صناعة تتوارثها الاجيال الغليون.. من الهنود الحمر البسطاء إلى أثرياء أوروبا

مزاج الأحد ٢٤/يناير/٢٠١٦ ٢٣:٢٥ م
صناعة تتوارثها الاجيال
الغليون.. من الهنود الحمر البسطاء إلى أثرياء أوروبا

باريس - هدى الزين
صناعة الغليون فن فرنسي توارثت صناعته عائلات فرنسية في منطقة سان كلود التي تسكن في أحضان جبل جورا بشرقي فرنسا قرب الحدود السويسرية، وهي تعتبر عاصمة صناعة الغلايين في العالم، حيث تنتج حوالي 800 الف غليون سنويا، يصدر منها الى الأسواق الخارجية أكثر من النصف وهو من التقاليد العائلية الموروثة بالنسبة للكثير من أهل المدينة.
والخشب الذي يستخدم يؤخذ من جذور نبات الخلنج وهو يجلب من كورسيكا والجزائر، وقد صدر كتاب بعنوان (صناع الغلايين في فرنسا) من تأليف جيلبرت جويو هو نفسه صانع غلايين من أسرة تحترف هذه الصناعة في سان كلود على مدى أجيال متعددة.
وفي معرض باريس السنوي لفت الانظار جناح فرنسي خاص لعرض منتوجات للغليون الفرنسي حيث عرضت بعض المصانع الفرنسية في جناح كبير تميز بموقعه الاستراتيجي في صالة المعرض وبديكور غاية من الاناقة والتميز حيث عرضت اجمل الابتكارات والاشكال من الغلايين الفرنسية مما صنعته الايدي الفرنسية الخبيرة بهذه الصناعة العريقة وكان من الملفت توافد عشاق تدخين الغليون وهواة جمع الغلايين الجميلة او اكثرها غرابة ولاحظت بان معظم الزبائن كانوا من الكهول الاثرياء او فنانين وهواة جمع التحف.
يقول مسؤول الجناح مسيو هنري توفو عن علاقة الغليون بالثراء والعراقة: كان التدخين تقليدًا تمارسه الطبقات الاجتماعية المختلفة، وما لبث أن أصبح عادة يومية لم تكن تمارس للمتعة فحسب بل للتعبير عن حالة اجتماعية معينة.
فقد كان غليون الفقراء بسيطًا بينما كان غليون الميسورين والأغنياء عبارة عن تحفة فنية مزخرفة مطلية أحيانًا بماء الذهب، وقد قام على عملها مختلف الحرفيين من صناع وصائغين مهرة وفنانين بارعين، واليوم يرتبط الغليون بالترف والثراء كما يمثل ذوق صاحبه في اختيار الشكل والتبغ فهو عندما يشتريه يعتمد على حاسة اللمس الناعمة وعلى الشكل المميز من رسوم ونحت وألوان كذلك يعتمد على علاقة الغليون بيده وفمه لان تدخين الغليون يختلف عن السيجارة لأنه السيجارة تمثل زمن السرعة وتتأقلم مع المدخن في كل مكان وزمان بينما يتمتع مدخن الغليون بطقوسه الخاصة في تعبئة غليونه بالتبغ وإشعاله وبتدخينه على مهل وهي كما يصفها علماء النفس علاقة آلية حميمية تمنح فرصة للمدخن كي ينسى وطأة الزمن السريع.
وقد تصبح علاقة المدخن بغليونه علاقة حميمية واثيرة وهناك تعبير فرنسي تقليدي يعبر عن علاقة المدخن بغليونه فعندما يموت مدخن الغليون يقولون.

