الاستثمار في المشروعات العامة

بلادنا الأحد ٢١/أغسطس/٢٠١٦ ٢٣:٣٦ م
الاستثمار في المشروعات العامة

بول كروجمان

ربما لا تزال هناك ثلاثة أشهر ثقيلة متبقية في عمر حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية إلا أن آخر التوقعات وفقا لنيويورك تايمز تشير الى تزايد احتمالات فوز هيلاري كلينتون بنسبة 83 في المائة. فماذا عليها إذا أن تقوم به لتعزيز الاقتصاد الأمريكي الذي – رغما عن أدائه الذي يفوق معظم الاقتصادات في أنحاء العالم – ما يزال أقل مما يجب أن يكون عليه؟
هناك بالطبع العديد من السبل التي يمكن بها تحسين سياستنا الاقتصادية، ولكن أهم ما نحتاجه زيادة جوهرية في الاستثمار العام في كل شيء من الطاقة إلى النقل إلى معالجة مياه الصرف الصحي. ولكن كيف يمكن توفير التمويل لهذا الاستثمار؟ لا يلزمنا ذلك سواء الآن أو في المستقبل القريب، والوقت الآن مناسب للمزيد من الاقتراض الحكومي.
وربما يكون من الأفضل توضيح هذه النقطة قبل استعراض بعض الاعتراضات المعتادة. أولا لدينا احتياجات ملحة وواضحة للاستثمار العام في العديد من المجالات، ففي واشنطن تقادم عمر قطارات الأنفاق وأصبحت في حالة سيئة قد تستدعي اغلاق خطوط كاملة للصيانة، كما أن هناك العديد من النماذج الأخرى في أنحاء الولايات المتحدة والتي تتطلب استثمارات ملحة في مشروعات عامة.
ومن ثم فزيادة الاستثمار في البنية التحتية من شأنه أن يجعلنا أكثر ثراء، وفي الوقت نفسه يمكن للحكومة الاتحادية الاقتراض بأسعار فائدة منخفضة للغاية، حيث وصلت السندات المحمية من التضخم لمدة 10 سنوات الى 0.09 في المائة مؤخرا.
وبوضع هاتين الحقيقتين معا وهما الاحتياجات الكبيرة للاستثمار العام وأسعار الفائدة المنخفضة للغاية، يتضح ليس فقط أننا يجب أن نقترض للاستثمار، ولكن أيضا أن هذا الاستثمار سوف يسدد نفسه من الجانب المالي البحت. كيف ذلك؟ عندما ننفق أكثر الآن فإن ذلك يعني اقتصادا أكبر في وقت لاحق، وهو ما يعني المزيد من العائدات الضريبية، وهذه الإيرادات إضافية من المحتمل أنها ستكون أكبر من أي ارتفاع في مدفوعات الفائدة في المستقبل. بل إن هذا التحليل لا يشمل حتى الدور المحتمل للاستثمار العام في توفير فرص العمل. ورغما عن انخفاض معدلات البطالة إلا أن الاقتصاد الأمريكي ما يزال بعيدا عن توفير فرص عمل للجميع. فلماذا لا نقترض للاستثمار؟
هاكم بعض الاعتراضات المعتادة والرد عليها. يقولون لا يمكن أن تقترض لأننا علينا بالفعل الكثير من الديون. والأشخاص الذين يقولون هذا عادة يميلون الى ذكر أرقام كبيرة، أن الدين الأمريكي وصل الى 19 تريليون دولار، والواقع فإن كل شئ يتعلق بالاقتصاد الأمريكي ضخم ، وما يهم هو المقارنة بين كلفة خدمة الدين وقدرتنا على السداد. فمدفوعات الفائدة الفيدرالية هي فقط 1.3 فى المائة من الناتج المحلي الاجمالي، وهي معايير منخفضا تاريخيا.
وثمة اعتراض يقول أن تكاليف الاقتراض قد تكون منخفضة الآن، ولكنها قد ترتفع. نعم ممكن ذلك، لكننا نتحدث عن الاقتراض طويل الأجل بمعدلات اليوم المنخفضة. وإذا كانت 10 سنوات ليست بالمدة الطويلة، ماذا عن السندات 30 عاما المحمية من التضخم بفائدة 0.64 في المئة فقط؟
ومن الاعتراضات الأخرى أن الحكومة لا تستطيع أن تفعل أي شيء صحيح. والواقع أن عظمة الولايات المتحدة قامت في جزء كبير منها من خلال الاستثمارات الحكومية أو الاستثمارات الخاصة التي ساندها الدعم العام. وهناك على سبيل المثال ترويج إدارة أوباما لطاقة الرياح والطاقة الشمسية الذي أثبت نجاحا كبيرا، مع مضاعفة الانتاج أربع مرات منذ عام 2008.
ويظل التخوف الحقيقي أنه حتى لو فازت هيلاري كلينتون، فانها قد تواجه أيضا نفس النوع من معارضة الأرض المحروقة التي يمارسها الجمهوريون ضد الرئيس أوباما منذ اليوم الأول. ومن ثم ليس المهم من يفوز في نوفمبر القادم ولكن كم نسبة الفوز. والمؤكد أن تأمين الديمقراطيين فوزا كبيرا سيساعد في منح كلينتون قدرة على التصرف. وفيما تظل السياسة غير مؤكدة، فإن الحقيقة الواضحة أن هناك شئ يجب أن نفعله، وقد حان الوقت للحكومة الفيدرالية أن تقترض وتستثمر.

كاتب مقال رأي متخصص في الشأن الاقتصادي بصحيفة نيويورك تايمز