات التي طرأت على المجتمعات العربية في السنوات الأخيرة أثرت على عادات المجتمع وتقاليده وغيرت من نظرته إلى القيم فصارت الأجيال الجديدة تنظر لأفكار الجيل القديم على أنها لا تلائم العصر ولا تواكب الحداثة متناسين أن القيم ثابتة عبر العصور ولا تتغير من عصر لآخر .. أما ما يحدث من تسخيف للقديم وتنكر للقيم سيدفع الأجيال الجديدة نحو تسطيح الحياة والافتقار إلى الجدية فيها.
لاشك أن الأجيال الجديدة في حاجة للتوعية بأهمية الاستفادة من القدوة العملية المتمثلة أمامهم في واقعهم المعاش كالأب والأم وليس في الواقع الافتراضي الذي قد لا يكون صادقا فيما يتناول ويعرض لأن الوسائل التكنولوجية الحديثة سهلت فبركة كل شيء .. والتمرد على القديم لا يجب أن يشمل القيم والأخلاق لأنه ساعتها سينفصل الأجيال عن مجتمعهم وهو ما سيفقده هويته وسمته الأصيلة.

* * *

مسك الختام

قال تعالى : "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا".