من أجل تنمية لا تَضُر

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٦/أغسطس/٢٠١٦ ٢٠:٤٣ م
من أجل تنمية لا تَضُر

ميشيل فورست

أكدت المؤسسات المالية الدولية، بما في ذلك مجموعة البنك الدولي، والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، وغيرها من بنوك التنمية والاٍستثمار الإقليمية، على أهمية المشاركة، والحكم الرشيد، والمساءلة في البلدان التي تستثمر فيها الأموال. وسيكون التدقيق الذي من المحتمل أن تضيفه هذه المؤسسات موضع ترحيب، لأن تمويل التنمية سوف يصبح أداة قوية لحماية حقوق الإنسان، طالما أن المجتمعات لها رأي في كيفية استخدامه.
لسوء الحظ، موازاة مع الزيادة في تمويل التنمية الجديدة في جميع أنحاء العالم، وخاصة في مشاريع الطاقة والبنية التحتية، هناك أيضا زيادة طفيفة في الجهود التي تبذلها الحكومات لتقييد حرية التعبير وتنظيم الجمعيات والتجمع. في هذا السياق، عندما يعبر المدافعون عن حقوق الإنسان عن رأيهم، فإنهم غالبا ما يتعرضون للتهديد. بسب تهمة واحدة، تَعرض بعض النشطاء للتهديد في أكثر من 109 دولة في عام 2015.
لماذا يعارض أفراد المجتمع الذي يتلقى مساعدات التنمية تلك المشاريع؟ في كثير من الحالات، يقومون بذلك لأن الاستثمارات المبذولة في سبيل التنمية يمكن أن تعطل الاٍحتياجات الفعلية للسكان المحليين، وتفرض ضد إرادة السكان، وذلك من شأنه أن يعرض أفراد المجتمع المتضرر لمخاطر جسيمة تتعلق بخرق حقوق الإنسان، ويمكن أن يلحق الضرر بالنظام البيئي المحلي.
فعلى سبيل المثال، يشارك البنك الأمريكي للتنمية في تمويل مشروع مزرعة الرياح في أواكساكا، المكسيك. وعندما اشتكى زعماء السكان الأصليين لمجتمع الصيد المحلي في أواكساكا بأن المرافق الجديدة سيكون لها تأثير سلبي على مصدر رزقهم ونمط حياتهم، تعرضوا لأعمال التخويف والملاحقات القضائية، والاٍعتداءات الجسدية.
وفي مثال آخر، تم التعاقد مع القس أوموت أكوا كمترجم محلي لمساعدة الهيئة المستقلة لتلقي الشكاوى التابعة للبنك الدولي في التحقيق في ادعاءات تقول بأن الحكومة كانت تستخدم أموال البنك الدولي لطرد السكان الأصليين قسرا من أراضيهم. وقد اعتقلت الحكومة أكوا في سبتمبر عام 2015 بتهم مريبة بموجب قانون مكافحة الإرهاب، وهو لا يزال رهن الاٍعتقال حتى هذا اليوم. وفي الوقت نفسه، يواصل البنك الدولي تمويل مشاريع حكومية في إثيوبيا.
وفي تقرير صدر مؤخراً، وجدت مجموعة مراقبة الوثائق لحقوق الإنسان حالات متكررة من الأفراد والمجتمعات المحلية المتضررة من المشاريع الممولة من قبل البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية الذين وقفوا للدفاع عن حقوقهم، لكنهم تعرضوا لمجموعة من الاٍنتهاكات للقيام بذلك. وشملت تلك التهديدات التخويف والاٍعتقال، والتحرش الجنسي، والهجمات العنيفة من قبل الحكومات والشركات وقوات الأمن، أو أطراف ثالثة أخرى حيث تُستثمر أموال المساعدات.
ونظرا للدور المباشر للتنمية في تفاقم أوضاع حقوق الإنسان في المناطق التي تؤثر فيها، فإنه يتعين على الموزعين المساعدة لوقف دوامة العنف. ولحسن الحظ، هناك بالفعل حركة في هذا الاٍتجاه. وقد شنت أكثر من 100 منظمة في المجتمع المدني من مختلف أنحاء العالم حملة لحث مؤسسات تمويل التنمية والحكومات لاحترام حقوق الإنسان في مشاريعهم، وتعزيز بيئة مواتية لمشاركة آمنة في عمليات التنمية، وضمان أن استثماراتهم لن تُعرض المدافعين عن حقوق الإنسان للخطر.
ولكن النجاح يتطلب مبادرة من البنوك. بداية، ينبغي على الممولين إتباع مبدأ لا للأذى: بغض النظر عن الفوائد الاٍقتصادية المحتملة، لا ينبغي أبدا للتنمية أن تُعرض حياة الناس وحقوق الإنسان الأساسية للخطر.
وهذا يعني أن المساعدات يجب أن تكون مشروطة بالتعهدات الملزمة لاحترام الحقوق وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان، وضمان أن المشاريع الجديدة لا تُسبب أو تساهم في انتهاكات حقوق الشعوب الأصلية، مثل عمليات الإخلاء الإجباري أو انتهاكات حقوق العمال. على سبيل المثال، يجب على الممولين المساعدين تعيين قوات الأمن للإشراف على المشروع، أو تدريب أولائك الذين يستجيبون للاٍحتجاجات المتعلقة بالمشروع بشكل صحيح والتقيد الصارم بالمعايير الدولية في إدارة التجمعات العامة.
وفي تقريري المقبل للجمعية العامة للأمم المتحدة سأؤيد "نهج عدم التسامح" مع عمليات القتل وأعمال العنف ضد المدافعين عن البيئة في مجال حقوق الإنسان. لذا يجب أن تضع بنوك التنمية تدابير وبروتوكولات فعالة لدعم النشطاء والرد على أي تهديدات أو عمليات قمع ضد الأفراد أو منظمات المجتمع المدني المدافعة عن حقوق الإنسان في اتصال مع أنشطة التنمية. كما يجب التأكيد على أن الشفافية والمشاركة والتشاور لا تشكل جزءا من حقوق الإنسان فحسب، بل أيضا تعزز عملية التنمية. ويجب على البيئة الآمنة والمواتية للتنمية المستدامة أن تسمح للناس بانتقاد صيرورة العملية دون خوف من الاٍنتقام، وسوف تستفيد معظم المشاريع على المدى الطويل إذا تم قبولها، أو المصادقة عليها تماما، من قبل المجتمعات المحلية المتأثرة بشكل مباشر.
ولأن الحكومات والشركات المستفيدة تعتمد على المؤسسات المالية الدولية ليس فقط من أجل المال، ولكن أيضا من أجل الحصول على المساعدة الفنية والمشورة في مجال السياسات، فإن هذه المؤسسات في وضع جيد لتغيير ثقافة التنمية والقيام بعملية أكثر أمانا وأكثر إنتاجية.
فالعديد من هيئات الشكوى بهذه المؤسسات، بما فيها البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية والبنك الأمريكي للتنمية، تقوم حاليا بوضع مبادئ توجيهية حول كيفية حماية المشتكين. وهذا أمر مشجع، لكن الآن المؤسسات نفسها يجب أن تأخذ هذه العملية على محمل الجد لتظهر أنها جادة بشأن التزاماتها في مجال حقوق الإنسان والمسؤولية اتجاه أولائك الموجودين على الخطوط الأمامية للتنمية. على كل حال، ينبغي على التنمية أن تساعد، لا أن تضر.

ميشيل فورست مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان.