بعد أربعة عشر عاماً بائسة بين جدران السجن سيئ السمعة يرفض مغادرة «جوانتانامو»

الحدث الأحد ٢٤/يناير/٢٠١٦ ٢٣:٥٠ م

جوانتانامو –
أعلن ناطق باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أن معتقلا يمنيا في جوانتانامو قرر البقاء حاليا في هذا السجن الأمريكي الواقع في كوبا الذي أمضى فيه 14 عاما مع أن السلطات وافقت على نقله.

وصرح اللفتنانت غاري روس أنه كان من المقرر نقل محمد علي عبد الله باوزير الأربعاء الفائت لكنه غيّر رأيه في اللحظة الأخيرة. واكتفى المتحدث بالقول إنه «لا يمكن كشف تفاصيل قرار معتقل رفض نقله إلى بلد ثالث، باستثناء أنه لم يقبل العرض بنقله».

وأضاف روس أن المعتقل اليمني يبقى مع ذلك على لائحة البنتاجون للأشخاص الذين تمت المصادقة على نقلهم وسيواصل المسؤولون محاولة نقله من جوانتانامو.
وتابع «سنبدأ مجددا التفاوض مع بلدان عديدة» بشأن استقباله. ولم تكشف وزارة الدفاع البلد الذي رفض باوزير التوجه إليه.
من جهته، قال جون شاندلر محامي باوزير إن موكله لم يعد بإمكانه التأقلم مع الحياة خارج سجن على ما يبدو. وأضاف أنه «بقي لفترة طويلة في جوانتانامو وهو خائف من فكرة التوجه إلى بلد غير الذي لديه فيه عائلة».
وقال مسؤول أمريكي طلب عدم كشف هويته إن اليمني أبدى رغبته في أن ينقل إلى بلد عربي. وبحسب ملفه الذي نشرته «نيويورك تايمز» فإن محمد علي عبد الله باوزير قاتل مع أسامة بن لادن.
وصرح الكابتن جيف ديفيس وهو ناطق باسم البنتاجون أيضا «ندرس إيجاد أماكن للبقاء في الولايات المتحدة لمجموعة الأشخاص الذين نعتقد أنه لا يمكن نقلهم بأمان على الأرجح».
وجاءت تصريحات ديفيس بعيد نقل معتقلين اثنين من سجن جوانتانامو العسكري إلى البوسنة ومونتينيجرو، مما يخفض عدد السجناء الباقين في هذا المعتقل المثير للجدل إلى 91 معتقلا، أي أقل من مئة للمرة الأولى منذ 2002.
وبين هؤلاء تمت الموافقة على نقل 34 . ويستمر اعتقال الباقين لفترة غير محددة باعتبارهم خطرين جدا أو في انتظار محاكمتهم.
ويريد الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي يرى أن معتقل جوانتانامو يشكل أداة دعائية للجهاديين، نقل المعتقلين إلى منشآت داخل الولايات المتحدة وطلب من وزارة الدفاع تقديم مقترحات لإقامة «جوانتانامو شمالي» لإغلاق المعتقل في كوبا.

قصة معتقل

يبحث الرئيس الأمريكي باراك أوباما في عامه الرئاسي الأخير عن سبيل للوفاء بوعد قطعه بعد تنصيبه في يناير 2009 لإغلاق معتقل جوانتانامو خلال عام إلا أن الأفق أمامه -على ما يبدو- مسدود.
وأقر وزير دفاعه أشتون كارتر بأنه «غير متأكد من أن معتقل جوانتانامو سيغلق قبل انتهاء ولاية أوباما الرئاسية».
تعود قصة هذا المعتقل إلى العام 1903 حينما أجرت كوبا أرضا مساحتها 88 كيلومترا مربعا في خليج جوانتانامو لإنشاء قاعدة بحرية وتحول هذا الإيجار لعقد دائم بعد ثلاثين عاما مقابل أكثر من أربعة آلاف دولار شهريا، واعتقل آلاف الكوبيين والهايتيين في هذا المعتقل في بداية التسعينيات غداة انقلاب بهايتي العام 1991.
لكن هذا المعسكر قفز إلى الأضواء مجددا بعد هجمات 11 سبتمبر والحرب الأمريكية على أفغانستان العام 2001، ففي 11 يناير 2002 وصل أول المعتقلين من باكستان وأفغانستان إليه، ورغم إقرار المحكمة الأمريكية العليا ببعض الحقوق للمعتقلين الذين بلغ عددهم -حسب وكالة الصحافة الفرنسية- 779 فإنها لم تصدر ما يلزم السلطات الأمريكية تطبيق هذه الحقوق. ولكي تقطع الطريق أمام منح أي حقوق لهؤلاء زعمت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش أن «معتقل جوانتانامو خارج الأراضي الأمريكية، ولهذا فهو غير خاضع لدستور البلاد».

