عشرون عاماً بين الخريف الأنشط والأضعف في سجلات الأرصاد

بلادنا الأربعاء ١٧/أغسطس/٢٠١٦ ٢٣:٢٢ م
عشرون عاماً بين الخريف الأنشط والأضعف في سجلات الأرصاد

صلالة - حمدة بنت علي البلوشية

تعد ظاهرة الخريف (الرياح الموسمية) ظاهرة فريدة من نوعها في السلطنة تتأثر بها المناطق الساحلية والجبال المجاورة لمحافظة ظفار، بحسب حديث مدير دائرة خدمات الأرصاد بالهيئة العامة للطيران المدني - مطار صلالة د. خالد بن أحمد النجار.

وقال د. النجار لـ «الشبيبة» إن المناطق الممتدة من ضلكوت غرباً وحتى مرباط شرقاً في محافظة ظفار تتأثر بهذه الظاهرة التي يطلق عليها أيضا اسم «MONSOON» وهي كلمة أصلها عربي وتعني «موسم» أو «مواسم».

وأشار النجار إلى أنه وجد من خلال بحث قام به عن أشهر الأنواء المناخية التي وقعت في محافظة ظفار أن هناك 4 أنواء مناخية تعرضت لها المحافظة هي: سنة الغريقة، وسنة الحيمر، وعاصفة 2002، وحالة مدارية في مايو 1963م

سنة الغريقة

وبين النجار أن اسم «سنة الغريقة» يعزى إلى العام الذي وقعت فيه كارثة بسبب الأنواء المناخية التي أصابت محافظة ظفار في 23 مايو 1959م، وتكمن أهمية هذه الحالة الجوية، المتمثلة بإعصار مداري، في عدد الضحايا الذين سببه دخول الإعصار إلى محافظة ظفار.
وقال: في ذات الوقت بدأت سفينة «الفوز» بالإبحار من قبالة شاطئ مدينة صلالة باتجاه مسقط في أول رحلة لها في 23 مايو 1959م وكان على متنها نحو 200 مسافر من مختلف أطياف وأبناء محافظة ظفار الذين سافروا طلبا للرزق في ذلك الوقت.
وأشار إلى أنه بحسب روايات من عاشوا تلك المحنة فإن ربان السفينة أصر على الإبحار بالرغم من تقلب الطقس وتدفق الغيوم حينها، وبعد المغادرة بساعات هطلت الأمطار على مدنية صلالة ووصفت بالقوية جدا والمصحوبة برياح شديدة السرعة، وصادفت سفينة الفوز الإعصار في عرض البحر بعد أن قرر ربان السفينة التوجه بها بعيدا عن الساحل إلى عمق البحر بدلاً من اللجوء إلى اليابسة، ظنا منه أن فرصة النجاة أكبر، وأن يتجنب تحطم السفينة الجديدة على الصخور الجبلية المحاذية للشاطئ، ونظرا لتوجه السفينة إلى النصف الخطر من دائرة الإعصار فغرقت السفينة وتوفي كل من عليها وتسببت هذه الحادثة بحزن عميق في نفوس أهالي ظفار عامة وبقيت هذه الكارثة راسخة في أذهان الأجيال فسمي ذلك العام بسنة الغريقة. كما غرقت سفينتي سمحة و النايف لأهالي ولاية صور بسبب الإعصار نفسه، حيث نجت سفينة النايف ومن عليها بينما غرقت سفينة سمحة وجميع ركابها والذي قد يصل عددهم إلى حوالي 300 شخص، وأيضا تسببت الحادثة بحزن أهالي ولاية صور، وبلغت كميات هطول الأمطار في سنة الغريقة حسب سجلات الأرصاد القديمة 120.6 مم.