ويقول هنري عن اختلاف الغليون عن تدخين السجائر او السيجار: الكثير يفضلون استخدام الغليون عن تدخين السجائر لان الغليون يقوم بتصفية وترشيح الدخان من النيكوتين والمواد القطرانية، ويعمل على تبريد الدخان قبل وصوله إلى الفم، كما ان الأدخنة الصادرة عن البايب أقل ضررا من دخان السجائر الملىء بالتبغ والشوائب، كما أن دخان الغليون من النوع الناعم الذى لا يسبب ضررا على المدخن لأنه يحتوى على فلتر فحم حتى يمتص الرطوبة والغازات وأول أكسيد الكربون.
وعتبر اهل امريكا الأصليين الهنود الحمر الغليون مدعاة فخر وله مكانة كبرى في حياتهم، لذلك كانت قراراتهم الحاسمة لاتؤخذ إلا في جلسة يتحلق فيها الهنود حول غليون كبير وكان الدخان المتصاعد منه رمزا للدعاء والصلاة والتواصل مع الآخرين.
وعندما نزل "كولمبوس" إلى العالم الجديد في رحلته المشهوره عام 1492 في جزيرة كوبا شاهد قرية صغيرة يسكنها قوم لهم ملامح مثيرة ويعيشون في اكواخ من القش وسعف النخيل وعرف منهم ان لهم ملكا يسكن في داخل الجزيرة أعتقد " كولومبس " أن لملكهم أكواما من الذهب..فأرسل بعثة أكستشافية لتساومه على بضاعة يحملونها مقابل الذهب، ولكن البعثه لم تجد إلا فقراء وبين ايديهم لفافات بنية غامقة وبجوارهم نار بها جمرات وعلى احد طرفي اللفافة توضع الجمرة..
اما الطرف الاخر فموضوع في احدى فتحتي الانف ومنه يحدث الشهيق والزفير ويكون على حلقات دخان وبعد ان يستنشق الكوبي من اللفافة مرتين او ثلاثة يسلمها لمن يليه..وهكذا تدور اللفافة بينهم حول الدائرة المنصوبة..تعجب البحارة مما رأوه وبدافع الفضول عرفوا سر هذه اللفافات فهي مصنوعة من اوراق نبات بري ينمو هناك بكثرة وبعد تجربتهم وتأكدهم من آثارها الرائعة..جمعوا البحارة جميع مايستطيعون من هذا النبات واخذوه إلى بلادهم وبعد ذلك اصبح التدخين تجارة هائلة جنى العالم فيها اكواما من الذهب، فإستهلاك الولايات المتحدة الامريكية عام 1980 بلغ ستمائة وخمسين الف مليون سيجارة وتجارة التبغ في العالم هي نفس العام قد بلغت مائة مليون دولار !!
و في أوربا اعتبر تدخين الغليون ضربا من السحر والشعوذة وكانت عقوبة من يدخنه الشنق ثم جاء بطرس الأكبر فرفع حظره في روسيا ولقب بصديق الغلايين ويروى ان الملكة الفرنسية كاترين دي مديسيس كانت تنقع أوراق التبغ وتشرب السائل ألتبغي كما كانت تتنشقه بعد أن تسحق أوراقه وهناك من يقول بان بداية ظهور الغليون في أوائل القرن السابع عشر كانت في تركيا.
وقد اختلف شكل وحجم الغليون التركي ويقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول وهو تجويف الغليون ويسمى "لولاس" الذي اشتُق اسمه من الكلمة التركية "لول"، وهو المكان الذي يحرق فيه التبغ، والثاني هو الساق، أما الثالث فهو ما يعرف باسم "المبسم".
وقد تعددت الزخارف على الغليون لتشمل نماذج هندسية امتزجت بزخارف مستوحاة من الطبيعية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر أشكال الأزهار والشجيرات الصغيرة وأشعة الشمس وقطرات الندى وأشكالاً صنوبرية وقواقع ودوائر ومثلثات.
كما ظهرت أشكال جميلة كرسومات لأشخاص او رسومات الحيوانات مثل الخيول القديمة والأسد أيضا وغيرها من الرسوم المعبرة عن العصر الفيكتوري.
وومع انتشار تدخين الغليون وصل عدد مدخني الغليون ذروته في نهاية القرن التاسع عشر ثم خسرت هذه الصناعة قطاعا واسعا من المدخنين أمام منافسة السيجارة والسيجار خلال القرن العشرين مشاهير يدخنون الغليون ولعل تدخين الغليون ارتبط بشخصيات وأسماء في السياسة والأدب والفن فالرئيس المصري أنور السادات كان من أكثر الشخصيات التي ارتبط اسمها وصورتها بالغليون ويقال ان السادات كان يستخدمه كوسيلة للمحافظة على هدوء أعصابه خصوصا في المواقف الحساسة وبرغبته ان ترتبط صورته كزعيم سياسي بشيء ما، ومن بين المشاهير في الادب والسياسة والفن نجد منهم عالم النفس الشهير فرويد والكاتب الفرنسي سارتر اما تشرشل فقد اشتهر بسيجاره الذي لم يكن يفارق فمه وفي التاريخ الفني العالمي نجد ان لوحة الصبي والغليون" للرسام بابلو بيكاسو والتي يرجع تاريخها الى عام 1905 كانت قد بيعت بمبلغ 104 ملايين دولار لتصبح أغلى لوحة يجري بيعها على الإطلاق.
وهي تعتبر واحدة من أكثر لوحات المرحلة الوردية لبيكاسو جمالا وواحدة من أكثرأعمال بابلو بيكاسو اهمية.
وكذلك يوجد في متحف اورسي لوحة شهيرة لفان كوخ يدخن الغليون بعد ان قطع إذنه وقدمها لحبيبتهز
وللغليون متاحفه التي جمعت أجمل القطع الفنية من الغلايين مثل متحف الآثار بمكتبة الإسكندريةالذي عرض مجموعة من الغلايين تعود إلى عصر محمد علي حيث عرض غليون "شبك" للتدخين من الخشب مكسو بالحرير الأزرق وله شرابة ومبسم من الأبنوس.
ويتكون هذا الشبك من جزأين كل جزء عبارة عن أنبوب، الأنبوب ذو الفوهة المتسعة يوجد فيه جزء مكسور وكان يستخدم لوضع التبغ وفوقه النار، والأنبوب الآخر ذو الفوهة الضيقة نوعاً ما كان يستخدم لسحب الدخان بالفم.
وقد زخرف أنبوب النيران بزخارف نباتية.
وقد كان هذا النوع من الأدوات الخاصة بالتدخين واسع الانتشار في عصر محمد علي الذي حكم مصر من عام 1805 وحتى وفاته في عام 1849.