المساجد الفرنسية تحف معمارية تتوزع في المدن والضواحي

مزاج الاثنين ١٥/أغسطس/٢٠١٦ ١٤:٣٢ م
المساجد الفرنسية
تحف معمارية تتوزع في المدن والضواحي

باريس- هدى الزين

المساجد في فرنسا تعتبر قبلة المسلمين المهاجرين الذين يجدون فيها واحة الإيمان والروحانية العميقة في ظروف الحياة الصعبة ومرارة الاغتراب، وهي تتزايد مع ازدياد عددهم خصوصا مع دخول العديد من الأوربيين الدين الإسلامي.

وتعتبر بعض من المساجد الكبرى في فرنسا مراكز ثقافية إسلامية وأخرى مساجد صغيرة ومصليات حيث يوجد فقط 60 مسجدا بمأذنة من بين 2260 مسجدا تتوزع في المدن الفرنسية، ومعظمها في الضواحي والمناطق التي يقطنها المهاجرون العرب والأفارقة والأتراك وبعض من الجنسيات الآسيوية.

ويصل عدد المسلمين التقريبي إلى حوالي ستة ملايين نسمة من مختلف الجنسيات ولكن العدد الكبير من المسلمين ينتمون إلى بلدان المغرب العربي حيث تعتبر الجزائر أكثر الجاليات المسلمة على الأرض الفرنسية ويصل عددهم الى أكثر من ثلاثة ملايين نسمة ويليهم المغرب ثم تونس.
لذلك تأخذ المساجد طابع البلدان التي يعيش بها أكثرية من المهاجرين من حيث الطابع المعماري والإداري.
وتحتوي غالبية هذه المساجد على مراكز ثقافية بسيطة وقاعات الصلاة بدون مآذن وكذلك كلها تحتوي على قاعات صلاة للنساء، ويتم الحصول على التمويل من الدولة ومن تبرعات المواطنين، أما أكبر المساجد التي تعتبر مراكز دينية وثقافية فهي مسجد باريس الكبير ومسجد ايفري كوركورون ومسجد ليون ومسجد مارسيليا وستراسبورغ.
وبالنسبة للعاصمة باريس فيوجد فيها ستة وعشرون مسجدا و44 قاعة صلاة وثلاثة مساجد في الضواحي الباريسية من أهمها مسجد باريس الكبير ومسجد الدعوة في منطقة ستاينغراد الباريسية ومسجد ارجنتيو، ومسجد عمر ويقع في حي «بيير تمبو»، في منطقة بلڤيل، ترعاه جماعة الدعوة والتبليغ، ومسجد جونفليي ومسجد كريتاي: وهو مسجد حديث، تمَّ تدشينه في شهر رمضان الفائت في مدينة «كريتاي» إحدى الضواحي الجنوبية للعاصمة باريس ومسجد مونتروي ويعتبر هذا المسجد أحد أبرز المشاريع الكبرى في منطقة «سانت ديني» شمال باريس، وهي أكبر منطقة يتجمع فيها المسلمون في فرنسا بحوالي نصف مليون مسلم.
ويجسد مسجد باريس الكبير فنون العمارة الإسلامية ويعتبر معلما دينيا وسياحيا في باريس ويعتبر من أجمل المساجد في فرنسا.
والمبنى الذي يقع في منطقة جوسيو قرب معهد العالم العربي وجامعة السوربون الحديثة، مستوحى معماريا من جامع القرويين بفاس، والمنارة من جامع الزيتونة بتونس وبني هذا الصرح الإسلامي على مساحة كبيرة تقدّر بـ 7500 متر مربع، وترتفع مئذنة هذا المسجد إلى طول 33 متراً.
وتواجه المدخل الرئيسي حديقة غناء تتوزع بها البرك والنوافير والأشجار والزهور والخمائل لتذكّر بحدائق قصر «الحمراء» في «غرناطة»، حيث يغلب الطابع الأندلسي على الهندسة المعمارية للمسجد والمستوحاة من الفن الأندلسي بمدينتي فاس وتلمسان،
كذلك تزين الجدران والممرات النقوش التي تغطي جدران المسجد من الداخل، عند مستوى البهو الكبير خارج قاعة الصلاة على يمين الحديقة، ويغلب على هذه النقوش اللون الأزرق.
وباعتبار أن اللون الأخضر هو اللون الذي يُعرف به الإسلام، تم استخدام هذا اللون لتزيين شرفات البهو الذي تتوسطه نافورة جميلة.
كما تمت تغطية البهو بمادة بلاستيكية بيضاء حتى يتم استغلاله كمكان للصلاة يوم الجمعة.
أما قاعة الصلاة فهي أيضاً تحفة معمارية تجمع بين الطابع القديم والحديث، حيث تم الاحتفاظ بالطريقة التقليدية في الإنارة، وتوجد ثريا معلقة في قبة المسجد تزن 300 كلغ، كما يوجد على يمين المحراب منبر قُدّم هدية من الملك المصري فؤاد.
والفقيه والشاعر أحمد سكيرج هو ناظم الأبيات الشعرية المنقوشة داخل وخارج المسجد.
