حصاد الضعف الأمريكي

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢١/أغسطس/٢٠١٦ ٢٣:٣٧ م
حصاد الضعف الأمريكي

تشارلز كروثامر

حلقت قاذفات روسية الاسبوع الفائت من القواعد الجوية الإيرانية لمهاجمة مواقع للمتمردين في سوريا، وتظاهرت وزارة الخارجية الأمريكية أن الأمر لم يكن مفاجئا لها، والحقيقة أنه يجب أن يكون كذلك، بل وأن تشعر بالذعر. فالنظام الثوري الوطني الإيراني لم يسمح لقوات أجنبية مطلقا بالانطلاق من أراضيه. والواقع أن إعادة ترتيب الشرق الأوسط يجري على قدم وساق. وفيما ظل التحالف بين الولايات المتحدة ومصر راسخا على امتداد 40 عاما، يأتي التحالف الروسي الايراني الآن ليرسم خط الأحداث، وهذا هو نتاج ثمان سنوات عجاف للسياسة الخارجية الأمريكية، وهو أيضا محصلة الاتفاق النووي مع ايران والانسحاب من العراق والجمود المطلق للدور الأمريكي في سوريا.
ففي ايران كان من المفترض أن يبدأ التقارب بين واشنطن وطهران على اثر اتفاق نووي، وبدلا من ذلك فقد عزز التحالف الاستراتيجي والعسكري بين موسكو وطهران. ومع رفع العقوبات وتطبيع علاقات إيران الدولية، هرعت روسيا بصفقات كبرى، بما في ذلك شحن صواريخ S-300 أرض-جو. ويأتي استخدام روسيا الأخير للقواعد الإيرانية ليمثل مستوى جديد الآن من التعاون والشراكة.
وفي العراق يشهد المجال الجوي عمليات قصف لم تكن تحدث قبل انسحاب أوباما من العراق. والفراغ الناتج لم يوفر وحسب ممرا للقصف الروسي بل سمح للعراق ما بعد صدام حسين بالانزلاق الى الفلك الايراني. ووفقا لمتحدث باسم الجيش الاميركي في بغداد فهناك 100 ألف من المقاتلين يعملون داخل العراق، 80 في المئة منهم مدعومون من إيران.
وفي سوريا عندما تدخلت روسيا بشكل كبير العام الفائت لتقيم قواعد جوية وتطلق حملة القصف ، وقف أوباما مكتوف الأيدي، وراح يتنبأ بشكل متعجرف أن فلاديمير بوتين قد دخل مستنقع. والواقع أن نظام بشار الأسد لم يتم إنقاذه وحسب بل قام بمحاصرة حلب وأصبح له اليد العليا في الحرب الأهلية، بينما يحاول وزير الخارجية الأمريكي أن يدعو الى سلام بصورة مثيرة للشفقة، ويعرض تبادل المعلومات الاستخباراتية وإضفاء الشرعية على التدخل الروسي على شرط أن يقدم بوتين وعدا بتحقيق انتصار لطيف.
ولنتأمل ما حققه بوتين الذي انطلق بيد ضعيفة لامبراطورية متداعية واقتصاد يرزح تحت حالة من الضعف والتخلف وجيش عتيق، إلا أنه استطاع أن يستعيد لروسيا قوة لا يستهان بها. وفي أوروبا أعاد بوتين من جانب واحد رسم الخريطة بضم شبه جزيرة القرم، وها هم الأوروبيون حريصون على انهاء بعض العقوبات التي فرضوها على مضض على روسيا في حين ان اغتصاب شرق أوكرانيا لا يزال مستمرا.
وبعد أن لقي عشرة آلاف حتفهم بالفعل، يهدد بوتين بحرب أكثر انفتاحا، تحت ذريعة سخيفة وهي الإرهاب الأوكراني في شبه جزيرة القرم (وهو ما يذكرنا بإدعاء هتلر أنه غزا بولندا ردا على توغل على الحدود البولندية)، وراح بوتين يهدد بالانتقام وحشد القوات في ثمانية مواقع على الحدود الأوكرانية، وأصدر أوامرا بإجراء مناورات بحرية في البحر الأسود وقام بنقل بطاريات صواريخ متقدمة مضادة للطائرات في شبه جزيرة القرم، ومنح موسكو سيطرة على جزء كبير من المجال الجوي الأوكراني.
ولماذا لا يفعل ذلك؟ إنه يدفع بابا مفتوحا في الاساس، فأوباما ما يزال يرفض إرسال أسلحة حتى دفاعية الى أوكرانيا، ورد الخارجية الأمريكية على هذه الاستفزازات أنها تحث الجانبين على ممارسة ضبط النفس (كلا الجانبين!) وفي صورة أخرى من التباهي على التوسع الحديث ستقوم روسيا بإجراء مناورات بحرية مشتركة مع الصين في بحر الصين الجنوبي، في دعم واضح لمطالبات بكين الإقليمية وقواعد عسكرية غير قانونية.
بيد أن أوباما يظهر بعض القلق، وأعتقد أن فهم تلك البديهيات في الجغرافيا والسياسة لا يحتاج الى كثير من الذكاء، ولكنه ببساطة لا يهتم، ويرجع ذلك جزئيا الى أن أولوياته محلية، ومن جانب آخر أن واشنطن تفتقد اليد النظيفة ومن ثم لا تملك الموقف الأخلاقي للاستمرار في لعب دور الحكم الدولي. كما أن أوباما على قناعة أن ذلك لا يهم على المدى الطويل، فالتقلبات في علاقات القوة العظمى زائلة بطبيعتها وهذا هو ما أعلنه في خطبه منذ السنة الأولى من ولايته، وها نحن نرى النتيجة: أوكرانيا تقطعت أوصالها وأوروبا الشرقية على حافة الهاوية وسوريا مقبرة كبيرة وايران تضع يدها على العراق، بينما روسيا وايران في طريقهما عبر شمال الشرق الأوسط بأكمله.
وفي قلب هذا الاضطراب ثمة مفارقة بسيطة في وجهات النظر، فالقوى الجديدة (الصين وروسيا وإيران) تعرف ما تريد: السلطة والأرض والمكانة، أما أوباما فيؤثر ترديد مقولة أن هذا باطل. وبالطبع في عالم المدينة الفاضلة هذا باطل، أما ما يحدث هنا على الأرض من حلب الى دونيتسك، ومن استونيا إلى جزر سبراتلي فهو أمر مختلف تماما.

كاتب مقال رأي أسبوعي بصحيفة واشنطن بوست