أ.د. حسني نصر
ربما قد قرأت مثلي الخبر الذي نشرته بعض الصحف المحلية في السلطنة صباح الخميس الفائت عن الملتقى السنوي الخامس لمجموعة الجيل الجديد، والمنبثقة من الجمعية العمانية البريطانية، والذي عقد في كامبرديج في الفترة من 28-30 يوليو الفائت . ومع أهمية الجمعية والمجموعة المنبثقة منها، وأهمية الملتقي، وأهمية الموضوع الذي ناقشه وهو "دور الإعلام في دعم التنوع الاقتصادي في السلطنة"، يصبح من الضروري إلقاء مزيد من الضوء على هذا الملتقي خاصة انه ناقش واحدة من اهم قضايا الساعة في السلطنة وهي قضية التنوع الاقتصادي.
الجمعية العمانية البريطانية كما جاء في الفقرة الأخيرة من الخبر تم إنشاؤها تحت الرعاية السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه-في يناير عام 1976؛ وتهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية ودعم الروابط التاريخية المشتركة بين سلطنة عمان والمملكة المتحدة. وقد احتفلت الجمعية في نهاية يناير الفائت بذكرى مرور أربعين عاما على تأسيسها، وذلك بحفل استقبال رفيع المستوى أقيم في قصر لانكاستر هاوس بلندن شارك فيه بتكليف سامٍ من حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـــ حفظه الله ورعاه ـــ صاحب السمو السيد شهاب بن طارق آل سعيد، وحضره صاحب السمو الملكي الأمير تشارلز أمير ويلز، وهذا من شأنه أن يجعل الجمعية محط اهتمام وسائل الإعلام المحلية بالنظر إلى الرعاية السامية لإنشائها، وتاريخها الطويل، وأهمية الدور الذي تقوم به. وفي إطار الجمعية تأسست المجموعة التي نظمت الملتقي وهي مجموعة أطلق عليها "الجيل الجديد". ومن اسمها يتضح أن المجموعة تعني بجمع الشباب في البلدين الصديقين وتعزيز التواصل الهادف بينهم. وقد بدأت المجموعة عملها رسميًّا في العام 2011، وعقدت قبل هذا الملتقي أربعة ملتقيات آخرها كان في يناير من العام الفائت في مسقط تحت عنوان "عمان: البوابة إلى آسيا" شارك فيه عدد كبير من الشباب ومن كبار الشخصيات من السلطنة وبريطانيا. وتنظم المجموعة سلسلة من المحاضرات الاستراتيجية تستهدف تمكين الشباب من التواصل مع شخصيات بارزة في قطاعي الأعمال والحكومي، وصقل تجاربهم الشخصية في بيئة العمل. ويترأس المجموعة من الجانب العماني الشيخ معن بن حمد الرواحي، ومن الجانب البريطاني أوليفر بليك. أما الملتقي المشار اليه فهو واحد من أنشطة المجموعة والجمعية التي تشمل إقامة ندوات ولقاءات دورية على مدار السنة، تعمل على تقوية أواصر الصداقة التاريخية بين سلطنة عمان وبريطانيا، ونقلها إلى الأجيال الشابة.
اختارت المجموعة لملتقاها الخامس موضوعا لا يختلف أحد على أهميته في هذا التوقيت، فالتحول الاقتصادي الذي يطرق أبواب الدول النفطية ومنها عُمان يحتاج إلى استراتيجية إعلامية واضحة المعالم، تستند إلى بحث وتحليل دور وسائل الإعلام التقليدية والجديدة في تعزيز التوجهات الحكومية نحو التنويع الاقتصادي وخدمة قضايا التنمية المرتبطة بالانتقال إلى اقتصاد متعدد الموارد. ويمكن القول إن موضوع الملتقي كان يستحق اهتماما إعلاميا أكبر، كونه يتناول دور الإعلام في واحدة من اهم القضايا التي تشغل اهتمام الحكومة وقطاع عريض من الناس هذه الأيام، وهي قضية التنوع الاقتصادي، التي أصبح التعاطي معها مطلبا ملحا في ظل انخفاض عائدات النفط، وحجزت لها مكانا متقدما في أجندة الاهتمامات العامة، واحتلت مساحات واسعة في حديث المجالس ووسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.