وفي مسجد باريس الكبير توجد مكتبة ومدرسة لتعليم اللغة العربية ومركز لعقد الزواج وختان الأطفال المسلمين ومركز لاعتناق الإسلام وفيه صالات للندوات والمحاضرات وعقد اللقاءات مع الفدراليات والجمعيات والاتحادات الإسلامية في فرنسا باعتبار المسجد هو المرجع الديني لدى السلطات الفرنسية وكذلك ينظم فيه معرض الكتاب الإسلامي.
كما توجد للمسجد ملاحق خلف بنائه تضم حماما مغربيا ومطعما وكافيتريا ويعتبر مسجد باريس الكبير قبلة المسلمين في شهر رمضان المبارك وتقام فيه صلاة التروايح والإفطار الرمضاني اليومي ويتلقى الزكاة من المسلمين لتوزيعها على الفقراء والمحتاجين كما يمكن للصائمين تناول افطارهم في ملاحق المسجد كالمطعم المغربي وكذلك تناول الشاي الأخضر بالنعناع مع الحلوى المغربية.
أما المسجد الكبير في مدينة ستراسبورغ فشيد على مساحة تفوق 10 آلاف متر مربع، ليستقبل 1500 من المصلين، 500 منهم من النساء، حيث يتميز مسجد ستراسبورغ بأكبر قاعة للصلاة وتبلغ مساحتها الإجمالية 1100 متر مربع اضافة الى 250 مترا مربعا للنساء، ما يؤهلها لتكون أكبر قاعة صلاة في فرنسا كلها.
وشيد المسجد بوسط المدينة وأشرف على هندسته المهندس المعماري الإيطالي العالمي ”باولو بورتيغيزي” الذي كان وراء تصميم مسجد روما العتيق، وما يميز المسجد أنه يحتوي على قبة ذهبية ضخمة، تشبه إلى حد كبير القبة النحاسية للمسجد الأقصى، والقبة يصل ارتفاعها إلى 24 مترا وأعمدته الثمانية بألوان الرمادي والأبيض.
كما حرص القائمون عليه على إضفاء الزخرفة داخل المسجد وفي جوانب المحراب التي تحمل آيات قرآنية وأسماء الله الحسنى، وعكف على نقشها سبعة فنانين متخصصين تم استقدامهم لهذه المهمة من المغرب، بالإضافة إلى الزخرفة المغربية المُثبتة في الجدران في شكل قطع صغيرة تشبه الفسيفساء، وتحمل أشكالا هندسية خلاّبة تم استيرادها بشكل خاص بمجموع 600 ألف قطعة.
أما مسجد مارسيليا الكبير فقد اعتبر عند البدء بتنفيذه بأنه سيكون أكبر مسجد في أوروبا ويتسع لنحو سبعة آلاف مصل بكلفة 22 مليون يورو.
ومدير مكتب الهندسة الذي أشرف على تنفيذ المشروع مع مهندسين عرب، قال لصحيفة «جورنال دو ديمانش « إن المسجد سيكون الأكبر في أوروبا، وإن صالة الصلاة فيه صممت لتستقبل سبعة آلاف مصل كما أن المنارة بنيت على ارتفاع 25 مترا، بالإضافة إلى مطعمين ومدرسة قرآنية ومدرج كبير للندوات مع الاعتماد على تصاميم العمارة العربية الإسلامية بشكل مميز.
ولعل الجديد في المشروع أن المناداة إلى الصلاة ستكون من خلال أشعة ضوئية بدل مكبرات الصوت المعتادة وغير المسموح بها في فرنسا.
أما مسجد إيفري كوركورون في باريس فقد افتتح في عام 1994م بعد أن تمت التبرعات له من قبل السعودي «مكرم خجا»، والحسن الثاني بن محمد ملك المغرب منذ 1985، وقد أشرف على هندسته المهندس الفرنسي الكبير «هنري بودو» الذي هندس كنيسة القيامة في إيفري، ويبعد حوالي 26 كلم عن العاصمة باريس، وشيد من قبل بلدية كوركورون في مدينة إيل دو فرانس في ضاحية إيفري في باريس، وهو يتسع لخمسة الاف شخص، وترتفع مئذنته بعلو 25م، وهو يعتبر مركزا اسلاميا يتضمن قاعات للدراسة لتعليم الداخلين في الإسلام وذوي الحاجات الخاصة، واتخذ المسجد كمركز ثقافي إضافة للصلاة والعبادة.
مسجد مدينة ليون الكبير يعتبر ثاني أكبر مسجد في فرنسا من حيث درجة السعة والاستيعاب والإشعاع، إذ يؤم المسجد ما يقرب من 4000 مسلم ومسلمة لأداء فريضة الجمعة، وزهاء 12 ألف مسلم ومسلمة في صلوات الأعياد.
ويقدم هذا المسجد العديد من الأنشطة الثقافية، في مقدمتها تعليم اللغة العربية، وتلقين مبادئ الإسلام، ويسجل سنوياً أكثر من 400 طالب (قرابة 250 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 6 و14 سنة و150 بالغاً)، ويتابعون دروساً يقدمها أساتذة أكفاء، جنباً إلى جنب مع تقديم دروس الدعم الدراسي لتلاميذ المدارس والثانويات».
ويشرف على تنظيم أيام ثقافية وأمسيات للإنشاد الديني، وحفل اختتام السنة للأطفال وعائلاتهم، وترصد مداخيل هذه الأيام للمشاريع الخيريّة ببعض الدول الإفريقية والآسيويّة.