سنة الحيمر

أما عن سنة الحيمر، فيقول د.خالد النجار إنها السنة التي وقعت فيها العاصفة المدارية بتاريخ 23 أكتوبر عام 1948 وسميت بالحيمر نسبة إلى نجم الحيمر تبعا للحسابات الفلكية المحلية.
وأضاف: قبل وصول العاصفة إلى اليابسة سبقتها رياح شمالية شديدة محملة بالغبار فحولت لون السماء إلى اللون الأحمر، وهطلت بعدها أمطار شديدة الغزارة مصحوبة برياح شديدة السرعة، استمرت مدتها ما يقارب 3 أيام ونتج عنها فيضانات قوية جارفة، وجرف المواشي واقتلاع الأشجار وتلف المحاصيل بالإضافة إلى انهيار المساكن وحدوث انزلاقات أرضية في المرتفعات الجبلية، أما في المدينة فقد اضطر الأهالي إلى استخدام القوارب للتنقل لارتفاع منسوب الفيضانات. وما زالت هذه الحالة الجوية راسخة في ذاكرة من عاشوها أو سمعوا عنها، وبلغت كميات المسجلة في سنة الحيمر 156.8 ملم.

عاصفة 2002

وتحدث د. النجار عن الحالة الثالثة من الأنواء المناخية فقال إن عاصفة 2002 تكونت قبالة السواحل الجنوبية الغربية للهند في 6 مايو 2002 حيث كان مسارها باتجاه سواحل السلطنة لتصل بعد ذلك إلى سواحل محافظة ظفار في 10 مايو وأضاف أن هذه الحالة استمرت لمدة يومين، وأدت إلى هطول كمية كبيرة من الأمطار، وأحداث اضرار مادية.

أسباب الظاهرة

وتطرق د. النجار خلال حديثه إلى أسباب حدوث ظاهرة الخريف، حيث قال إن من أبرز أسباب حدوث الخريف الفرق بين درجة حرارة مياه البحار ودرجة حرارة اليابسة، وهبوب الرياح الجنوبية الغربية التي تكون جنوبية شرقية في نصف الكرة الجنوبي وتتحول إلى جنوبية غربية عند عبورها خط الاستواء نحو نصف الكرة الشمالي وذلك نتيجة لدوران الأرض حول محورها.
وأوضح أن الرياح الموسمية، التي تعرف أيضا بالرياح التجارية، تهب من نصف الكرة الجنوبي حيث تتحول من جنوبية شرقية في نصف الكرة الجنوبي إلى جنوبية غربية عند عبورها خط الاستواء نحو نصف الكرة الشمالي، ونتيجة للضغط الذي تسببه الرياح الموسمية الجنوبية الغربية على المسطح المائي والتيار النفاث السفلي الذي يمر بمحاذاة السواحل الصومالية والقرن الأفريقي عبر بحر العرب وينحرف نحو سواحل الهند والذي تصل سرعته إلى ما بين 40 و50 عقدة، يؤدي هذا الضغط على المسطح المائي إلى إزاحة للمياه إلى الجانب الأيمن من مسار التيار النفاث السفلي ما يؤدى إلى صعود التيارات الباردة من قاع البحر على الجانب الأيسر من مسار التيار النفاث السفلي ويؤدي ذلك إلى خفض درجة حرارة مياه البحر عند سواحل محافظة ظفار نتيجة لصعود التيارات الباردة من قاع البحر، حيث تنخفض الرؤية في مياه البحر نتيجة حركة هذه التيارات فنجد أن اقل درجة حرارة لمياه البحر قد سجلت في ميناء صلالة هي 18 درجة مئوية، حيث إن الفرق بين درجة حرارة الهواء ودرجة حرارة مياه البحر تتراوح من 4 إلى 6 درجات مئوية، فعندما يمر الهواء الساخن الرطب فوق مسطح بارد تجري هنا عملية تبريد للهواء نتيجة ملامسته للمسطح البارد فإذا كانت درجة حرارة البحر أقل من درجة حرارة قطرة الندى بالنسبة للهواء يتكون الضباب في بحر العرب قرب سواحل المحافظة ويتحرك نحو اليابسة بفعل الرياح الجنوبية الغربية ويطلق علي هذا النوع من الضباب (warm advection fog) يؤدي الضباب إلى انخفاض في الرؤية الأفقية والتي قد تصل إلى اقل من 1000 متر أما في حالة الشبورة المائية فتكون الرؤية الأفقية 1000 متر أو أكثر من ذلك.
ويؤكد د. النجار أن استمرار هبوب الرياح الجنوبية الغربية المحملة بكميات كبيرة من بخار الماء على المناطق الساحلية واصطدامها بالجبال في محافظة ظفار يؤدي إلى صعود الهواء المحمل ببخار الماء إلى أعلى ما يؤدى إلى تكثف بخار الماء مكونا السحب المنخفضة وهذه العملية تعرف بعملية التبريد الذاتي للهواء وقد تتكون بعض السحب المنخفضة فوق البحر وتتحرك بفعل الرياح نحو المناطق الساحلية والجبال المجاورة لها.

