بريخت والخروج البريطاني

مقالات رأي و تحليلات السبت ٢٠/أغسطس/٢٠١٦ ٢٢:٣٣ م
بريخت والخروج البريطاني

هاورد ديفيز

في أعقاب انتفاضة العمال عام 1953 في ألمانيا الشرقية، قال الكاتب المسرحي برتولت بريخت ساخرا: "إذا خسر الشعب ثقة الحكومة، فربما تجد الحكومة أنه من الأسهل أن تحل الشعب وتنتخب شعبا آخر". وهي المشاعر التي تلقى صدى لدى كثير من مواطني المملكة المتحدة اليوم، في أعقاب الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي في يونيو
في خضم حملة الاستفتاء، قال مايكل جوف، وزير العدل آنذاك وعضو بارز في حملة الخروج: "أعتقد أن الناس في هذا البلد نالوا كفايتهم من الخبراء المنتمين إلى مختلف أشكال المنظمات ذات الأسماء المختصرة، والذين كانت أحكامهم خاطئة على الدوام". كان جوف يقصد صندوق النقد الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وبورصة لندن، وسائر السحرة من أهل الاقتصاد الذين زعموا أن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يلحق الضرر بالاقتصاد البريطاني.
وللأسف، كان جوف على صواب ــ ليس حول ما قد يحدث للاقتصاد، بل بشأن عدم احترام الناخبين في المملكة المتحدة للخبرة الاقتصادية. فبرغم شبه الإجماع من قِبَل أهل مهنة الاقتصاد على وجهة نظر مفادها أن الخروج البريطاني من شأنه أن يدفع المملكة المتحدة إلى الركود ويخفض معدل نموها في الأمد البعيد، أنصت الناخبون إلى قلوبهم وليس محافظهم. وقد اتُهِمَت حملة "البقاء" باستخدام التحذيرات الاقتصادية لمحاولة تخويف الناخبين وحملهم على الخضوع.
زعم بعض المراقبين أن المسؤولية عن نتيجة الاستفتاء تقع على عاتق خبراء الاقتصاد أنفسهم، لأنهم كانوا غير قادرين على التحدث بلغة يفهمها الناس العاديون. كما استمعنا إلى اتهام مماثل موجه إلى المصرفيين وغيرهم من القائمين على التمويل، والذين كانوا غير مقنعين بنفس القدر بسبب النظرة الواسعة النطاق إلى الحجج التي يسوقونها على أنها نابعة من مصلحة ذاتية قطاعية ضيقة.
لا يخلو هذا الانتقاد من بعض الحقيقة بكل تأكيد، ولكن المشكلة لم تكن ببساطة اللغة المفرطة في التعقيد والمصطلحات غير المفهومة. فقد انطلق كل خبراء الاقتصاد من افتراض مفاده أن أداء المملكة المتحدة كان طيبا، مع نمو الناتج المحلي الإجمالي بمعدل أعلى كثيرا من المتوسط الأوروبي، وانخفاض معدل البطالة أيضا عن المعدل الأوروبي كثيرا. كان من الواضح بديهيا أن عضوية الاتحاد الأوروبي مفيدة لبريطانيا، خاصة وأننا تجنبنا الانضمام إلى اليورو ولم تقيدنا بالتالي العقد النقدية والمالية المصممة في بروكسل وفرانكفورت.
المشكلة أن هذه الصورة الوردية لم تخلف أي صدى لدى الناخبين خارج لندن وجنوب شرق إنجلترا، لأسباب عَرَضَها بوضوح شديد في خطاب حديث أندي هالدين كبير خبراء الاقتصاد في بنك إنجلترا.
يستشهد هالدين بالإحصاءات الوطنية التي تُظهِر أن الناتج المحلي البريطاني أعلى بنسبة 7% مما كان عليه في قمته التي بلغها قبل الأزمة، وأن تشغيل العمالة أعلى بنحو 6%، والثروة أكبر بنحو 30%. ولكنه يضيف أن الدخل الوطني للفرد لم يتغير. وقد ارتفعت الأجور الحقيقية المتوسطة (المعدلة تبعا للتضخم) بالفعل منذ عام 2005. كما ازداد عدد سكان المملكة المتحدة، جزئيا بسبب الهجرة.
كانت الزيادة المسجلة في الثروة راجعة في الأساس إلى الزيادات في أسعار العقارات في مناطق محبذة، وخاصة لندن، وفي قيمة معاشات التقاعد المهنية. وإذا لم تكن محظوظا بالقدر الكافي لكي تتملك عقارا في جنوب شرق إنجلترا، ولم تكن مسجلا ضمن مخطط معاش الراتب الأخير، فهذا يعني أن ثروتك أصبحت راكدة أو انخفضت. ويُظهِر التدهور الإقليمي لأرقام الناتج المحلي الإجمالي أن مناطق لندن وجنوب شرق إنجلترا هي الوحيدة في المملكة المتحدة حيث أصبح الناس أفضل حالا، في المتوسط، مقارنة بما كانوا عليه في عام 2009، عند أدنى مستويات الركود.
قد يكون من الصحيح أن الخروج البريطاني ربما يؤدي إلى تفاقم هذه التفاوتات. فإذا فُرِضَت الحواجز التجارية داخل أوروبا، واختارت الشركات أن تستثمر في مكان آخر بُغية الوصول إلى السوق الموحدة في أوروبا، فربما تختفي الوظائف الأدنى أجرا تماما في المناطق المحرومة، أو تزداد الأجور انخفاضا. ولكن هذا يبدو أشبه بحديث "الخبراء"، وأنصار حملة الخروج لديهم رد على ذلك: فخبراء الاقتصاد يخفضون من تصويرهم لإمكانات المملكة المتحدة لكي يثبتوا أن توقعاتهم الكئيبة القاتمة كانت صحيحة. وإذا لم يكن من الممكن الثقة في الخبراء قبل الاستفتاء، فمن المؤكد أنهم لا يستحقون هذه الثقة الآن.
رئيس مجلس إدارة رويال بنك أوف اسكتلندا.