«عمران» بعد «إيلان».. صرخات سورية لن يسمعها أحد

الحدث السبت ٢٠/أغسطس/٢٠١٦ ٠٣:٢٣ ص
«عمران» بعد «إيلان».. صرخات سورية لن يسمعها أحد

عواصم –
تصدرت صورة الطفل السوري عمران الذي أُنقذ من تحت الأنقاض الصفحات الأولى في معظم الصحف البريطانية الصادرة أمس الجمعة. البداية من الصفحة الرئيسية لصحيفة الغارديان ومقال لكريم شاهين من بيروت بعنوان «صورة طفل مصاب تصبح رمزا للرعب في سوريا».

ويقول شاهين إن عمران الطفل ذي الخمسة أعوام بدا ذاهلا وهو جالس على كرسي عربة الإسعاف برتقالي اللون، وكان يغطي وجهه بيده المغطاة بخليط من الدماء والتراب.

ويضيف أنه قبل ذلك بدقائق أنقذ الطفل من ركام منزله، الواقع في المنطقة الشرقية من حلب التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، ودمر في غارة للقوات الحكومية السورية. وقال مصطفى الصاروت الذي صور الفيديو الذي انتشر انتشارا واسعا للصحيفة «رأيت أطفالا كثيرين ينقذون وسط الأنقاض في الحرب، ولكن هذا الطفل ببراءته، لم يكن يدري ما يحدث». وأضاف «صورت الكثير من الهجمات الجوية في حلب، ولكن وجهه كان يحمل الكثير».

ذهول وصمت

وقال طبيب يدعى محمود، وهو جراح في حلب، كان يعنتني بعمران فور وصوله المستشفى ورفض أن يكشف اسمه الكامل للصحيفة، إنه فوجئ بدرجة الذهول التي أصابت الطفل: «كان خائفا ومصدوما. كان جالسا في أمان في المنزل. وربما كان نائما. وانهار البيت فوقه. عندما كنا نعالجه لم يكن يصرخ أو يبكي. كان ذاهلا فقط».
وتقول الصحيفة إنه بعد ساعات من إنقاذ عمران وأسرته، سمح الأطباء بخروج عمران من المستشفى، حيث لم تكن إصابته خطيرة، ولم تتعد بعض الكدمات. وتضيف أن أخته الكبرى وأخاه كانا معه في سيارة الإسعاف، ولم يصب والده أيضا بسوء رغم دمار منزلهم بالكامل في القصف.
وتواصل الصحيفة تغطيتها للأحداث في حلب في صفحتها الثانية، حيث نطالع شهادة الطبيب زاهر سهلول الذي عمل في حلب وكان شاهدا على الآثار المروعة للهجمات الجوية. ويقول سهلول إن الحوادث مثل تلك التي تركت عمران ذاهلا فزعا تكثر في حلب التي تعاني من القصف والحصار منذ وقت طويل.

ويقول سهلول إنه يحتفظ برسومات رسمها طفل في السابعة يعاني من الصدمة لطائرات مروحية تقصف المدينة ودماء ودمار، ولكن أكثر ما لفت انتباهه في رسوم الصغير هو أنه رسم الأطفال الموتى مبتسمين بينما رسم الأطفال الأحياء باكين.

ويقول سهلول أيضا إنه يحتفظ أيضاً بصور أول مريض له على الإطلاق في حلب وهو رضيع يدعى حمزة أطلق قناص تابع للقوات الحكومية الرصاص على رأسه فأصابه بإصابة بالغة في المخ، واضطر إلى إبلاغ أهله أنه توفي دماغياً.

ضجة إعلامية

أحدثت صورة الطفل السوري «عمران» من مدينة حلب السورية البالغ من العمر 5 سنوات، ضجة إعلامية كبيرة لدى الصحف العالمية، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وجميعهم تناقلوا صور الطفل بعنوان «الطفل الذي أحرج الإنسانية».
عمران البالغ من العمر 5 سنوات أبكى كثيرين ممن شاهدوه، فالصدمة التي تبدو على وجهه دون أن يبكي أو يصرخ تلخص المشهد في حلب التي تشهد معارك مستمرة ووضعاً إنسانياً دفع الأمم المتحدة أمس للتحذير من كارثة إنسانية لم يسبق لها مثيل قد تصيب المدينة إذا لم يتوقف القتال. وأكثر ما لفت أنتباه رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فيديو مذيعة قناة الـ CNN وهي تسرد خبر قصف أحياء مدينة حلب السورية، وقصة إنقاذ عمران الطفل السوري مع عائلته.

كما تداولت الصحف التركية الخبر بشكل واسع، وعنونت صفحاتها بإسم عمران، ومن بين الصحف التركية “صحيفة يني شفق”، و”يني عقد”، و»ملييت» و»صباح» وغيرهم من الصحف الأخرى، التي سلطت الضور على استمرار توافد الصور المؤلمة بسبب الحرب الدائرة في سوريا، والتي يتم فيها قصف المدنيين.

