التقشف يطبع المرحلة المقبلة من اقتصادات العالم

مؤشر الأحد ٢١/أغسطس/٢٠١٦ ٢١:٣١ م
التقشف يطبع المرحلة المقبلة من اقتصادات العالم

مسقط-ش
بعد الأزمة الاقتصادية التي تصيب العالم نتيجة انخفاض أسعار النفط العالمية في بعض الدول وبسبب وعدم الاستقرار الأمني والسياسي في دول أخرى تجد بعض الحكومات نفسها مضطرة لسلوك خطط التقشف وتخفيض الدعم عن الكثير من المنتجات.

نماذج خليجية
وكانت السلطنة من أولى الدول العربية التي أعلنت نيتها خفض الإنفاق الحكومي في موازنتها الجديدة بما يتماشى مع الخطة الخمسية التاسعة التي أقرت مطلع هذا العام.
وبدأت السلطنة فعلياً بعمليات رفع الدعم عن الوقود وتدرس خططاً كثيراً لترشيد الإنفاق في الإدارات العام والمصاريف الوزارية، لتتمكن من تقليص العجز في الدولة النالج عن الانخفاض الكبير بأسعار النفط. كما وضعت السلطنة خطة واعدة لتنمية الاقتصادات البديلة من النفط وتنويع الاقتصاد الوطني ودعم القطاعات المنتجة غير النفطية.
ونتيجة للأوضاع الاقتصادية الطارئة وضعت المملكة العربية السعودية خطة 2030 التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليص الاعتماد على النفط،واعلنت المملكة أنها ستمولبعض عناصر خطتها الخمسية للإصلاح الاقتصادي والبالغ قيمتها 72 بليون دولار من خلال تحقيق وفورات عن طريق رفع الكفاءة وخفض الإنفاق على مشروعات قائمة. ويتعبر التقشف من خلال خفض النفقات وترشيدها من الأعمدة الاساسية للخطة الجديدة.
وبدورها أعلنت البحرين عن إجراءات تقشف غير مسبوقة في الموازنة العامة للدولة للسنتين الماليتين 2015 و2016 وتم تقدير العجز في الموازنتين بنحو 8 بلايين دولار، بعد أن تم تقدير المصروفات الإجمالية للدولة في الموازنتين بنحو 19.37 بليون دولار، في وقت بلغت فيه تقديرات الإيرادات الإجمالية في تلك السنتين الماليتين بنحو 11.37 بليون دولار.
وتتجه الدول العربية نحو فرض ضريبة على تالقيمة المضافة التي تم الاتفاق عليها مسبقاً ولم تحدد الفترة بعد لبدء تنفيذ الضريبة لكن من المرجح أن تبدأ خلال سنتين على الأكثر.

التجربة المصرية
وبعد أن عانوا من الاضطراب السياسي والاقتصادي منذ انتفاضة العام 2011 يستعد المصريون لحقبة جديدة من التقشف والإصلاحات الاقتصادية المزمعة جزء من برنامج لخفض العجز في الموازنة وإعادة التوازن لأسواق العملة وهي إجراءات وعدت بها مصر صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار على ثلاث سنوات.
لكن ثمة المعارضة لإجراءات تنطوي على خفض الدعم وتخفيض قيمة العملة وفرض ضرائب جديدة بينما يعتمد عشرات الملايين على الدعم الحكومي للسلع الغذائية تعني أن البرنامج صعب التنفيذ.
ويقول خبراء اقتصاديون إن ثمن الفشل باهظ. فعجز الموازنة يقترب من عشرة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي أما التضخم فقد وصل إلى 14 في المئة. كما أضر نقص العملة الأجنبية بالاستيراد.
ولا يستطيع المستثمرون الأجانب تحويل أرباحهم إلى الخارج والبعض يصفون أعمالهم بسبب القيود التي فرضت على رأس المال والاستيراد في الأشهر الثمانية عشر الماضية.
ولا تستطيع الشركات توفير ما يكفي من العملة الصعبة لاستيراد المكونات أو تحمل الفرق بين السعر الرسمي للدولار وسعره في السوق السوداء الذي يتجاوز 40 في المئة. أصبح الحديث الآن عن مجرد البقاء وليس النمو.
وقال أنجوس بلير المدير بشركة فاروس القابضة "من الواضح جدا أن الظروف دفعت مصر دفعا نحو طلب دعم صندوق النقد الدولي ... وسيتعين على مصر إجراء تغييرات لضمان تنفيذ الخطة التي قدمتها لصندوق النقد."
وأضاف "النظام في مصر بشكل عام بطيء ... وهذا برنامج إصلاحي يدعو لتحرك سريع وجرأة خاصة لأن من بين تداعياته زيادة التضخم."