درجة الحرارة

ويقول د.خالد النجار إن التغير اليومي في درجات الحرارة قليل جدا في موسم الخريف وذلك نتيجة لوجود السحب وتساقط الرذاذ حيث إن الهواء قريب جدا من درجة التشبع أسفل الانقلاب الحراري، فنجد أن متوسط درجة الحرارة في فصل الخريف في ولاية صلالة 26 درجة مئوية واقل درجة حرارة سجلت في صلالة خلال فصول الخريف السابقة منذ عام 1986 وحتى 2010 هي 21 درجة مئوية وأعلى درجة حرارة قد سجلت هي 34 درجة مئوية.
أما في الجبال الوسطى للمحافظة وفي محطة قيرون حيريتي فيبلغ متوسط درجة الحرارة 21 درجة مئوية خلال فصل الخريف وأدنى درجة حرارة سجلت هي 16 درجة مئوية، بينما أعلى درجة حرارة سجلت كانت 40 درجة مئوية وهي ناتجة عن تأثير رياح شمالية نتيجة ضعف الخريف ونتيجة تحرك أخدود الهند الموسمي الذي يمتد على السلطنة نحو الشرق ما يؤدى إلى هبوب رياح شمالية من الصحارى على المناطق الجبلية وبالتالي ترتفع درجة الحرارة وهي من أسباب ضعف الخريف أحيانا.

الرطوبة النسبية

ويشير د.النجار في حديثه إلى أن أعلى رطوبة نسبية سجلت خلال فصل الخريف في ولاية صلالة بلغت 100% واقل رطوبة 45% بينما متوسط الرطوبة خلال هذا الفصل هو 85%، أما في الجبال الوسطى فنجد أن أعلى رطوبة نسبية سجلت هي 100% وأقل رطوبة نسبية 2% بينما متوسط الرطوبة النسبة خلال فصل الخريف في الجبال الوسطى للمحافظة وفي محطة قيرون حيرتي هي 93% ونلاحظ أن الرطوبة في المناطق الجبلية بها تذبذب مقارنة بالمناطق الساحلية حيث إن المناطق الجبلية قد تتأثر بالرياح الشمالية نتيجة حركة أخدود الهند الموسمي للشرق ما يؤدى إلى هبوب الرياح الشمالية وانخفاض كبير في الرطوبة النسبية في فصل الخريف في بعض السنوات أحيانا.

