لا يخفى على أحد أن تأثيرات انخفاض أسعار النفط بدأ يظهر مفعولها على العديد من القطاعات الاقتصادية في البلاد، إلا أنه لا يجب أن نصل إلى حالة الهلع التي نرى البعض يسوّق لها بشكل كبير من خلال العديد من الوسائل والأدوات، كأننا على حافة الهاوية والعياذ بالله..
هذا الشعور النفسي في حد ذاته مشكلة عويصة أكبر من المشكلات التي تواجهنا جراء انخفاض أسعار النفط، باعتبار أن الجهات والأفراد يجب عليهم السعي إلى إيجاد الحلول وليس الوقوف عند المشكلات وتضخيمها، والتوجس من تداعياتها، فهذا السلوك لن يقدّم أو يؤخّر كما يقال من الأمر، بل إنه سوف يضعف الثقة في نفوسنا ويجعلنا ننهار أمام مثل هذه المعضلات، ونقف مكتوفي الأيدي في تجاوز الأزمات، الأمر الذي يتطلب زيادة الثقة في النفس والكفّ عن نشر حالة الخوف في نفوس الناس بأن القادم يتضمن كوارث لا سمح الله.
بلا شك إن ما نشهده ونسمعه عن الأزمة وما قد تخلفه يقشعرّ له البدن من تهويل للأمور وتداعياتها، هذا الخوف ليس له ما يبرّره على العديد من المستويات والأصعدة، فلا يجب أن نكون ضعيفين لهذه الدرجة من الهوان الذي يجعلنا أشبه بالمتجمدين عن الحركة والواقفين بانتظار الأسوأ والترويج له للأسف من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي زادت الطين بلّة بما تحمله من إشاعات وأنباء كاذبة وخرافات ليس لها من الحقيقة شيء.
فأزمة انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية يجب ألا نضخّمها ونحوّلها إلى بعبع يخوفنا ويدخلنا في غياهب ظلام الخوف والكوابيس، وإنما هي أزمة تشمل كل الدول مهما كانت لديها مداخيل أخرى، بشكل أو بآخر هي متأثرة بما تشهده أسعار النفط من تراجع مستمر، رغم أن الإجراءات الحكومية التي اتخذت أعطت إشارات إيجابية راعت الحياة الكريمة للمواطنين، ووجود بدائل للإيرادات النفطية من خلال تدابير مالية محكمة بعيدة كل البعد عن فرض أية أعباء مباشرة على المواطنين، في حين أن كل الخدمات الحكومية المقدمة كما هي عليه بدون أي تأثيرات تذكر في كل المجالات، ولا مساس بكل الأمور المتعلقة بالحياة العامة، فلماذا تسود الضبابية في التعاطي مع الأمور وتهويلها بشكل غير عادي؟.
إن مقومات البلاد وخيراتها كثيرة، ومثل هذه الأزمات تجعلنا نلتفت لها سواء كمواطنين أو حكومة، ونبدأ باستغلالها والاستفادة منها بشكل أفضل مما هو عليه الآن، فالكثير من القطاعات الاقتصادية تحتاج إلى تطوير وتفعيل لزيادة مساهمتها في الاقتصاد الوطني، والنهوض بها لكي تكوّن قاعدة تنويع مصادر الدخل.
بالطبع إن مناقشة الأزمة وتبعاتها ومعرفة ما يجب على الكل عمله هو أمر مشروع وإيجابي ولكن أن يتجاوز الأمر ذلك ويدخل إلى نطاق الهلع والتخويف من القادم ونشر معلومات مغلوطة عن ما ستؤول إليه الأمور في البلاد، فهذا أمر غير محبّذ ومن شأنه أن يلحق الضرر بالمواطن ويحبطه عن القيام بواجباته الوطنية ويجعله أسير هذه التأويلات. نأمل ألا نستسلم أمام هذه المخاوف الزائدة جراء الأزمة وأن نثق في الإجراءات المتخذة وأن ننتبه إلى ضرورة عدم التسرع في إصدار الأحكام دون دليل دقيق.