رؤية تاريخية
وقد أحجمت الحكومات المتعاقبة عن خفض الدعم بعد أن رفع الرئيس السابق أنور السادات عن الطحين "الدقيق" والأرز وزيت الطهي عام 1977 ضمن محاولة للحصول على تمويل بدعم من صندوق النقد الدولي.
وتفاوضت مصر على اتفاقين مع الصندوق لكنهما لم يتما ويشمل ذلك قرضا قيمته 4.8 مليار دولار جرت الموافقة عليه مبدئيا عام 2012. وفي ضوء إحجام صناع القرار السياسي عن تطبيق الإصلاحات من قبل، يبدو أن المستثمرين يتريثون في العودة إلى مصر.
وقال كريس جارفيز رئيس بعثة صندوق النقد الدولي في مصر إن هذين الاتفاقين فشلا نتيجة الافتقار للإرادة السياسية على مستوى القيادة لتطبيق الإصلاحات. لكنه يرى أن الالتزام السياسي هذه المرة يبدو أقوى.وفي الأسبوع الفائت قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إنه لن يتردد ثانية واحدة في اتخاذ الخطوات الصعبة اللازمة لضمان أن تعيش مصر في حدود إمكانياتها.

لا مجال للاحتجاج

ارتفعت أسعار الكهرباء بنسبة 20 إلى 40 في المئة في مصر هذا الشهر في إطار برنامج مدته خمس سنوات سيشهد إلغاء دعم الطاقة تدريجيا. والدور الآن على خفض دعم البنزين. وأقر البرلمان إصلاحات تتعلق بالخدمة المدنية على الرغم تخفيفها إلى حد كبير. لكن منتقدين يقولون إن التغيير جاء متأخرا ولا يترك متنفسا يذكر. ويقولون إن مليارات الدولارات التي انهالت على مصر من حلفائها في الخليج في منتصف 2013 ضاعت سدى.
وقالت شركة في.تي.بي كابيتال في مذكرة للعملاء إن الدعم الخليجي كان ضرره أكثر من نفعه لأنه لم يكن مشروطا بتطبيق إصلاحات كما أتاح الفرصة لمصر للاستمرار دون حاجة ملحة لإجراء تغييرات جذرية في السياسة الاقتصادية." وأضافت "مصر لديها الآن نقطة انطلاق اقتصادية اجتماعية أضعف وتحتاج تعديلا أعمق ومن ثم أكثر إيلاما."

لا يمكن الانتظار لفترة أطول
أول اختبار للحكومة مشروع قانون يقترح ضريبة للقيمة المضافة بنسبة 14 بالمئة وتتم مناقشته في البرلمان لكنه يواجه معارضة من نواب يخشون من التضخم. وأدى التأخر في تطبيق ضريبة القيمة المضافة الجديدة بالفعل إلى تأجيل الشريحة الأولى من قرض بقيمة ثلاثة بلايين دولار من البنك الدولي. والشريحة الأولى التي تبلغ 2.5 بليون دولار من قرض صندوق النقد الدولي غير مرتبطة بإجراءات محددة لكن ذلك لا ينطبق على الشرائح التالية.
وثمة قضية رئيسية أخرى هي سياسة سعر الصرف. تعهدت مصر بسعر صرف أكثر مرونة لتخفيف حدة نقص العملة الصعبة والقضاء على السوق السوداء للدولار.
وستنطوي هذه الخطوة بالتأكيد على خفض ثان لقيمة العملة هذا العام مما يؤدي بدوره إلى زيادة التضخم لكن البنك المركزي يقول إنه يجب أن يزيد الاحتياطي الأجنبي أولا من 15.5 بليون دولار إلى 25 بليوناً ويتطلع للوصول إلى هذا الرقم بحلول نهاية العام.