الرياح والضغط الجوي

ويقول د.خالد النجار: نجد أن اقل ضغط جوي يتم تسجيله في محافظة ظفار يكون خلال فصل الخريف، بينما يتكون ضغط جوي مرتفع جنوب خط عرض 15 شمالا ونتيجة للفرق بين الضغط الجوي المرتفع والضغط الجوي المنخفض تنشأ رياح قوية في منطقة بحر العرب تتراوح سرعتها ما بين 30 إلى 40 عقدة وعلى سهل صلالة نجد أن الرياح السائدة خلال هذا الفصل هي جنوبية بذبذبة قدرها 30% ثم الرياح الجنوبية الغربية وبذبذبة قدرها 26% متوسط سرعة الرياح خلال فصل الخريف 7 عقد، وأعلى سرعة رياح سجلت في فصل الخريف كانت 20 عقدة من الاتجاه الجنوبي الغربي خلال فترة النهار وتتحول الرياح إلى جنوبية شرقية خفيفة أثناء الليل، أما في الجبال الوسطى لمحافظة ظفار وفي محطة قيرون حيرتي فنجد أن الرياح السائدة هي جنوبية شرقية بذبذبة قدرها 52% تليها الرياح الجنوبية بذبذبة قدرها 46%.

كميات الأمطار

وحول أعلى كميات الأمطار التي هطلت خلال فصل الخريف، ذكر د.النجار أنه خلال الفترة من (1986 - 2009) سجل عام 1988 أعلى كمية أمطار خلال تلك الفترة في فصل الخريف حيث بلغت 102.6 مم، كما سجل عام 1996 ثاني أعلى معدل لهطول الأمطار في فصل الخريف إذ بلغت كمية الأمطار 85.2 مم، بينما سجل عام 2008 أقل معدل لهطول الأمطار في نفس الفترة حيث بلغت 16.8 مم.
وأضاف أن شهري يوليو وأغسطس شهدا أعلى كمية هطول أمطار في صلالة خلال أكثر من 65 عاما في الفترة (1943 - 2009) بينما كان شهرا يناير وفبراير هما الأقل، كما شهد عام 1963م هطول أعلى كمية أمطار في صلالة خلال 65 عاماً إذ بلغت أكثر من 500 مم، بسبب تعرضها لحالة مدارية في مايو 1963م

العام الحالي

وبحسب آخر الإحصائيات حول معدلات هطول الأمطار، أكد د. النجار أن الخريف هذا العام يعد نشطاً إذ بلغت كميات الهطول في مدينة صلالة خلال الفترة من 21 يونيو الفائت وحتى 16 أغسطس الجاري 89 مليمترا وهو أعلى من المتوسط الذي يقدر بـ 54 مم، كما سجلت ولايات طاقة وسدح ومرباط كميات هطول بلغت 57.8 و7.4 و24.8 مم على الترتيب، إضافة إلى ميناء صلالة الذي سجل 78.4 مم.

وحول أبرز الأسباب التي تجعل الخريف نشطا، قال د.النجار: هناك عدة أسباب لذلك وهي تحرك مرتفع الماسكرينا إلى الشمال من موقعة، وتكوّن منخفض حراري فوق جنوب شرق السعودية واليمن، وزيادة سرعة الرياح فوق المناطق الجبلية والمناطق الصحراوية، ووجود أخدود من الضغط الجوي المنخفض على الساحل الغربي للهند، وانخفاض درجة حرارة مياه البحر.

وعن الأسباب التي تجعل الخريف ضعيفا في محافظة ظفار، قال: هناك 8 أسباب هي: تحرك مرتفع الماسكرينا إلى الجنوب أو إلى الشمال الغربي أو الشمال الشرقي من موقعه، تحرك التأثيرات الغربية فوق شمال عمان، ضعف الخريف في الهند، ضعف الرياح الجنوبية فوق الجبال والمناطق الصحراوية، تغير الرياح في محطة ثمريت إلى شمالية شرقية أو شمالية غربية أثناء النهار، ارتفاع درجة حرارة مياه البحر، تذبذب حركة ITCZ وتكوّن سحب ركامية أو منخفضات على المناطق الصحراوية من السلطنة وأيضا تحرّك المنخفضات من باكستان نحو خليج عمان والساحل الجنوبي الشرقي، وأخيرا إذا سبق موسم الخريف دخول حالة مدارية في شهر مايو أو يونيو.