عالم.. يعمل

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٥/يناير/٢٠١٦ ٠٠:٥٠ ص

محمد بن سيف الرحبي

البلدان التي تعمل هي القادرة على اجتياز المحن وفرض حضورها على المشهد العالمي.. اقتصاداً وسياسة.

أما البلدان الخاملة فلها الحق فقط في مضغ الشعارات والتفوه بعبارات من نوع الهُوية والخصوصية والوطنية.

سألت صاحبي عمّ يتحدث الصينيون وهم يتزاحمون في محطات المترو؟ لأن لغتهم نشعر أنها أشبه باثنين يتخانقان فيعلو الصوت.. أجابني بأنهم لا يتحدثون إلا في العمل.. المصنع أو الشحنة المرسلة والأخرى المستقبلة، والقليل عن حياتهم. سألته عن السياسة.. فقال إنهم يتجنبون الحديث عنها. شعرت أن ذلك سر تفوق الصين.
عندما يتحدث معظم الناس عن السياسة تصاب البلدان بحالتين: ضعف في الرؤية لأن السياسة أصبحت سلعة رخيصة قابلة للتداول، وينسى الناس العمل لأن السياسة في بلدان عدة تصيب المرء بالإحباط وعسر الهضم.. أعني عسر الفهم.
ملايين البشر يتحركون في الشوارع يوميا ولم أسمع صوت صراخ أو تدافع بالأيدي.. يسيرون ببرمجة عصبية تعرف حدود السير، فالمدينة غوانزو أو كانتون معروفة بمصانعها وأسواقها وتنوعها البشري حيث يأتيها رجال الأعمال من كل الدنيا بحثا عن لقمة عيش من خلال صفقة تجارية. كل بحسب وزنه في عالم المال.
يعيش في الصين 56 قومية أشبه ببلدان عدة داخل بلد واحد، ولأن العمل هو شعارهم فلم نسمع عن أزمات جوع تعرفها هذه البلاد الهادرة ببشر يفوق عددهم سكان عشرات البلدان الأخرى.
في مجمع تجاري رأيت النموذج الصيني على الواقع.. مبنى مكون من عدة طوابق وكل طابق بمئات المحلات الصغيرة فلا يبيع هذا ما يبيعه ذاك. محل متخصص في جزئية بسيطة لكنها تملأ المكان، إنما تأتيه طلبية بآلاف القطع منها وأغلبها للتصدير.. فتعمل وراء هذا المكان الصغير مصانع أو بيوت في تخصص تبدع فيه، وكما عرفت فإن مصانع الصين تنتهج هذه الرؤية فمثلا يوجد مصنع كبير لإنتاج مكيفات حافلات النقل فقط.
مبنى آخر خصص للإلكترونيات.. أقول في نفسي مدهشة هذه البلاد.. عينها على كل شيء.. لا تريد أن تترك للعالم فرصة أن يلتقط أنفاسه وراءها.. الأسعار متقاربة مع ما عهدناها عليه إلا بفارق بسيط.. لكن الشراء بالكميات يخفض سعر السلعة إلى النصف، والكمية تعني ربما خمسة آلاف قطعة.. ذلك يعني أنك ستجعل مصنعا يعمل بآلاف العمال يتمدد بمشروع طلبية أخرى.. وهكذا.
الاقتصاد الصيني لا يعرف الهدوء.. ويتمتع بميزان تقني عالي المستوى، دولة ثرية.. لكن إذا أصاب العمال الغنى فإنهم يتكاسلون، وذلك يعني تراجع الإنتاج، وذلك يعني تراجع الفائض التجاري.. وطالما المؤشرات جيدة فإن نهوض التنين يسير كما يراد له.. داس التنين على حريات أو حقوق بشر في مجتمع يراد له أن يعمل ويعمل ويعمل.
أما العالم الغربي المنافق فإن مسألة حقوق الإنسان خاضعة لمصالحه.. ولتذهب هذه المقولات إلى الجحيم طالما أن الاقتصاد الصيني به منافع.. مشتركة.