كنا نتمنى أن يتضمن الخبر تفاصيل عما تم طرحه من أفكار ورؤي في هذا الملتقي حول دور الإعلام المتوقع والفعلي في إحداث التنوع الاقتصادي، خاصة وانه تضمن عدة محاضرات عن السياسات والحلول الفعالة في الاتصال الحكومي، وتحديات الاتصال في بيئة إعلامية متعددة القنوات والتواصل والإعلام في الشركات متعددة الجنسيات، شارك فيها المدير التنفيذي للاتصال الحكومي بالمملكة المتحدة، ونائب رئيس الاتصالات والشؤون الخارجية بشركة النفط البريطانية في الشرق الأوسط، والمدير السابق لشبكة بي.بي.سي مونترنج، التابعة لهيئة الإذاعة البريطانية والمتخصصة في متابعة وسائل الإعلام في اكثر من 150 دولة في العالم. المفاجأة أن الخبر كاد يخلو من التفاصيل المهمة باستثناء تصريح للشيخ معن الرواحي أشاد فيه بالنقاشات البناءة التي شهدها الملتقي والتي أسهمت في تحفيز المشاركين للعمل الجاد، وأسفرت عن تقديم عدد من التوصيات المتعلقة بالسياسة العامة، والتي سنقوم بتعميمها على الأطراف المعنية وشركائنا في القطاعين العام الخاص في السلطنة.
كنا نأمل أن يتسع الخبر لتقديم أبرز ما قدمه المشاركون سواء المحاضرين او الحضور من كبار المستشارين السياسيين والتجاريين والأكاديميين، وكذلك لذكر بعض التوصيات المهمة التي خرجوا بها، حتى نعرف كيف يمكن تعزيز دور الإعلام في أحداث التنوع الاقتصادي المرجو، وما الوظائف المطلوب من وسائل الإعلام القيام بها في هذا المجال، والمعوقات التي قد تمنعها من المساهمة بفعالية في نشر ثقافة التنويع الاقتصادي، وتوعية المواطنين بأهمية التفاعل مع خطط الدولة لتنويع مصادر الدخل. لقد أصبح الإعلام لاعبا رئيسيا في جميع مجالات الحياة لا يمكن تجاهل تأثيره المباشر وغير المباشر، قصير المدي وطويل المدي، على الجمهور، خاصة في فترات التحول الاقتصادي وفي إدارة الأزمات.
ولعل هذا ما يدفع الدول الكبرى مثل المملكة المتحدة إلى الاهتمام الكبير بالاتصال الحكومي باعتباره حلقة الوصل بين الحكومة وبين المواطنين، يحمل رسائل الحكومة ويقدمها للناس، ويعكس في الوقت نفسه هموم وتطلعات الناس ويصل بها إلى الحكومة. وقد تزايدت أهمية الإعلام في هذا العصر مع تعدد وتنوع قنوات الاتصال الشخصي والجماهيري سواء من خلال وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحف ومحطات الإذاعة والتلفزيون او من خلال وسائل الإعلام الجديدة مثل المواقع الإليكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية، ولذلك فان أي حديث عن دور الإعلام في أزمة أسعار النفط وما ترتب عليها من خطط جديدة لتنويع الأنشطة الاقتصادية يجب أن يصل مفصلا إلي المعنيين حتى يستطيعوا تعظيم الاستفادة من البرامج الإعلامية التي تم وضعها لتحقيق اتصال جماهيري فاعل وقادر علي إحداث الفارق وحشد التأييد الشعبي لخطط التنويع الاقتصادي.
أكاديمي في جامعة السلطان قابوس