عقبات

وشهد هذا المعتقل الذي لا يزال يحتضن أكثر من مائة معتقل حتى اليوم عدة حوادث انتهكت فيها آدمية المعتقلين وحقوقهم، كما توفي سبعة داخله، وكلف الخزينة الأمريكية العام 2014 نحو أربعمائة مليون دولار، فيما كانت تكلفته في 2010 أكثر من 522 مليونا.
سعت إدارة أوباما -ومنذ لحظة توقيعه الأمر التنفيذي في 22 يناير 2009 لإغلاق المعتقل- بكل الوسائل لتنفيذه، حيث قامت بنقل بعض المعتقلين إلى أمريكا لمحاكمتهم وسلمت بعضهم لبلدانهم الأصلية ونقلت آخرين إلى بلدان أخرى، لكن هذه الإجراءات لم تف بالغرض.
ويقف الكونجرس سدا منيعا بوجه إغلاق هذا المعتقل ويرفض بشكل قاطع نقل «إرهابيين» إلى بلادهم، ولهذا حينما مرر ميزانية الدفاع التي بلغت 607 بلايين دولار حصنها بمنع الرئيس نقل أي معتقل إلى البلاد، لكن أوباما وقع الموازنة وأرفقها بملاحظة أن «الأحكام الواردة في هذا القانون بشأن نقل المعتقلين تنتهك الفصل الدستوري بين السلطات».

مخاوف

ويدفع مساعدو أوباما بقوة ليستخدم سلطاته التنفيذية ونقل المعتقلين الباقين في جوانتانامو إلى معتقلات أو محاكمات داخل أمريكا من دون انتظار موافقة الكونجرس، غير أن الرئيس -على ما يبدو- لا يريد الاصطدام بالمؤسسة التشريعية في عامه الأخير، إذ قال إنه يقدم خطة لإغلاقه وتابع «لن أفترض أن الكونجرس يرفض، هناك رفض كبير داخله، يمكننا أن نطلق حوارا جديا بشأن فائدة دفع مئات ملايين الدولارات لحراسة عشرات المعتقلين».

فزاعة الإرهاب

ورفع أوباما أيضا فزاعة «الإرهاب» في معركته لإغلاق المعتقل، فأكد أن المعتقل يغذي دعاية «الجماعات الإرهابية»، وأضاف أن «جوانتانامو يستخدم في إيجاد أكذوبة أن أمريكا في حرب ضد الإسلام».
ويبدو أن النزاع بين أوباما والكونجرس ليس سياسيا فقط بل أيضا قانونيا، فهو في حال خالف قرار الكونجرس يرتكب مخالفة دستورية ويناقض هجومه على إدارة بوش عندما كان مرشحا للرئاسة في 2007 حينما طالب بـ «وقف تقويض الدستور وقيم أمريكا بذريعة الحرب على الإرهاب».
وطرأ عامل جديد على كل ما سبق هو «المخاوف الأمنية»، ويقول أستاذ القانون الدولي كريس إديلسون لشبكة «سي بي أس» الأمريكية إن «الأجواء الأمنية الحالية صعبت على أوباما طرح موضوع نقل مشتبه فيهم بالصلة بالإرهاب لأمريكا حتى لو نقلوا إلى سجون تخضع لإجراءات أمنية مشددة، فبعد هجمات باريس وسان برناردينو الناس مرعوبون، وهناك ساسة يستغلون هذا الموضوع».
في السياق، يتفق المحلل الأمني خوان زارتا مع كلام إديلسون، ويوضح لـ «سي بي أس» أن «إغلاق جوانتانامو من دون خطة حقيقية لتحصين البلاد من هؤلاء الإرهابيين الخطيرين الذين لن يخضعوا لأية محاكمة، ومن دون خطط لملاحقة واعتقال واستجواب الإرهابيين في المستقبل خطوة نحو الهاوية»، وخلص إلى أنه «في حال تصرف أوباما بتفرد ومن دون إيجاد أجوبة لأسئلة خطيرة سيترك لخلفه تركة ثقيلة تهدد الأمن القومي».