وكالة الـ CNN نقلت الخبر وعنونت «صورة الطفل عمران في حلب‬ تصدم العالم»، وقالت «يبدو الطفل الذي يغطي وجهه الغبار والدماء مصدوما مما حدث لدرجة انه لا يبكي ولا يصرخ على الرغم من انه مصاب في رأسه اصابة تبدو سطحية، مما كان نقطة نقاش العديد من وسائل الإعلام الذين وصفوا تعابير وجهه كرمز للأهوال التي تحدث في مدينة حلب بشكل يومي». صور يتم تداولها من قبل رواد مواقع التواصل الإجتماعي تعليقاً على حادثة إنقاذ الطفل عمران بعد قصف بيته تحت نظر العالم ومسمعه.

صورة مؤلمة

يجلس الطفل السوري عمران ذو السنوات الخمس - وهو نفس عمر الحرب السورية - داخل سيارة اسعاف مغطى بالغبار والدماء تسيل من وجهه، قبل ان يحدق مذهولا في عدسة المصور محمود رسلان، بعد دقائق على انقاذه من غارة استهدفت منزله في مدينة حلب.

ويقول رسلان (27 عاما) لوكالة فرانس برس عبر الهاتف من بيروت «التقطت العديد من صور الأطفال القتلى أو الجرحى جراء الغارات اليومية» التي تستهدف الأحياء تحت سيطرة الفصائل في حلب ويضيف «في العادة يفقدون وعيهم او يصرخون لكن عمران كان يجلس صامتا. يحدق مذهولا كما لو انه لم يفهم أبدا ما حل به».

وغزت الصورة التي توثق هذه اللحظة المأسوية مواقع التواصل الاجتماعي الخميس، إلى جانب مقاطع فيديو نشرها مركز حلب الإعلامي الموالي للمعارضة، تظهر عمران وهو يجلس على مقعد داخل سيارة اسعاف. الغبار يغطي جسده والدماء على وجهه. يبدو مذهولا ولا ينطق بكلمة. يمسح الدماء عن جبينه بيده الصغيرة ثم يعاينها بهدوء ويمسحها بالمقعد من دون أن يبدي أي ردة فعل.

ويعتبر رسلان ان الطفل «يلخص معاناة الاطفال في حلب الذين يتعرضون يوميا للقصف حتى وهم داخل منازلهم».
وكان المصور الفوتوغرافي قريبا من حي القاطرجي، حيث يقطن عمران مع عائلته في الطابق الاول من احد المباني، حين تعرض لغارة جوية.
وتتعرض الاحياء الشرقية تحت سيطرة الفصائل في حلب لغارات جوية ادت الى بمقتل المئات منذ العام 2012، تاريخ انقسام المدينة بين احياء شرقية واخرى غربية تحت سيطرة قوات النظام. وترد الفصائل بقصف الاحياء الغربية بالقذائف موقعة عددا كبيرا من القتلى.
ويوضح المصور «كانت الساعة قرابة السابعة والربع (16:15 ت غ) حين سمعت دوي غارة وتوجهت فورا إلى مكان القصف» مضيفا «كان الظلام قد حل لكنني رايت مبنى تدمر بالكامل وقربه مبنى اخر مدمر جزئيا» في اشارة الى المبنى حيث منزل عائلة عمران.
ويروي «كان علينا تخطي ثلاث جثث مع مسعفي الدفاع المدني قبل دخول المبنى (...) اردنا الصعود الى الطابق الاول لكن الدرج انهار تماما».
وازاء ذلك، اضطروا للتوجه الى مبنى ملاصق «وسحب افراد عائلة عمران الواحد تلو الاخر من شرفة لشرفة».
انتشل المسعفون في بادئ الامر عمران ثم شقيقه (5 سنوات) وشقيقتيه (8 و11 عاما) وبعدها الاب والام وجميعهم احياء.

حائط غرفته انهار فوقه

ويتابع رسلان الذي يظهر وهو يلتقط الصور في شريط فيديو مركز حلب الاعلامي «عندما وضعوا عمران داخل سيارة الاسعاف، كانت الانارة جيدة واستطعت التقاط الصور». ويوضح ان الطفل كان «تحت هول الصدمة لان حائط الغرفة انهار عليه وعلى عائلته» لافتا الى ان والده وبعد انقاذه رفض التقاط الصور او الكشف عن شهرة العائلة. وبحسب رسلان، فإن «هذا الطفل كما سائر اطفال سوريا هم رمز للبراءة ولا علاقة لهم بالحرب».
من جهتها، اعتبرت واشنطن أن عمران يمثل «الوجه الحقيقي للحرب».
وقال المتحدث باسم الخارجية جون كيربي «يبلغ من العمر خمس سنوات تقريبا. هذا الفتى الصغير لم يعرف يوما في حياته إلا الحرب، والموت والدمار والفقر في بلاده».
وتعيد صورة عمران الى الاذهان لناحية رمزيتها صورة الطفل ايلان الكردي اللاجئ السوري ذي الأعوام الثلاثة، الذي جرفته المياه بعد غرقه الى احد الشواطئ التركية في سبتمبر. وتحولت صورته رمزا لمعاناة اللاجئين السوريين الهاربين في زوارق الموت باتجاه اوروبا.
وتشهد سوريا نزاعا داميا بدأ في مارس 2011 بحركة احتجاج سلمية ضد النظام، تطورت لاحقا الى نزاع متشعب الاطراف، اسفر عن مقتل اكثر من 290 الف شخص وتسبب بدمار هائل في البنى التحتية وتشريد اكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.